واشنطن -المغرب اليوم
تدخل أوروبا منعطفاً حساساً في علاقتها مع التكنولوجيا الأميركية، بعدما تكرّست مؤشرات متزايدة على استخدام واشنطن لتفوقها الرقمي كأداة ضغط سياسي حتى على أقرب حلفائها.ومع تصاعد النفوذ الذي باتت تمارسه شركات التكنولوجيا العملاقة لم يعد الأمر يقتصر على الهيمنة الاقتصادية أو الابتكار التقني، بل تجاوز ذلك إلى مستويات تمس السيادة الرقمية للدول الأوروبية وتُقوّض استقلال قرارها الرقمي.
وفي ظل اعتماد القارة العجوز على البنية التحتية الرقمية الأميركية، من خدمات الحوسبة السحابية إلى الذكاء الاصطناعي ومعالجة البيانات، يتنامى القلق الأوروبي من هشاشة موقعه في معادلة القوة التكنولوجية العالمية. وتزداد هذه المخاوف مع بروز مؤشرات على إمكانية توظيف هذا النفوذ الرقمي كورقة جيوسياسية، بما يهدد قدرة الحكومات الأوروبية على التحكم الكامل في بياناتها وسياساتها التقنية.أمام هذا الواقع، تسعى أوروبا اليوم إلى إعادة ضبط توازنها الرقمي عبر مشاريع استراتيجية وتشريعات صارمة، تتوخى تقليص التبعية وتعزيز الابتكار المحلي، في محاولة لصياغة مستقبل تكنولوجي أكثر استقلالًا واستدامةً، يحمي القارة من الوقوع رهينة لقرارات خارجية لا تصنعها، لكنها قد تدفع أثمانها.
واقعية مثيرة
في هذا السياق، يشير تقرير لـ "نيويورك تايمز" إلى أنه عندما أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا في فبراير ضد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجدت شركة مايكروسوفت نفسها فجأة في خضم معركة جيوسياسية. لسنوات، زوّدت مايكروسوفت المحكمة - التي يقع مقرها في لاهاي بهولندا، وتُجري تحقيقاتٍ وتُحاكم انتهاكات حقوق الإنسان والإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم ذات الاهتمام الدولي - بخدماتٍ رقميةٍ مثل البريد الإلكتروني. لكن أمر ترامب زعزع هذه العلاقة فجأةً بمنع الشركات الأميركية من تقديم خدماتٍ للمدعي العام، كريم خان.
وبعد فترة وجيزة، ساعدت شركة مايكروسوفت، التي يقع مقرها في ريدموند بولاية واشنطن، في إيقاف حساب البريد الإلكتروني الخاص بخان لدى المحكمة الجنائية الدولية، مما أدى إلى تجميد اتصالاته مع زملائه بعد بضعة أشهر فقط من إصدار المحكمة مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب تصرفات بلاده في غزة.صدم امتثال مايكروسوفت السريع لأمر ترامب، صانعي السياسات في جميع أنحاء أوروبا. وقد كان بمثابة جرس إنذار لمشكلة أكبر بكثير من مجرد حساب بريد إلكتروني واحد، مما أثار مخاوف من أن إدارة ترامب ستستغل هيمنة أميركا التكنولوجية لمعاقبة المعارضين، حتى في الدول الحليفة مثل هولندا.
وقال براد سميث، رئيس مايكروسوفت، إن المخاوف التي أثارتها قضية المحكمة الجنائية الدولية تُعدّ "مؤشرًا" على تآكل أكبر في الثقة بين الولايات المتحدة وأوروبا. وأضاف: "لقد صبّت قضية المحكمة الجنائية الدولية الزيت على نار مشتعلة بالفعل".وقال كاسبر كلينج، وهو دبلوماسي سابق في الدنمارك والاتحاد الأوروبي عمل في شركة مايكروسوفت، إن هذه الحلقة كانت في كثير من النواحي "الدليل القاطع الذي كان العديد من الأوروبيين يبحثون عنه"، مضيفاً أنه "إذا استهدفت الإدارة الأمريكية منظمات أو دولًا أو أفرادًا معينين، فإن الخوف يكمن في إلزام الشركات الأميركية بالامتثال". وأضاف: "لقد كان لذلك تأثير عميق".
ويُفاقم الجدل حول التكنولوجيا التوتر المتزايد في العلاقات الأميركية الأوروبية بشأن التجارة والرسوم الجمركية والحرب في أوكرانيا. وقد انتقد ترامب ونائبه جيه دي فانس كيفية تنظيم أوروبا لشركات التكنولوجيا الأميركية، وجعل المسؤولون الأميركيون الرقابة الرقمية والضرائب جزءًا من مفاوضات التجارة الجارية.وزعم المنظمون الأوروبيون أنهم بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على مراقبة أكبر المنصات الرقمية في بلدانهم دون القلق من أنهم سيواجهون ضغوطا سياسية وعقوبات من حكومة أجنبية.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
معركة تكنولوجية بين إيران وإسرائيل تقودها الهجمات السيبرانية والذكاء الاصطناعي