الرئيسية » تحقيقات وأخبار
قوات الاحتلال الاسرائيلي

القدس المحتلة ـ المغرب اليوم

كانت الساعة الخامسة صباحاً عندما غادرنا مدينة القدس المحتلة باتجاه الجنوب وتحديداً الى مسافر يطا. كنا مجموعة من الصحافيين غالبيتهم من الأجانب، كان بالإمكان مشاهدة شروق الشمس في ذلك اليوم الشتوي البارد من كانون الأول (ديسمبر)، وعلى جانبي الطريق كانت الجغرافيا تتغير كلما ابتعدنا عن القدس. ما أن بلغنا المدخل الجنوبي لمدينة الخليل حتى بدت التلال الظاهرة على جانبي الطريق جرداء صخرية وترابية وكلما تعمقنا جنوباً اختفت الأشجار واللون الأخضر وطغى اللون البني على المكان.عند الساعة السابعة صباحاً وصلنا الى قرية التواني، وهي إحدى القرى الـ 22 التي تقع على هضبة شرق مدينة يطا وتشكل ما يعرف بمنطقة شفايطا ومسافر يطا، كان السكون يخيم على القرية وبدت الأجواء فيها هادئة جداً، هاتفت محمد الهريني (17 عاماً) وهو طالب في المرحلة الثانوية وأحد النشطاء المحليين، وأخبرته أننا وصلنا بحسب الموقع الذي كان قد  أرسله لي في اليوم السابق.

خرج محمد ودعانا الى شرب القهوة، أخبرناه أننا نفضل الذهاب الى "البوابة" حيث سيصل الطلاب من طوبا بعد 20 دقيقة، من خلف منزل عائلة الهريني سلكنا طريقاً صخرية ترابية وعرة جداً لنصل الى الطريق المحاذي لمستوطنة ماعون.خلال صعودنا الى التلة سألت محمد: هل سنعود من هذه الطريق أجابني: إنها الطريق الوحيدة التي توصل الأطفال الى المدرسة وطبيعي أن نعود منها، عندها استذكرت الطريق الذي كنت أسلكه الى المدرسة قبل سنوات عديدة، كم كانت مسلية على الرغم من أنها كانت أعنف سنوات الانتفاضة الأولى، وبدأت مقارنة المأساة التي يعيشها الطلاب في مسافر يطا للوصول الى المدرسة يومياً، لكن الصدمة كانت أكبر عندما أدركت أن جيباً عسكرياً سيرافق الطلاب بعد وصولهم الى التواني قادمين من قريتهم طوبا، حيث سيقوم الجنود بفتح البوابة الفاصلة بين مستوطنة حافات ماعون - والبؤرة الاستيطانية ماعون وقرية التواني، ليقطع الطلاب ما يقارب كيلومترين سيراً بينما يسير الجيب العسكري أمامهم، في بروتوكول غير مفهوم. لكن المؤلم أكثر هو تحكم الجنود زمنياً بسرعة وصول الطلاب الى المدرسة قبل أن يقرع الجرس عند الساعة الثامنة صباحاً معلناً بدء اليوم الدراسي.

فيومها كان التراب على الطريق جافاً لكن ليس من الصعب تخيله في يوم بارد ممطر  في الشارع الذي يربط هذه التلة بالمدرسة. على الجهة الأخرى من البوابة وصل الطلاب، كانت الساعة تقارب 7:25 دقيقة، رن هاتف محمد، قال له محدثه: "لم يفتح الجنود لنا الباب، نحن بالانتظار، لقد تأخر الجنود مرة أخرى"، كان على محمد أن يقوم باتصالات عديدة لتنسيق دخول الطلاب، بعد نحو عشر دقائق بدأنا نرى الطلاب قادمين باتجاهنا  يسبقهم الجيب العسكري. وعندما التقوا محمد عانقه بعضهم، كان واضحاً أنهم وجدوا فيه الأمان الذي كانوا يبحثون عنه طيلة الطريق. 

كان علينا أن نعود أدراجنا الى الطريق الوعرة. تقدمنا الأطفال الذين كانوا على عجلة من أمرهم. لقد اقترب موعد قرع الجرس وعليهم أن يصلوا الى المدرسة على التلة المحاذية ومنهم من بدأ بالركض فعلاً، كان صوت قرع جرس المدرسة يملأ المكان. اصطف الطلاب جميهم قبل أن يقوموا بأداء تحية العلم وإنشاد النشيد الوطني الفلسطيني "فدائي".وأشار سامي الهريني شقيق محمد الأكبر والناشط في المقاومة الشعبية وأحد أعضاء مجموعة "شباب الصمود" الشعبية وطالب الحقوق في جامعة الخليل، إلى أن أحد النشاطات اليومية التي تقوم بها المجموعة هي دعم حق الأطفال والطلاب في التعليم "لذلك نقوم بمرافقتهم خلال الذهاب والعودة من المدرسة، بخاصة المجبرين على المرور من خلال المستوطنات والبؤر الاستيطانية،لأنهم معرضون لعنف المستوطنين قرب منازلهم وقراهم.

