الرئيسية » التحقيقات السياحية
شاطئ مدينة الجديدة المغربية

أزمور (المغرب) ـ سعيد بونوار

يُصنف شاطئ مدينة الجديدة المغربية، ضمن أروع شواطئ البلاد وأكثرها اكتظاظًا خلال فصل الصيف، حيث تنمو الغرابة وتتناسل وكأنها تكشف عن الوجه الآخر لمدينة تعيش على إيقاعات التناقض. فقد اشتهرت المدينة بغرق السفن، ويرجع السبب حسبما يرويها سكانها، إلى لعنة سادة المدينة وأوليائها الصالحين، والغريب أن امرأة تتزعم كل هؤلاء، فلعنة "سيدة" تنزل على كل راغب في افتضاض بكارة، وهنا تخرج الحيتان كي تنتحر احتجاجًا على نهب خيرات  البحر، فعلى أعتاب رمال الجديدة كُتبت قصص الانتحار الغريبة، حيتان ضخمة تختار أمواج المدينة لترسم رقصة الموت الأخيرة، على مياه المدينة المغربية وقف عالم البحار كوسطو، ليفك رموز انتحار الحيتان، وليفك غموض غرق السفن التي تعتزم المرور أو الرسو على شاطئ المدينة الحافلة بكل ما هو غريب، ويحتفظ في ذاكرته البحرية بجثت الغزاة والمستعمرين والقراصنة، فنحن هنا في "مازاغان"، القلعة التي تحدثت عنها أمهات كتب التاريخ، كحصن إسلامي وقف في وجوه الأطماع الإمبريالية العالمية.
وتتطلع الأعين إلى هذه المدينة الواقعة على طريق بحري يربطها بالدار البيضاء، والتي انشأ بها البرتغاليون أكبر قلعة في تاريخهم، وتُعتبر أحسن ما وصلت إليه الهندسة الحربية البرتغالية في القرن الـ 15 الميلادي، وظلت تُلهم الشعراء والمهندسين والفنانين التشكيليين، وتُثير فضول كبار المفكرين الباحثين عن عبق التاريخ، في مدينة ترفض التجرد من جلباب الماضي، وتأبى إلا أن تنسج بساط عالم غرائبي يحفل بأبهى صور التصادم بين الواقع والخيال، فما بين الحقيقة والوهم، بين الرغبة في اللحاق بركب التمدن والتشبث بأهداب خزعبلات، تتوشح مدينة "الجديدة" المغربية بلحاف روحاني غريب، ففي كل زقاق في هذه المدينة الوديعة، ينطق التاريخ بألف رواية، ويحيك اللسان ألف حكاية، تشهد بها منقذة النساء من براثن العنوسة "للاعايشة البحرية"، ومانح وصفة النجاة من أصفاد العقم "ضريح بوشعيب الرذاذ". وطبيب الأطفال "ضريح سيدي بوزيد".
ويروي سكان الجديدة، أنه في المدخل البحري للمدينة عجزت سفينة "إل كامبو" عن الفرار من قبضة رمال شاطئ المدينة، وأصبحت بمنظرها الغارق أشبه بمعلمة تاريخية ترسل إشارة التنبيه والتحذير إلى كل راغب في اختراق مصب نهر أم الربيع في الأطلسي، وتبث شفرات التحذير لكل مكذب لبركات "للاّ عائشة"، وغير بعيد عن أزمور المدينة المحاطة بأسوار الأسطورة، وعند مصب نهر "أم الربيع" على المحيط الأطلسي يقبع ضريح "للاّعائشة البحرية"، الذي ينتظر يوميًا أفواج الباحثات عن الزواج، والراغبات في الهروب من جحيم "العنوسة"، والوصول إلى الضريح الذي نسجت حوله الأساطير والحكايات وتحول إلى "وكالة" تزويج بطقوس غرائبية، صعب ومحفوف بالمخاطر، وهو إلى حد ما ممنوع على الرجال، وكان علينا أن نسلك طريق التخفي مقابل الوصول إلى مكان موحش تحيط به الخرافة، وكأنها تضع له سياجًا من نار.
