الرئيسية » آخر الأخبار الطبية
ديوان المائدة

الرباط -المغرب اليوم

في شهر رمضان الكريم ينسحب الطعام من الموائد في النهار، فيعوّض نفسه بأكثر من صورة، وحيثما أمكنه أن يفعل.وهكذا تنبعث وصفات من الراديو، وبرامج تُبث على القنوات التلفزية، وصفحات خاصة بمختلف "الشهيوات" تنشرها الجرائد والمجلات، وصور لأطباق شهية تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن الطعام بات موضوعا يثار في المكالمات الهاتفية بين الأهل والأحباب..ولا يعود هذا الطعام إلى نفسه من جديد إلّا بحلول مائدة الإفطار في الشهر الفضيل.

جريدة هسبريس الإلكترونية ارتأت أن تتحف قراءها خلال شهر رمضان المبارك بحلقات من كتاب "ديوان المائدة" للشاعر والكاتب المغربي المتألق سعد سرحان، وهو يقدم صورا غير مألوفة للطعام .. شهية طيبة:كل عظماء العالم القديم رحلوا دون أن يعرفوا للبطاطس طعمًا. فهي لم تنتشر فيه إلا خلال القرن السادس عشر حين عاد بها المستكشفون من العالم الجديد، حيث كان الهنود الحمر يعتمدونها في صنع الخبز بدل القمح. وهي، وإن كانت الأخيرة زمانها فقد استطاعت ما لم تستطعه الأوائل من الخضر، وذلك بفضل قدرتها على الحلول في العديد من الأطباق واللفافات والأكياس. فمن البطاطس المسلوقة حتى الشيبس مرورًا بالبطاطس المقلية والمهروسة والمقروطة والمعجونة بالجبن والعجة بالبيض... تكون صاحبتُنا قد تفوّقت على عائلة الخضر مرة وإلى الأبد. تمامًا كما فعل البرتقال مع فصيلة الفواكه وهو يتحوّل إلى عطر وعصير ومُرَبّى وأقراص دواء.

كل وجه من أوجه البطاطس يستحق وقفة مُطوّلة أمام مرآة الكتابة. إلا أننا سنكتفي بوجهين فقط، أحدهما مغمور والآخر مشهور. أما المغمور فهو المقروطة (أو المعقودة) وقد ظهرت، أوّل ما ظهرت، في حيّ العشابين بمدينة فاس خلال ستينات القرن الماضي. ومنه انتقلت إلى باقي الأحياء فإلى مدن أخرى.صاحب براءة الاختراع شخص مغمور يقال له بَّا محمد، فهو من سكَّها قبل أن تصبح عملة رائجة وسهلة التزوير. يتمّ تحضير المقروطة من عجين البطاطس المسلوقة مُضافًا إليه أوراق البقدونس وفصوص الثوم والملح والإبزار.

أقراص صغيرة من هذا العجين تُغمر في سائل أصفر مُعَدّ من الدقيق والزعفران والخميرة قبل الزَّج بها في مقلاة شديدة السخونة تقوم بالواجب في ثوان معدودات. ولعل هذه البساطة، فضلا عن تكلفة المشروع المنخفضة جدًّا، وعدم الحاجة إلى دراسة السوق المدروسة أصلًا في بيدر الفقر، هي ما دفع الكثيرين إلى تحويل بعض دكاكين الأحياء الشعبية إلى مطاعم للمقروطة لا يغرب عنها الزبائن.لا يعرف بَّا محمد قدر جميله، فالمقروطة حرَّرت من البطالة مئات الرّقاب وأطعمت من جوعٍ آلاف الأفواه، وهو بذلك يستحق جائزة من 'الفاو' كتلك التي نال أحد العلماء حين طوَّر زراعة الشوفان بجنوب آسيا فأنقذ من الجوع ملايين الناس.