نقوم إضافة الى ذلك بتنظيم التظاهرات والاعتصامات وتوثيق عمليات الهدم التي يقوم بها جيش الاحتلال وحماية الأراضي المهددة بالمصادرة وزراعتها". وأضاف الهريني أن سبب مرافقة الأطفال الى المدرسة هو "أن هذا الوضع غير طبيعي نهائياً بسبب سياسة الاحتلال وعنف المستوطنين المتزايد في المنطقة، فالطريق الرئيسية بين قرية التواني وقرية طوبا التي تستغرق 25 دقيقة مشياً تم قطعها بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية، وبذلك حرم الطلاب من الوصول الى المدرسة بشكل طبيعي، والتواني هي القرية التي تضم المدرسة والأقرب الى أماكن سكنهم. يمر الأطفال بشكل يومي من المستوطنة وبالتالي هم معرضون للاعتداءات من جانب المستوطنين في أي لحظة.

نحن نرافقهم لأن تواجد جيش الاحتلال شكلي ونحن نقوم بحمايتهم، لأن الكثير من الاعتداءات حصلت والجيش لم يحرك ساكناً، فالجيش في كثير من الأحيان يتأخر أو لا يأتي ابداً، وبالتالي حضورنا أساسي ومهم لمتابعة الطلاب وفي حال عدم وجود الجيش فإن الطلاب هم تحت مسؤوليتنا وحمايتنا الكاملة".ويشير الهريني الى أن توقيت ذهاب الأطفال الى المدرسة هو عند الساعة 7:20 صباحاً، أما عودتهم فتكون عند الساعة 12:30 ظهراً، وتتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً، ويسلك الطلاب هذه الطريق منذ عام 2004، والمجموعة التي تقوم بالمرافقة اليوم عانت هذه المأساة كطلبة في حينه. كان المرافقون الدوليون من متضامنين ونشطاء يرافقوننا الى المدرسة. يتابع الهريني حديثه: "خلال الـ18 عاماً الماضية تخرج العديد من الطلاب من المدرسة والجامعة وهم يسلكون الطريق نفسها، جزء من هؤلاء الطلاب هم في مجموعتنا التي قمنا بإنشائها عام 2017، ونحن نقوم بذلك من خلال برنامج يومي دوري بين 30 شاباً وصبية ويتواجد بحسب الحاجة والحالة الطارئة أمي وأشقائي والجيران".

ويختم الهريني حديثه بأن "الوضع صعب جداً على الطلاب، وأدى ذلك الى ازدياد العنف بين الأطفال في المدرسة وبعضهم اضطر الى التوقف عن التعليم بسبب هذه الظروف المريرة، والعديد من الطلبة أصيبوا بالإحباط بسبب رحلة المعاناة اليومية التي يمرون بها ليصلوا الى صفوفهم. الوجود الرسمي للسلطة يتمثل بالوفود التي تأتي من وزاة التربية والتعليم لدعم الطلاب أو من خلال التنسيق الأمني لمرورهم. ما يمر به الطلاب يومياً نعتبره كنشطاء تكريساً للهوية الفلسطينية على هذه الأرض لأن الطريق والأرض أصلاً فلسطينيتان تم قطعهما بسبب السرطان الاستيطاني، هذه قصة الإصرار اليومي على البقاء التي نحاول من خلالها زرع الأمل في الطلاب، والطلاب مؤمنون بأن بقاء الحال من المحال وأنه سيتغير يوماً ما (في أمل)".
يعيش في مسافر يطا قرابة 1300 فلسطيني، وهي تبعد ما بين 14 و24 كيلو متراً من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، وتشتهر المنطقة بالخرب والكهوف والمغاور ويعتقد أن تسمية "مسافر" اشتقت من فعل"السفر" وذلك للدلالة الى المسافة التي يتوجب قطعها للوصول الى بلدة يطا، في ضوء الاعتقاد محلياً "بأن لا شيء سيكون قادراً على العيش فيها، بسبب الجغرافيا والمناخ القاسيين اللذين تمتاز بهما المنطقة. 
 
في سبعينات القرن الماضي أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلية مسافر يطا منطقة عسكرية بموجب قرار عسكري حمل الرقم 918. وفي عام 1982 بدأت حملة للسيطرة على المنطقة من خلال مخطط كبير لفصل مدينة يطا عن المسافر التي تقدر مساحتها بأكثر من 30 ألف دونم، وإبعاد المزارعين والرعاة عن أراضيهم، لكن الهجمة الإسرائيلية اشتدت بعد إقامة مستوطنات على قمم الجبال حيث وصل عدد المستوطنات اليوم الى تسعة ويقوم المستوطنون ومجموعة "فتية التلال" بتنفيذ اعتداءات بشكل مستمر، تمنع هذه المستوطنات تمدد المسافر بشكل طبيعي فكل ما يقع خلف جدار المستوطنات يصبح ملكاً للمستوطنين. في عام 1999 اشتدت الهجمة الإسرائيلية بشكل غير مسبوق وقامت بهدم المنازل بحجة عدم وجود تراخيص بناء، وتهجير سكان 12 قرية لدرجة أنه تم وضعهم في شاحنات قبل إلقائهم على قارعة الطريق من دون أي ملجأ أو مأوى، وأعلن الجيش الإسرائيلي المنطقة كلها عسكرية مغلقة لمنع السكان الفلسطينين من التواجد فيها، إضافة الى تدمير شبكات المياه والكهرباء والبنية التحتية، وتسعى السلطات الإسرائيلية حالياً الى ربط المستوطنات في المسافر بعضها ببعض من خلال إقامة مزارع وتطوير شبكة الشوارع للمستوطنين.