ويتعين على الزائرات الراغبات بالإيقاع بـالحبيب، الالتزام بآداب الزيارة، وعدم التأفف، أو التعبير عن الامتعاض، والوصول يتحدد عبر وجهتين لا تخلوان من خطورة تدخل في طقوس بركة "السيدة"، هناك الطريق البري الذي لا يمكن التغلب عليه إلا عبر العربات التي يجرها الدواب، مع السير مسافة غير قصيرة على الأقدام وسط الأشواك والأحجار، و تفضله عشرات الزائرات القادمات من شتى مدن المغرب والخارج، وهناك الطريق البحري انطلاقًا من الضفة الأخرى للمدينة، وتوجد عشرات القوارب المعدة لهذه الغرض وغالبيتها مهترئ ويعرض الراكبات لخطر الغرق، وكلا الطريقين يختزلان دلالات أسطورية تشكل نواة قضاء الحاجة، فحكاية "للا عايشة البحرية"، وكما يمكن أن يسردها عليك أي شخص في رحاب الضريح، تبدأ عندما قرر طالب علم شاب يسمى "بوشعيب" وضريحه  غير بعيد عن الوادي، السفر إلى الجزيرة العربية وبعدها إلى العراق، من أجل تلقي أصول الشريعة الإسلامية، وفي فترة مقامه في بغداد التقى بشابة اسمها عائشة، وتعلقا ببعضهما البعض، لكنهما اصطدما بحاجز الأعراف والتقاليد القبلية التي ترفض مباركة الزواج من غريب، وعاد بوشعيب متألمًا إلى قريته أزمور، وأقسمت حبيبته عائشة أن تثور على قيم القبيلة وتلحق بالحبيب، فقطعت مسافات طويلة، واجهت فيها الويلات، قبل أن تصل عند مشارف نهر أم الربيع، وقررت عبور الوادي والوصول إلى الضفة الأخرى، لكن رياح القدر تجري بما لا يشتهيه الغرام العفيف، فينقلب القارب وتغرق عايشة في المنطقة التي يوجد فيها الضريح، وعندما وصل الخبر إلى بوشعيب الرذاذ، أصابته حسرة، قرر بعدها أن يعيش عازبًا طول حياته.
وبات قبر "للا عايشة البحرية" مزارًا للباحثات عن الزواج، واللاتي يتوجب عليهن الخضوع لطقوس تحفظها القائمات على الضريح، ومنها ذبح ديك أسود ورميه عند ملتقى مصب النهر والبحر بالنسبة للحالات المستعصية، وتخضيب اليدين وكتابة اسم الحبيب المطلوب على جدران الضريح بالحناء، وبعدها بأيام يتحقق المراد، حيث يمكن للزائر أن يعاين ألاف الأسماء المكتوبة على جدران الضريح، والواضح أن هذه الطقوس لا تكاد تخص الفتيات غير المتعلمات بل حتى المثقفات والحاصلات على الشهادات العليا، ويفسر البعض ذلك بكون اليأس قد يدفع إلى التمسك بقشة أمل، وغير بعيد عن الضريح توجد شجرة يطلب من المسحورات رمي ملابسهن الداخلية فيها للتخلص مما يسمى بـ"العكس" أو الحظ العاثر.
ويقول أبناء المنطقة، إن هذه السفينة الغارقة، والتي تحجب عن النساء الزائرات لضريح "للاّعايشة البحرية" شمس الغروب، جاءت في الأصل لإزاحة الرمال من مصب النهر المذكور على المحيط الأطلسي، من أجل تمكين سمك "الشابل" من غزو النهر، بيد أن الرمال الغاضبة منعت السفينة من التحرك، وهي الآن جاثمة في انتظار إنقاذها، وهو ما يتطلب أموالاً ضخمة، وغير بعيد عن هذا الموقع، غرقت سفينة أخرى لا يزال نصفها طافيًا، كانت في ملكية هندي فضل التخلي عنها لتتحول بدورها إلى معلمة تجسد أروع ملاحم التضامن بين الرمال والبحر في مواجهة الدخلاء، ولا يزال سكان المدينة يحتفظون بذكرى مأساة غرق سفينة بترول قبل سنوات قليلة، كادت أن تؤدي إلى كارثة بيئية، لولا التدخل السريع لمجموعة من العلماء وبوارج إنقاذ دولية حاصرت امتداد البقعة، فيما يطلب بحارة المدينة الفقراء التسليم، ويعتقدون أن هناك قوى خفية تنسج صور الغضب لانتهاك شاطئ وقفت عند أمواجه أقدام الفاتحين الراغبين في نشر الإسلام إلى ما وراء الأطلسي، ويعتقدون أن منطقتهم البحرية التي تحرسها روح امرأة باتت أشبه بمثلث "برمودا"، ومع كل ما يتناقلونه من قصص ليل غريبة عن الأشباح التي ترفع الأمواج إلى عنان السماء، إلا أنهم متيقنون أن البحر وإن غضب فهو كريم معطاء