استثمار بَّا محمد في البطاطا هو استثمار في البساطة، تلك التي لم تكن تحتاج غير دهاء تجاري يجعل منها ماركة مسجلة فاقتصادًا قائمًا بذاته تمامًا كما حدث مع 'الشيبس'، الوجهِ المشهور الذي وعدَت به هذه الورقة.لقد انحدرت رقائق الشيبس من البطاطس المقليَّة التي تكبرها بزهاء قرن. ففي مدينة نامور البلجيكية كان السكان ينظّمون احتفالا سنويا على ضفاف نهر 'لاموز' حيث يتمتّعون بتناول أسماكه الصغيرة. وفي سنة1781، وبسبب الانخفاض الشديد للحرارة، أصيب النهر بالجليد فتعذرت الأسماك. أحد الطهاة الذين كانوا في قلب الموقف اهتدى، إنقاذًا للحفل، إلى فكرة تجمع بين البساطة والدهاء، وذلك بتقشير البطاطس وتقطيعها على شكل أصابع وقلْيِها على أنها أسماك، فكانت النتيجة مذهلة. إذ انبهر بها الحاضرون، فانتشرت من يومها حتى صارت الطبق المشترك بين معظم مطابخ العالم.

في أحد مطاعم نيويورك، سنة 1853، تذمّر زبون مكسيكي من كون البطاطس المقلية التي قُدِّمت له سميكةً أكثر من المستساغ. فما كان من الطباخ جورج كروم، في محض مماحكةٍ، إلّا أن أمعن في ترقيقها حتى صارت بِسُمْك الورق، وحين تذوقها وجدها ذات لذة فريدة.الرقائق تلك عرفت عند ظهورها برقائق ساراتوغا نسبة إلى المطعم الذي أطلقت منه، قبل أن تستفيد من الدهاء الأمريكي في التصنيع والتلفيف والتسويق... ويستقر اسمها لامعًا فوق أكياس "كروم شيبس" التي يسيل لها لعاب الأطفال في العالم بسبب ما تَعِدُ به من سعادة للسان أين منها سعادته بنطقهم كلمات أجنبية. ولعل ذلك ما جعل رقم معاملاتها يفوق الناتج القومي لأكثر من بلد.

على الرفوف المجاورة لأكياس الشيبس توضع عادة علب برينغلز الأسطوانية التي يعتبرها مخترعها فريدريك جون باور، الكيميائي الأمريكي وخبير الصناعات الغذائية، مَفْخَرَته الخاصة. حتى أنه أوصى بوضع رماده في إحداها بعد مماته. وهو ما تحقّق له عند رحيله سنة 2008، فكان بذلك أول مخترع يُدفن في اختراعه مُخترِعًا، حتى وهو ميت، نوعًا عجيبًا من الحلول.

أما بَّا محمد، أطال الله عمره، فنتمنّى على مدينة فاس أن تحتفي به، ليس بتنظيم مهرجان للمقروطة أو إحداث جائزة لها تحمل اسمه أو إنجاز أكبر مقروطة في العالم... وإنما فقط بتخصيص قبر له (بحجم دكانه الصغير) في باب عجيسة، أقربِ أبواب المدينة إلى حيِّ العشابين حيث اخترع الرجل تلك الأقراص المضادة للجوع. ولئن عاش بَّا محمد مجهولًا ولا يزال فإن قبره يجب أن يكون معروفًا كقبرٍ للطبّاخ المجهول.

سيرة البطاطس لذيذةٌ وأطباقُها ألذّ. الأولى لن تكتمل أبدًا والثانية ستظل مجالًا مفتوحًا أمام قرائح الطهاة وأذواقهم، خصوصًا وأن البطاطس تُعَدُّ ثالثة الأثافي في المطبخ إلى جنب القمح والرز. وما من مكروه يصيبها إلا ويدفع البشر ثمنه غاليًا. فقد أدت إصابتها بخنفساء بطاطس كولورادو وشحِّ محصولها بإيرلندا بين العامين 1845 و1847 إلى وفاة آلاف من الناس، ما حمل السكان على الهجرة صوب بلدان أخرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. فهل هي محاسن الصدف أم مساوئها ما جعل الايرلنديين يدخلون البطاطس من أمريكا الى أوروبا فتعود البطاطس بأحفادهم من أوروبا الى أمريكا في أقبح رد للجميل.

