الرئيسية » التحقيقات السياحية
"مدائن صالح"

الرباط ـ المغرب اليوم

على طريق رملي وعلى مسافة ليست ببعيدة عن مظاهر الحضارة والتمدن، يترك الزائر شيئا فشيئا الألفية الثالثة حيث صخب الحياة وثورة التكنولوجيا، لينتقل إلى حقبة انتهت قبل نحو ألفي سنة، إلا أن آثارها ومشاهدها الخلابة، كفيلة بأن تعمل كآلة زمنية، لتمنحه تجربة تلازمه ذكراها مدى الحياة، وبالتزامن مع فعاليات مهرجان "شتاء طنطورة"، الذي تحتضنه مدينة العلا السعودية، يتوافد الناس من مختلف أنحاء العالم للاطلاع على كنوز أثرية، تحمل في طياتها أسرار حضارة خلت.فمع وصول الزوار إلى منطقة الحجر، المعروفة بـ"مدائن صالح"، تبدأ الرحلة بطريق رملي في منطقة صحراوية، تظهر في أفقه جبال تتمتع بأشكال غريبة تميزها عن غيرها، لكن المفاجأة تكشف عن نفسها شيئا فشيئا مع الاقتراب من هناك.

وفي المحطة الأولى، يقف الزائر مبهورا أمام جبل "إثلب"، الذي تركت الطبيعة والبشر على حد سواء، علاماتهم عليه، فمع النظرة الأولى يمكن ملاحظة الأشكال والنقوش الفريدة من نوعها التي حدثت بفعل عوامل التعرية الطبيعية.وعلى بعد خطوات، يتجلى مشهد من إبداع "الأنباط"، وهم مجموعة من القبال العربية التي أتت إلى الحجر من منطقة البتراء، وعاشوا فيها في الفترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد، حتى سنة 106 ميلادية، على عكس الاعتقاد السائد بأن قوم "ثمود" هم من سكنوا المنطقة.ويعود سبب اختيار الأنباط للحجر إلى عاملين أساسيين، هما وفرة المياه الجوفية، التي دفعتهم لحفر 131 بئرا، ووجود الجبال التي تحمي المنطقة (وهو سبب تسميتها بالحجر)، بالإضافة إلى كونها مكونة من الحجر الرملي، الذي يسهل النقش عليه.

وهذا بالتحديد هو ما يجذب الزائر فور دخوله إلى "إثلب"، إذ يمكن مباشرة رؤية غرفة كبيرة نقشت بعناية داخل الجبل، وقد كشف علماء الآثار أنها كانت عبارة عن قاعة أُعدت للاجتماعات، تستوعب ما لا يقل عن 13 شخصا في الاجتماع الواحد، وقد صنعت بطريقة تمنحها "خاصية صدى الصوت".ولكشف تفاصيل الاجتماعات التي كانت تدور في "الديوان"، قالت "الراوية" هديل بن قاسم لموقع "سكاي نيوز عربية": "تم اختيار هذا الموقع لأنه في مكان مرتفع، مما يمنحه مزيدا من الفخامة لاحتضان كبار القوم، حيث كانوا يجتمعون لأغراض دينية، ويناقشون قضايا مجتمعهم".وأعادت بن قاسم زوار الموقع نحو ألفي عام للوراء بقولها: "لنا أن نتخيل المشهد الذي كان يدور في هذه الغرفة من خلال كتابات رحالة يدعى سترابو، الذي قدم وصفا تصويريا لما حدث هنا، موضحا أن المجتمعين كانوا يتمددون على المقاعد الموجودة، وكانت توضع أمامهم 3 طاولات عليها ثمار الفاكهة، فيما اعتادت امرأتان العزف على آلات موسيقية خلال الاجتماع".

