واشنطن -المغرب اليوم
لا يتوقف الحديث عن إمكانات الذكاء الاصطناعي بوصفه جزءاً من مستقبل العمل. لكن الواقع يشير إلى فجوة واضحة بين التفاؤل الكبير تجاه هذه التكنولوجيا وكيفية استخدامها فعلياً في الصفوف الأمامية للمكاتب والفرق العاملة. تسلط دراسة حديثة أجرتها شركة «غوتو» (GoTo) بالشراكة مع «ورك بلايس إنتليجانس» (Workplace Intelligence) الضوء على هذه المسألة من خلال استبيان شارك فيه 2500 موظف وقائد تقني حول العالم. ما كشفت عنه النتائج هو أن الذكاء الاصطناعي ما زال مغلفاً بوعودٍ أكثر منه نفاذاً عملياً.
الميزات مقابل الواقع
تشير الدراسة إلى تناقض مثير وهو أن 62 في المائة من الموظفين يرون أن الذكاء الاصطناعي مُبالغ فيه، في حين أن نسبة ضخمة تبلغ 86 في المائة يعترفون بأنهم لا يستخدمونه بكامل إمكاناته. كما أبدى 82 في المائة من الموظفين شعورهم بأنهم غير ملمين بالتطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي في أعمالهم اليومية، بينما يعتقد 49 في المائة فقط من القادة التقنيين بأن الموظفين يفتقرون لهذه المعرفة. كما أن الثقة في دقة وموثوقية التقنيات ضعيفة أيضاً، حيث شكك 86 في المائة من الموظفين في نتائج الذكاء الاصطناعي مقارنة بنسبة 53 في المائة من القادة التقنيين. هذا الفارق في الإدراك والتوقع يمثل فجوة كبيرة أُطلق عليها «فجوة الثقة والفهم».
تكلفة الفرص الضائعة
من أبرز نتائج الدراسة أن الموظفين يتكبدون ما يبلغ 2.6 ساعة يومياً أي 13 ساعة أسبوعياً على مهام يمكن للذكاء الاصطناعي أن ينجزها. هذه الساعات الضائعة تتراكم إلى تكلفة ضخمة تقدر بـ2.9 تريليون دولار سنوياً في الولايات المتحدة وحدها. هذا الرقم الهائل يؤكد أن هناك فرصاً غير مستغلة لتحقيق إنتاجية عالية، ما يستدعي استثماراً فعالاً في التدريب واعتماد الذكاء الاصطناعي كأداة دعم أساسية للعمل.
والمثير للقلق أن 54 في المائة من الموظفين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في مهام ذات طابع حساس أو عالية الأهمية، حتى وإن كانت خارج سياسات الشركة المعلنة. أكثر من ذلك، فإن 45 في المائة فقط من المؤسسات لديها سياسات واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، ما يرفع من خطر الانحراف في الاستخدام وسوء التقدير. هذه الأرقام تدفع إلى ضرورة تحديد إطار عمل واضح وتدريب مكثف لضمان الاستخدام الصحيح.
فجوة الوصول إلى الأدوات المناسبة
بعبر الموظفون بوضوح عن حاجتهم إلى أدوات ذكاء اصطناعي مناسبة لأدوارهم، لكن نسبة الذين يحصلون فعلياً على هذه الأدوات لا تتجاوز 40 في المائة، وتنخفض إلى 30 في المائة في الشركات الصغيرة. بالمقابل، يدرك 95 في المائة من القادة التقنيين أهمية أدوات تحليل البيانات ومراقبة الأمن وغيرها. لكن نسبة توفرها لا تتجاوز 69 في المائة. هذه الفجوة في التوفر تعرقل الكفاءة العامة وتضع العراقيل أمام تحقيق الفوائد المرجوة.
كل ما سبق يؤكد أن الطريق إلى الاستخدام الفعلي للذكاء الاصطناعي ليس مجرد تثبيت برامج، بل يتطلب استراتيجية متكاملة تشمل خفض عوائق التبني. يؤكد 77 في المائة من القادة التقنيين أن إنفاق 20 دولاراً شهرياً فقط لكل موظف يمكن أن يوفر ساعة يومياً من الوقت. أيضاً تتضمن وضع سياسات واضحة حيث لا بد من وجود إطار تنظيمي داخلي واضح لتوجيه استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن نطاق أخلاقي وآمن. إضافة لذلك، تبرز أهمية تحسين التدريب حيث إن 81 في المائة من الموظفين و71 في المائة من القادة التقنيين يتفقون على ضرورة تعزيز التعليم والتدريب المرتبط بالذكاء الاصطناعي. ورغم أن 72 في المائة من المؤسسات تتابع إنتاجية الذكاء الاصطناعي، فإن قياس آثار مثل رضا الموظفين وجودة الخدمة أو الصحة الوظيفية لا يتم بشكل كافٍ.
التحول نحو الذكاء الفعلي
ما توصلت إليه دراسة «GoTo» يشبه إلى حد كبير دعوة للاستيقاظ. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد كلمة رنانة أو شعار تقني، بل أداة حضرية تحتاج إلى بنية قوية وتدريب فعّال وتقييم دقيق لنتائجه. أما إذا استمر المعنيون في الإفراط بالتبني دون خطة أو المحتوى التدريبي المناسب، فإن الفرص الضائعة ستبقى تتراكم وتنعكس سلباً على الإنتاجية والكفاءة. لكن الطريق إلى الأمام واضح، يحتاج إلى تنظيم ذكي وتدريب معمق وتأهيل تقني حقيقي. عندها، لن يكون الذكاء الاصطناعي مجرد وعد، بل حقيقة يومية تغيّر طريقة العمل وتحول إثرائه إلى قدرة تنافسية حقيقية.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
شراكة تحولت لصراع إيلون ماسك وسام ألتمان في سباق ربط أدمغة البشر بالذكاء الاصطناعي
إخلاء مطار دمشق الدولي من جميع الموظفين وتوقف جميع الرحلات