اعتراف هذه الورقة بالجميل يقتضي الإشارة إلى "أكلة البطاطس"، ذلك النص الخالد الذي وضعه المرحوم أحمد بوكماخ، المعلم الأول، في مقررنا الدراسي. فالولد الذي رفض أكل البطاطس في النص، وهو واحدٌ منكم، أصبح الآن أبًا في الواقع وله أولاد كبار يُقبلون على المقروطة بشهية مفتوحة على مصراعيها، أو أولاد صغار يحرنون أمام "أكلة الشيبس".

وقد يهمك ايضا:

المضيرة تُشيد بالحضارة وتترجرج في الغَضارة بـ"ديوان المائدة" المغربي

"ديوان المائدة" عرش الخبز المُكَرم وبذخ اللحم وترف الشحم

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

قاعدة 30-30-30 تكتسب شعبية في إنقاص الوزن
فيديو لفريق طبي يرقص أثناء الجراحة يثير غضباً واسعاً…
دراسة كندية التمارين المائية تقلل آلام الظهر المزمنة وتعزز…
رجيم الكيتو يعزز تحسن الحالات النفسية ويساعد في السيطرة…
وسائل المساعدة السمعية تقلل الشعور بالوحدة وتحسن الاندماج الاجتماعي

اخر الاخبار

مصر تشدد على رفض المخطط الإسرائيلي لإقامة «مدينة الخيام»…
تصعيد عسكري إسرائيلي يستهدف دمشق ودرعا وسط تحذيرات أميركية…
إثيوبيا تعلن اعتقال 82 شخصًا يشتبه بانتمائهم لتنظيم داعش…
مجلس التعاون الخليجي يدين الغارات الإسرائيلية على سوريا ويصفها…

فن وموسيقى

باسم ياخور يعتذر للسوريين ويؤكد أنه لم يكن جزءاً…
المغربية جنات تعود بألبوم جديد يحمل عنوان ألوم على…
سعد لمجرد يقدّم حفلاً أسطورياً في المغرب بعد غياب…
سميرة سعيد تبدأ تحضيرات ألبوم جديد مع هاني يعقوب…

أخبار النجوم

عمرو دياب يستعد للقاء الجمهور اللبناني في حفل مرتقب…
لطيفة تعبر عن سعادتها بنجاح ألبوم قلبي إرتاح وتكشف…
نانسي عجرم تكشف عن أول لمحة من ألبومها الجديد…
محمد رياض يعلن ختام مسيرته في رئاسة المهرجان القومي…

رياضة

باريس سان جيرمان يضم المغربي محمد أمين الإدريسي في…
فيفا يختار لاعب الهلال ضمن أبرز 5 "واعدين" في…
الثنائي المغربي أشرف حكيمي وياسين بونو ضمن التشكيل المثالي…
موقعة نارية في النهائي العالمي بين تشيلسي وباريس سان…

صحة وتغذية

تناول ثمرتين من الكيوي يومياً يعزز صحة الأمعاء ويكافح…
تحول جذري في علاج إصابات العمود الفقري بعد موافقة…
لعلاج الصداع النصفي المؤلم إليك حيلة زجاجة الماء البسيطة
جوز البرازيل كنز غذائي يعزّز صحتك من الداخل إلى…

الأخبار الأكثر قراءة

زيوت البذور بين الادعاءات والحقائق ومدى تأثيرها على الصحة
اكتشف 11 فائدة للقرنفل وتعرف على استخدامات زيته واحذر…
70 حالة وفاة بالكوليرا خلال يومين في السودان وانخفاض…
استخدام الروبوت الجراحي في تقديم رعاية صحية حديثة للحجاج
سبعة أطعمة تساعد على حرق الدهون بشكل طبيعي وأبرزها…