بيروت ـ المغرب اليوم
في يومه الثاني من زيارته إلى لبنان، واصل البابا لاون الرابع عشر توجيه رسائل السلام والرجاء للبنانيين، داعياً إلى اعتماد المصالحة كطريق للمستقبل المشترك، ومشدداً على أهمية بقاء الشباب في وطنهم وعدم الهجرة رغم الأزمات الاقتصادية والسياسية الخانقة التي تمرّ بها البلاد. وجاءت هذه الرسائل في سلسلة من المحطات الروحية واللقاءات الرسمية التي شملت القصر الرئاسي في بعبدا، مزار القديس شربل في عنايا، ومزار سيدة لبنان في حريصا، إلى جانب الاستعداد للمشاركة في حوار بين الأديان في وسط بيروت ولقاء موسّع مع الشباب في بكركي.
وكان الرئيس اللبناني جوزف عون قد استقبل البابا في القصر الجمهوري، بعد مراسم رسمية في مطار رفيق الحريري الدولي بالعاصمة بيروت، شملت إطلاق قذائف ترحيبية من الجيش وأبواق السفن الراسية في مرفأ بيروت. وأكد عون خلال اللقاء أن لبنان "وطن الحرية والكرامة لكل إنسان، وفريد في نظامه الذي يجمع المسيحيين والمسلمين المختلفين والمتساويين"، محذّراً من أن أي اختلال في مكونات البلاد يهدد معادلة التوازن والعدالة. وشدد على أن مستقبل الشرق لا يمكن بناؤه إلا بالشراكة والتعددية والاحترام المتبادل، محذراً من أن انهيار لبنان سيؤدي إلى خطوط تماس جديدة في المنطقة بين أشكال التطرف المختلفة.
وفي خطابه أمام اللبنانيين، قال البابا لاون الرابع عشر إن "لا مصالحة من دون هدف مشترك، ومن دون مستقبل يسود فيه الخير على الشر الذي عانى منه الناس". ودعا الشباب إلى البقاء في وطنهم، معتبراً أن الهجرة خيار سهل في لحظات اليأس، فيما يتطلب البقاء أو العودة شجاعة وبصيرة. ووجّه البابا رسالة مباشرة إلى المسؤولين اللبنانيين قائلاً: "لكم تطويبة خاصة إن استطعتم أن تقدّموا هدف السلام على كل ما عداه"، مؤكداً أن الشعب اللبناني أثبت قدرته على تجاوز الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وإرادته المستمرة في البدء من جديد.
وفي إطار زيارته الروحية، توجّه البابا إلى ضريح القديس شربل مخلوف في عنّايا، حيث وصفه بأنه "رمز الرجاء والصمود الروحي الذي يوحّد قلوب اللبنانيين من جميع الطوائف". وخاطب الحشود أمام الدير مقدّماً أربع ركائز تُلخّص إرث شربل الروحي، اعتبرها "سلوكيات مناهضة للتيار" وضرورية مثل "الماء العذب في الصحراء". من جانبه، اعتبر الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية، الأب العام هادي محفوظ، أن الزيارة تشكّل "نعمة جديدة" تضاف إلى "نعمة مار شربل"، وأن حضور البابا سيطبع تاريخ الدير والرهبانية إلى الأبد، مشيراً إلى أن مار شربل عاش وخدم ودُفن في المكان الذي تحوّل اليوم إلى مزار يؤمه مؤمنون من مختلف الطوائف.
ثم انتقل البابا إلى مزار سيدة لبنان في حريصا، حيث التقى الأساقفة والكهنة والعاملين في المجال الرعوي. ووصفه البطريرك رافائيل بدروس الحادي والعشرون بأنه "شعلة حية من الصلاة والرجاء" تضيء لبنان، مؤكداً أن البلاد دليل حي على إمكانية العيش المشترك وأن المحبة أقوى من كل انقسام. واستمع البابا خلال اللقاء إلى شهادات مؤثرة سلطت الضوء على ما وُصف بـ"الرجاء الصامد" في مواجهة الحرب والفقر، قبل أن يذكّر الحضور أن الإيمان هو "مرساة في السماء" وأن التضامن والعطاء المتبادل يثريان الجميع. ودعا الحاضرين إلى أن يكونوا "عطر المسيح" الذي يفوح من "مائدة لبنانية سخية مشتركة يتنوع فيها الأكل ويأكل منها الجميع في وحدة المحبة". وقدّم البابا في ختام الزيارة "الوردة الذهبية" لمزار سيدة لبنان وبارك حجر الأساس لـ"مدينة السلام" التابعة لقناة "تيلي لوميار ونورسات".
وتتواصل زيارة البابا ببرنامج يشمل حواراً بين الأديان في ساحة الشهداء وسط بيروت، بحضور رجال دين من مختلف الطوائف، إضافة إلى لقاء موسّع مع الشباب في ساحة الصرح البطريركي الماروني في بكركي. وتعد هذه الزيارة أول رحلة خارجية رسمية للبابا لاون الرابع عشر، وأول زيارة بابوية إلى لبنان منذ أكثر من عشر سنوات، في وقت يواجه فيه البلد أزمة اقتصادية خانقة مستمرة منذ ست سنوات تُنسب إلى شبهات فساد وسوء إدارة، ويستضيف في ظلها نحو مليون لاجئ سوري وفلسطيني إلى جانب سكانه البالغ عددهم نحو خمسة ملايين نسمة.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
البابا ليو الرابع عشر يبدأ زيارته لتركيا لدعوة العالم للسلام