كما أشارت إلى تطبيق يدعى "LivingMuseum" لا يعمل إلا في منطقة مدائن صالح، يمكن للزائر من خلاله مشاهدة ما كان الأنباط يفعلونه في موقع معين، من خلال تحريك الهاتف وتوجيه الكاميرا على الموقع المراد معرفة المزيد من التفاصيل عنه.ومن الغرفة، تنتقل عين الزائر إلى ممر صخري يعرف باسم "السيق"، الذي يشكل مشهدا خلابا بفضل عوامل التعرية.وقد استغل الأنباط الممر الصخري والمنطقة المحيطة به في نقش "المحاريب"، التي وصل عددها إلى نحو 13، إذ يمثل كل محراب آلهة معينة كانوا يعبدونها، مما يعكس "الحرية الدينية" التي كانت سائدة بينهم، إذ كان من المسموح لكل شخص أن يعبد الإله الذي يريده دون تدخل من الآخر.ومن الأشياء التي ميزت الأنباط أيضا في جبل إثلب، هي قدرتهم على استغلال الطبيعة في خدمة احتياجاتهم، إذ حرصوا على نقش ممرات أو خطوط صغيرة على الجبال، لتجميع مياه الأمطار، أو لإبعادها على واجهات القبور.

أعمدة شاهقة ونقوش ضخمة وغرف خفية.. لحظات مهيبة يعيشها الزائر عند وقوفه أمام هذه المشاهد في "قصر البنت" أو "جبل البنات"، الذي سمي بهذا الاسم لأنه يضم 31 مقبرة تملكها نساء، بالإضافة إلى أسطورة تداولها سكان المنطقة تعرف باسم "بثينة والنحات".وتتحدث الأسطورة عن فتاة جميلة شعرها طويل تدعى بثينة، حبسها والدها فوق أحد القبور خوفا عليها من رجال المنطقة، إلا أن شابا تمكن من الوصول إليها من خلال "تسلق شعرها الطويل"، ليقعا في الحب قبل أن يكتشف والدها ويقتلهما.وفي حديثها مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أشارت بن قاسم إلى أهمية هذا الجبل بالنسبة للأنباط، كونه كان مكانا لقبور كبار القوم والأثرياء، ولقربه من المنطقة السكنية، التي كانت تقع تحت الأرض.

"ملك وحكومة وشعب"

وفيما يتعلق بعملية بناء تلك المقابر الشاهقة ونحتها في الجبل، قالت هديل: "كان مجتمع الأنباط مكونا من ملك وحكومة وشعب، وليتمكن أي شخص من بناء قبر، خاصة إذا كان كبيرا، لا بد من أن يحصل على صك بناء من الحكومة، التي توفر له أيضا المساحة المناسبة والنحات".ولتنفيذ المهمة التي تستغرق سنوات، كان النحاتون يتسلقون الجبال باستخدام سلالم خشبية، ويستخدمون أدوات مثل المطارق والمعاول، وكانوا يبدأون النحت من الأعلى إلى الأسفل.وعادة ما كان صاحب المقبرة يبنيها بغرض أن يدفن هو وأبناؤه والأجبال التي تليهم فيها، مما يعني أن الواحدة منها تضم عددا كبيرا من الأشخاص.

ونظرا لأن العلا قديما كانت تقع على خط التجارة العالمي، فإن النحاتين تأثروا بالحضارات الأخرى، مما يفسر وجود نقوش على واجهات المقابر مثل زهرة اللوتس من الحضارة المصرية، والجرار من الحضارة الإغريقية.ولعل أبرز القواسم المشتركة بين معظم المقابر، هو "النسر" الذي يمثل أقوى إله لدى الأنباط يدعى "ذو الشرى".كما يوجود عليها جميعا "إطار" نقش عليه اسم الملك، والنحات، ومالك القبر، بالإضافة إلى عبارات "مخيفة" تحذر من دخول المقبرة وتهدد من يقبل على ذلك بـ"اللعنات".