بكل بساطة حولت إسرائيل حياة الفلسطينيين في مسافر يطا إلى جحيم حقيقي وصراع يومي على البقاء والوجود، واستهدفت كل شيء ولو كان بإمكانها استهداف الهواء وإيقاف الأوكسجين لفعلت ذلك من دون أي تردد، وبالإضافة الى مصادرة الأراضي، هناك التدريبات العسكرية الدائمة في المنطقة، وفوق كل ذلك تمنع السلطات الإسرائيلية وصول المياه الى الفلسطينين، فمثلاً في قرية سوسيا يوجد أكثر من 27 بئراً، لا يمكن للفلسطينيين أستخدامها للشرب أو للري وأكثر من 85 في المئة من الآبار الارتوازية التي حفرها سكان المنطقة الفلسطينيين هم ممنوعون أصلاً من استخدامها.أمام هذا التوسع الاستيطاني لا وجود فعلياً للسلطة الفلسطينية، فبحسب سكان المنطقة لم يقم أي مسؤول فلسطيني من رام الله بزيارة رسمية تذكر منذ ما يفوق السبعة أعوام، ويتحدث السكان بكل حسرة وألم عن افتقادهم الدعم المعنوي، إذ يعبرون بكل صراحة "لا نريد دعماً مالياً نريد دعماً معنوياً ونفسياً على كل ما نجابهه يومياً من معاناة، نريد أن نتأكد أنهم يعلمون بوجودنا وأنهم يقفون معنا".

قد يهمك أيضَا :

الاحتلال الاسرائيلي يتخوف من اتساع دائرة المواجهات في النقب المحتل مع دعوات لاستمرارها

عشرات الإصابات والمعتقلين إثر تجدد المواجهات مع قوات الاحتلال الاسرائيلي في النقب المحتل

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

احتجاجات واسعة في مدن أميركية ضد اقتطاعات ترامب التي…
وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تُعلن استئناف العام الدراسي في…
وزارة التربية الوطنية في المغرب تستبعد التلاميذ الذين رفضت…
وزارة التربية الوطنية تبدأ في تنفيذ صرف الشطر الثاني…
خلافات عميقة داخل طالبان بشأن تعليم الفتيات تهدّد استقرار…

اخر الاخبار

الملك محمد السادس يعزّي الكنيسة الكاثوليكية في وفاة البابا…
الحكومة المغربية تدرس مشاريع مراسيم تتعلق بموظفي الصحة والميزانية…
نزار بركة يؤكد أن سنة 2025 ستشكل سنة محورية…
فوزي لقجع يدعو لاستدامة تمويل الحماية الاجتماعية ويُلوّح بزيادة…

فن وموسيقى

صابرين تفتح قلبها للجمهور وتكشف أسرارا من مشوارها الفني…
سلاف فواخرجي ترد على شائعة زواجها من بشار الأسد…
سلاف فواخرجي تنفي زواجها من الأسد والوثيقة المنشورة مزوّرة
هند صبري تبرز خطوة جديدة في مسيرتها الفنية وتخوض…

أخبار النجوم

رانيا يوسف تتحدث عن كواليس مشاركتها في مسلسل نصف…
محمد رمضان يحاول إرضاء الجمهور بحركة غريبة على المسرح
نادين نسيب نجيم تكشف سراً مؤثراً غيّر نظرتها للحياة…
كريم عبد العزيز يُشعل مواقع التواصل ببرومو فيلمه الجديد

رياضة

محمد صلاح يتصدر ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي قبل الجولة…
مطالبات بإيقاف مبابي بعد طرده المباشر في لقاء ريال…
ليونيل ميسي يقترب من تجديد عقده مع إنتر ميامي…
محمد صلاح يمدد مشواره مع ليفربول ويجدد عقده رسمياً…

صحة وتغذية

علاج فقدان السمع في مراحله المبكرة قد يساهم في…
دراسة صادمة تؤكد أنّ دمى الأطفال أكثر تلوثا من…
تمارين اليوغا تساعد في تخفيف آلام مفاصل الركبة وتحسين…
تطور طبي يكشف عن فعالية دواء فموي في علاج…

الأخبار الأكثر قراءة

وزارة التعليم الأميركية تسرح نصف موظفيها عقب تعهد ترمب…
اعتقال طالب فلسطيني بجامعة كولومبيا بسبب مشاركته في احتجاجات…
قرار وزارة الخارجية الأميركية بتجميد المنح الدراسية يترك آلاف…
احتجاجات واسعة في مدن أميركية ضد اقتطاعات ترامب التي…
وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تُعلن استئناف العام الدراسي في…