الرئيسية » عالم الثقافة والفنون

الرباط - المغرب اليوم

شكلت الفترة الفاصلة بين سنتي 1875 و1975 مرحلة تاريخية لقراءة نقدية للمشاكل الكبرى للجارة الإيبيرية، إذ وضعها الباحث المغربي عبد الرحيم برادة، المتخصص في علم التاريخ بكلية الآداب بمراكش، تحت مجهر منهج التحليل التاريخي، في كتابه الجديد الذي صدر تحت عنوان “إسبانيا الليبرالية والوطنية”.

أعد الباحث برادة هذا الكتاب ذا 442 صفحة، والذي يتكون من تقديم، ومقدمة، وثلاثة فصول، والخاتمة، معتمدا على أزيد من 450 مرجعا ودراسة ومقالا، واختار القراءة النقدية والتعليق على الأحداث بدل عمليات السرد والمناهج التقليدية المتجاوزة، كمنهج للتحليل والبحث.

وتحمل فصول هذا الإصدار مغامرة علمية تجاوزت المرحلة الإسلامية، في تاريخ شبه الجزيرة الإيبيرية، ما فرض الرجوع إلى كثير من الدراسات والأبحاث المنهجية التي تعرف بالبحث التاريخي الإسباني في مراحل مختلفة، رغم نتائجها المتباينة بشكل كبير، بسبب القناعات والاعتبارات الإيديولوجية والقومية وغيرها.

وكشف تناول هذه الحقبة من تاريخ إسبانيا عن ظهور تقسيم ترابي جديد هو الأقاليم المستقلة سنة 1978، جعل البحث التاريخي الإسباني ينصب في غالبيته على الاهتمام بالذاكرة المحلية والوطنية. واستنتج الباحث أن ذلك قد يرجع إلى النخب التقليدية والأحزاب التاريخية والجديدة، مثل حزب “بوديموس اليساري” الذي مازال يعتقد في أسطورة: “أن البلاد في انحطاط مستمر” ويطالب بالقطيعة مع الماضي، أو حزب “فوكس اليميني” الذي انشغل بقضايا الذاكرة الوطنية ومشاكلها، وكأن البلاد تحن إلى أمجادها التاريخية.

ومن خلال هذه الدراسة وقف الباحث على مشكل منهجي يفرض نفسه على مستوى البحث التاريخي، يتطلب تعاملا موضوعيا، لأن هذه الفترة تميزت بصراع النخب القديمة والجديدة، بخصوص تعويض ضحايا النظام الفرانكوي وإزالة رموز الفرانكوية، كالتماثيل والنصب التذكارية من الشوارع والساحات العمومية. لكن البحث لم يتوقف عند ذلك، بل ذهب بعيدا في عدة اتجاهات، ما استوجب إبداء ملاحظات من قبيل أن التاريخ الإسباني مليء بالأساطير في غياب التوثيق التاريخي.

وبتسليط الضوء على هذه المرحلة القديمة والوسيطة التي كان الباحث مضطرا للرجوع إليها لاستقصاء الهوية الإسبانية الوطنية وتكوينها، يستنتج أن الأساطير ليست دائما سلبية، إذ قد تؤدي أدوارا تاريخية مهمة، أحيانا وفي سياق معين، لأنها ترتبط بملاحم كبيرة وبصناعة الأبطال التاريخيين؛ لذلك نجد في قسم كبير من هذه المراجع والدراسات الحديثة الكثير من الأحكام الجاهزة والقراءات والتأويلات المتعددة والمبطنة من طرف الباحثين الإسبان وغيرهم، بسبب الصدمات الكثيرة التي مر منها التاريخ الإسباني الحديث والمعاصر.

ووقفت الدراسة نفسها على وظيفة هذه الأساطير كوسيلة للإدماج الاجتماعي لبناء الهوية الجماعية الكبرى، وأن من الصعب تصور بناء جماعي على أسطورة سلبية، مستنتجة أن “هذه الأساطير تعوزها الوثائق التاريخية التي تؤكدها”، باستثناء روايات الكنسية، ضاربة المثل برواية مجيء الحواري “سانت ياقب” الذي اعتبره البعض أخا بل وتوأما للمسيح عيسى عليه السلام، إلى شمال إسبانيا، وهو الذي يعتبره الكثيرون من وراء إدخال المسيحية إلى شبه الجزيرة الإيبيرية التي كانت عاملا في إبراز هويتها الجماعية، وأسطورة المقاوم “بلايو” الذي يعتبره البعض أب الأمة لأنه قاوم الفتح الإسلامي بزعامة الأمير الخافقي.

وأوضح برادة أن غاية الأسطورة هي إعادة تأسيس المملكة القوطية التي شكك فيها بعض الباحثين أمثال “ألفاريث خونكو” في كتابه الشهير: “إبداع إسبانيا”، وقد أقر في كتاباته التاريخية الكثيرة أن المركزية لم تعرفها إسبانيا إلا في القرن 18، بتأثير من الفكر التنويري، كما أن إسبانيا كوحدة سياسية لم تظهر إلا في القرن التالي، بسبب الإسلام الذي هدم الوحدة الوطنية الإسبانية، حسب بعض الباحثين والكتاب الإسبان، مشيرا إلى أن التعايش بين هذا الدين والمسيحية أسطورة أخرى.