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

تجارب لا تُنسى بين سحر الثقافة وروعة المغامرة في…
المغرب وجهة سياحية مفضلة بعد استقبال 13.5 مليون سائح…
ارتفاع إقبال السياح الروس على المغرب بنسبة 70% متجاوزاً…
تقرير دولي يضع المغرب بين الوجهات السياحية المفضلة لعام…
قبل فاجعة شاطئ الإسكندرية فيديو يكشف تحذيرات مسؤول للفتيات…

اخر الاخبار

أخنوش يُجري مباحثات مع رئيسة المفوضية الأوروبية لتعزيز الشراكة…
وزراء خارجية تحالف دول الساحل يشيدون بالمبادرة الأطلسية للملك…
عبد اللطيف حموشي يُجري زيارة عمل إلى الإمارات العربية…
الملك محمد السادس يُهنئ خادم الحرمين الشريفين بمناسبة الذكرى…

فن وموسيقى

حسين فهمي يرفض مليون دولار حفاظًا على هوية مهرجان…
مي عمر تحصد المركز الثامن عالميًا في قائمة أجمل…
أمينة خليل تتألق في حفل "الموريكس دور" وتفوز بجائزة…
مي عمر تدخل التاريخ كأول مصرية ضمن قائمة "أجمل…

أخبار النجوم

إيمان العاصي تثير قضية الميراث من جديد في مسلسل…
إخلاء سبيل المطربة بوسي من النيابة بعد انتهاء التحقيقات
أحمد العوضي يتحدث عن مواصفات فتاة أحلامه وحقيقة ارتباطه…
أصالة تكشف سبب عشقها للديوهات والفنانة التي تتمنى الغناء…

رياضة

المغربي أيوب الكعبي يُتوج بجائزة أفضل لاعب أجنبي في…
عثمان ديمبلي يتوّج بجائزة الكرة الذهبية في مفاجأة كبرى…
الإعلان عن الفائز بالكرة الذهبية 2025 الليلة وسط ترقب…
اسحاق ناظر يتوج بذهبية سباق 1500 متر

صحة وتغذية

وزير الصحة المغربي يستنفر مصالحه لمواجهة الغيابات والتأخرات غير…
دراسة تكشف دور النوم العميق في تنظيم سكر الدم…
ارتفاع وفيات الحمى النزفية في العراق يثير قلقًا صحيًا…
ارتفاع مقلق في إصابات "البكتيريا الكابوسية" بالولايات المتحدة

الأخبار الأكثر قراءة

جزيرة بياضة السعودية جنة بحرية هادئة على سواحل جدة
العراق يطلق برنامجاً استثمارياً لرفع عائدات السياحة
شركة الخطوط الملكية المغربية تُعزز شبكة "رحلات بلا توقف"…
جامع الشيخ زايد الكبير الثامن عالميًّا والأول في الشرق…
وزارة السياحة ترد على دعوات المقاطعة وتؤكد إستمرار جاذبية…