"مقبرة بلا ميت"

أما المحطة الثالثة لزائري "مدائن الصالح"، ولعلها الأكثر أهمية، فهي مقبرة "لحيان بن كوزا" (قصر الفريد)، التي تم نحتها على كتلة مستقلة من الحجر الرملي، مما يعني أنها تعود لفرد أو أسرة نبطية مرموقة.وما يجعل هذه المقبرة تتميز عن غيرها، هي النقوش الموجودة على واجهتها، التي تضم 4 أعمدة شاهقة بدلا من عمودين فقط، كما كان طراز العمارة في الحجر في ذلك الوقت.المثير بشأن هذه المقبرة، فهو أن بناءها لم يكتمل ولم يدفن أحد فيها، ويعتقد علماء الآثار أن السبب في ذلك يعود لدخول الرومان المنطقة، مما دفع النحات وصاحب المقبرة للهرب، أو بسبب وفاة النحات.ومع اقتحام الرومان للحجر، تشتت الأنباط وانتهت حضارتهم التي عاشت وازدهرت على مدار نحو ألفي عام، إلا أن منحوتاتهم الفنية الدقيقة، بقيت شاهدة على عصرهم.

وقد يهمك أيضا" :

-مصر-تستضيف-الدورة-العشرين-من-مؤتمر-كونكت-لشركات-ووكالات-السياحة

اتحاد-الغرف-السياحية-يؤكد-تدريب-8435-من-العاملين-بالمنشآت-الفندقية

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

وزارة الخارجية الأميركية تلزم بعض المسافرين بدفع كفالة مالية…
إيرادات السياحة في المغرب تسجل 54 مليار درهم بالنصف…
إضراب شامل في تونس يشلّ حركة النقل ويربك المسافرين
قيوح يؤكد أن المكتب الوطني للمطارات يطمح لزيادة الطاقة…
السياحة المغربية تواصل الصعود بأكثر من 11 مليون ليلة…

اخر الاخبار

البرهان يشكل رئاسة جديدة لهيئة الأركان برئاسة محمد عثمان…
إسرائيل تعلن مساعدات إنسانية عاجلة إلى جنوب السودان
إيران تؤكد استئناف المفاوضات مع وكالة الطاقة الذرية وتربط…
هجمات روسية جديدة على اوكرانيا وزيلينسكي يتوجه الى واشنطن

فن وموسيقى

تدهور في الحالة الصحية للفنانة أنغام واستمرار معاناتها مع…
سعيدة شرف تؤكد أن حضورها في المهرجانات الغنائية داخل…
تامر حسني يؤكد إستمرار علاقته الفنية مع بسمة بوسيل…
لطيفة تكشف رغبتها في تقديم أغنية مهرجانات وتتحدث عن…

أخبار النجوم

وزارة الثقافة المصرية تتدخل في أزمة نجوى فؤاد وتعد…
الجمهور يرحّب بقوة بعودة المغربية بسمة بوسيل إلى عالم…
توم كروز يرفض تكريما من دونالد ترامب
رامي صبري يكشف رأيه بتجربته الأولى في The Voice…

رياضة

الأندية الإنجليزية على أعتاب رقم تاريخي في انتقالات اللاعبين
خسارة تاريخية لسانتوس بسداسية أمام فاسكو دا غاما ونيمار…
محمد صلاح يكشف أسرار مسيرته مع ليفربول ويتحدث عن…
أنهى نادي النصر السعودي اتفاقه مع بايرن ميونيخ الألماني…

صحة وتغذية

علماء يبتكرون علاجاً ثورياً للسرطان يجمع بين البكتيريا والفيروسات…
فحص دم مبكر يكشف سرطان المبيض بدقة ويمنح أملا…
6 طرق بسيطة للحفاظ على صحة المفاصل ومرونتها
مؤشرات مبكرة لمشاكل الإنجاب عند الرجال

الأخبار الأكثر قراءة

متنزهات ايطاليا جوهرة مخفيه تجمع بين الطبيعه الخلابه والمذاق…
الصين تُوسّع نطاق الدخول من دون تأشيرة لأكثر من…
التأشيرة الخليجية الموحدة قريباً لتعزيز التنقل والسياحة
افتتاح خط جوي جديد بين برشلونة والصويرة يعزز جاذبية…
السفر الفاخر اليوم "موناكو" تجسيد للتجربة الراقية