ورغم محاولات دمج الوحدات السياسية التي تسمى المماليك تجاوزا في نظام ملكي تقليدي في القرن 17، وآخر “بوربوني” في القرن 18 ينشد المركزية، إلا أن المشاريع الفيدرالية التي أعطيت لتلك المماليك في نهاية القرن 19 و20 كانت صلاحياتها محدودة، لذلك طالبت بالانفصال، وفق الباحث، الذي أكد أن التاريخ الإسباني سجال بين المؤرخين المحليين والأجانب الذين أبدعوا بعض الأساطير السلبية، مثل أسطورة “القراءة السوداء”، التي يعتبرها الباحثون الإسبان مؤامرة خارجية وعداء ضد إسبانيا العاجزة عن مسايرة التاريخ والحضارة الأوروبية بسبب المشاكل البنيوية والعقلية وغيرها.

وفي هذا العمل اعتبر الباحث هذه الأسطورة سخافة لا تستحق الرد ومضيعة للوقت، فهناك أسطورة أخرى رددها الإسبان وغيرهم، وإن كانت قريبة إلى الواقع التاريخي، وهي أسطورة “إسبانيا السوداء” أو المحافظة في مواجهة “إسبانيا الحمراء” التي تتوق إلى التغيير، حتى انجلى الأمر عن حرب أهلية مدمرة بين الإسبانيتين ابتداء من سنة 1936، وإن كان البعض يرى أن أسبابها خارجية أكثر مما هي داخلية.

يذكر أن هذا البحث تميز بتوظيف الهوامش بشكل مكثف من أجل المزيد من الشروح والتعاليق والحواشي وغيرها، بالإضافة إلى الإحالات المرجعية لمن أراد المزيد من التوسع في معرفة معلومات أكثر عن الصورة النمطية التي أعطيت للإنسان الإسباني أو ما يعرف بـ”هسبومانيا”.

قد يهمك ايضاً :

أجواء وصول عاملات الفراولة من إسبانيا إلى طنجة

فتح حدود المغرب البحرية مع إسبانيا بشكل استثنائي

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

المعرض المغاربي للكتاب في وجدة منصة للحوار الثقافي
مناطق القراءة في معرض الرياض الدولي للكتاب تمنح الزوار…
اختفاء لوحة أثرية مصرية نادرة والنيابة العامة تفتح تحقيقًا
انطلاق تصفيات مسابقة مؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة في…
اعلان الفائزين في جايزة منصور بن زايد لتصوير الخيل…

اخر الاخبار

الجيش الإسرائيلي يعلن تسلم الصليب الأحمر جثة رهينة جديدة…
زيلينسكي يتوقع الإعلان عن خطة سلام خلال أيام
إسرائيل تعرف مواقع 9 من أصل 13 جثة لرهائنها…
الرئيس الفلسطيني يعمّق الإصلاحات بتعزيز صلاحيات حسين الشيخ

فن وموسيقى

أحمد مالك أول مصري يفوز بجائزة أفضل ممثل في…
وثيقة زواج مزعومة لمنة شلبي تثير الجدل ومصدر مقرب…
محمد رمضان يطرح الإعلان الترويجي الأول لفيلم "أسد" من…
أزمة جديدة تضرب الفنان محمد فؤاد بعد تسريب أغنية…

أخبار النجوم

مي عز الدين تؤكد أنها لا تتردد أبدًا في…
عمرو يوسف يكشف رد فعل الفنانة كندة علوش على…
كندة علوش تعلق على مسلسلها وتكشف تفاصيل جديدة عن…
أشهر 7 مطربين أفارقة يحققون نجاحاً في فرنسا

رياضة

لامين يامال يشعل التوتر قبل الكلاسيكو بتصريحات مثيرة
رونالدو يحتفل بهدفه رقم 950 ويؤكد استمراره في تحطيم…
مشجعون من 135 دولة يشترون تذاكر نهائيات كأس إفريقيا…
الوداد الرياضي يتعاقد مع المغربي حكيم زياش في صفقة…

صحة وتغذية

منظمة الصحة العالمية تندد بهجوم على المستشفى الوحيد في…
المغنيسيوم المعدن المعجزة بين الدعاية والفائدة الحقيقية في تحسين…
أطعمة يومية ترفع ضغط الدم دون أن ندري وخبراء…
الصحة العالمية تواجه تخفيضات حادة في موازنة الطوارئ الإنسانية

الأخبار الأكثر قراءة

التحقيقات تكشف تفاصيل جديدة في واقعة اختفاء أسورة الملك…
ندوة أدبية حول كتاب "فحوى التأويل" للكاتب علي القيسي…
الحرب في غزة تحجز موقعها في جوائز إيمي 2025…
النكهات المغربية تعبق أجواء باريس في مهرجان الطهي العالمي
ليلة أم كلثوم وأسمهان تجمع رشدي وسيندي لطي لأول…