الرئيسية » تحقيقات
صورة للطفل عقاب الذي توفي بسبب سوء التغذية في عمر 12 أسبوعًا

لندن - كاتا حداد

تشهد مدينة دير الزور، التي كانت واحدة من المدن السورية المزدهرة بصناعة النفط، واقعًا أليمًا، حيث يموت الأطفال والنساء "حرفيًا" من الجوع؛ بسبب سوء التغذية نتيجة الحصار الوحشي الذي يفرضه تنظيم "داعش" المتطرف.

والتقت جريدة "ميل أونلاين" بالكثير من الفارين في بلدة مضايا، الذين أكدوا وجود آلاف المحاصرين في هذه المحنة في مدينة دير الزور، وتتكون حصص طعامهم التي توزعها القوات الحكومية من حفنة من الباغيتي ومثلثين من الجبن المطبوخ و200 غرام من السمن و100 غرام من السكر وكيسين من البرتقال المجفف.

وتصاعدت أسعار المواد الغذائية التي تصل المدينة المحاصرة من خلال الطائرات التي تهبط في المطار العسكري، وأفاد صاحب متجر يدعى أبو القاسم، هرب أخيرًا من الحصار بأن عددًا كبيرًا من الأطفال ماتوا جوعًا، وأن المستشفى يكتظ بالأطفال الذين يعانون من الجوع، مثلما يعاني جميع الأطفال في دير الزور المحاصرة من سوء التغذية والإسهال وغيرها من الأمراض المرتبطة بالجوع.

وزادت أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والأرز وزيت الطعام والخضراوات أكثر من 100 مرة عن أسعارها قبل الحرب، ما جعل السلع بعيدة عن تناول الكثيرين، حيث كانت حزمة من 9 أرغفة من الخبز بسعر 30 دولارًا لكنها أصبحت الآن بسعر 40 دولارًا، وكان ثمن كيلو الأرز 55 دولارًا وأصبح ثمنه 100 دولار، وكان سعر كيلو لحم الماعز 6 دولارات ثم أصبح 60 دولارًا، أما زيت الطهى فكان سعره 1.10 دولارًا ثم أصبح 50 دولارًا، وكان سعر كيلو الطماطم 0.08 دولارات فأصبح 35 دولارًا، وكان سعر 100 غرام من الشاي السيء 0.60 دولارًا ثم أصبح 25 دولارًا، وكان ثمن كيلو السكر 0.40 دولارًا وأصبح الآن 100 دولار، وكانت حزمة من 20 سيجارة سورية بسعر 1 دولار ثم أصبح 50 دولارًا.

وتواصلت "ميل أونلاين" مع اللاجئين الذين فرّوا من المدينة وبعض السكان المحاصرين للتحقق من صور الأطفال الثلاثة "عقاب ورفيف وعثمان"، وأوضح جيران والدة عقاب أن حالته أدت بها إلى الاكتئاب، بالإضافة إلى موت الطفلة رفيف فانوش الشهر الماضي، وظهرت صور لوجهها الهزيل عبر "تويتر" منذ شهر ونصف قبل وفاتها، وبيّن النشطاء أن رفيف توفت بعد أن وصل وزنها إلى 5 كيلو غرام فقط وعمرها عام ونصف.

ولفت النشطاء إلى أن الطفل عثمان (5 أعوام) لا يزال يتشبث بالحياة بعد استمرار حصار داعش لمدينة دير الزور لمدة 11 شهرًا، ما أدى إلى تجريد سكان المدينة البالغ عددهم 125 ألف نسمة، من صحتهم وكرامتهم وآمالهم، وكان بينهم الطفل عقاب صقر الفيري، والذي ولد بعد 8 أشر من الحصار.

وتعاني "منار كسار الداغم"، والدة عقاب، من الجوع أيضًا ما جعلها لا تستطيع إنتاج الحليب الذي يحتاجه طفلها، واضطرت الأم إلى إطعام طفلها مزيد من النشا وشاي الأعشاب بسبب عدم قدرتها على تحمل أسعار حليب الأطفال المصنّع، وهو ما ترك طفلها يعاني من سوء التغذية والأنيميا.

وأفاد الجيران بأن السيدة منار وزوجها دخلا في حالة حداد وانهيار عصبي فضلاً عن الجوع بعد وفاة طفلهما، وذكرت منار للجيران "لا أريد أن أعيش أريد فقط أن أكون مع ابني"، وأنها لم تغادر منزلها ولا تتناول الطعام بعد الوفاة وتلوم نفسها لوفاته، وتتمنى الموت حتى تكون بجوار ابنها لتعتني به حتى بعد الموت.

وكشف أحد العمال في جمعية الهلال الأحمر، والذي وجد داخل المدينة المحاصرة، أن الأطفال الذين يولدون في هذه المنطقة ينتظرهم مستقبل قاتم؛ لأن أمهاتهم الجائعات ضعيفات ولا يستطعن إنتاج الحليب، وتتم تغذية الأطفال هناك على السكر أو السكروز المخفف في الماء.

وتواصلت "ميل أونلاين" مع الناجين من الحصار بعد هروبهم إلى تركيا والعائلات الذين تقطعت بهم السبل في الحصار عبر النشطاء وشبكات التواصل الاجتماعي، وأضاف الطالب عبدالله (28 عامًا) والذي يعيش تحت الحصار "هذا أسوء وقت مر عليّ في حياتي، الإحباط ينهش أجسادنا بشكل أكبر من الجوع".

وكشف أبوالقاسم (35 عامًا)، والذي نجا من الحصار وفرّ مع زوجته وأطفاله الثلاثة منذ 4 أشهر، أن الحياة في المدينة المحاصرة أصبحت صراعًا يوميًّا من أجل البقاء، مضيفًا "إنه أمر بشع ألا أتمكن من إعالة أطفالي، أصبح الناس هناك ضعفاء جدًا بسبب نقص المواد الغذائية، كنت أخرج من دون طعام حتى أتأكد أن زوجتي وأطفالي لديهم ما يأكلونه".

وذكر آخر هرب منذ شهرين يدعى "أبو سفيان" أن الحياة الطبيعية انهارت تمامًا داخل المدينة المحاصرة ويتنافس الناس للعثور على شيء للأكل، موضحًا "لم تعد هناك حياة طبيعية داخل دير الزور، وليس هناك روتين يومي حيث يبقى كل شخص داخل المنزل، ولا ترى الناس فقط إلا في نقاط تفتيش الجيش أو في المستشفى التي تمتلئ بالأطفال المرضى بسبب الجوع وكبار السن الذين يموتون نتيجة عدم وجود الأدوية، وليست هناك وجبة إفطار أو غداء وعندما يجد الناس الطعام يطهونه على الفور حتى لو منتصف الليل، إنهم يوقظون أطفالهم ويعطونهم شيئًا يأكلونه حتى لو كان بعض الماء أو الخبز والملح حتى يبقون على قيد الحياة".

وأوضح الناجون لجوء الناس إلى تدابير بائسة، بما في ذلك الدعارة والإتجار بالأطفال من أجل إطعام أسرهم، وذكر أبو القاسم "معظم الناس لا يملكون المال وبقوا على قيد الحياة من خلال تناول الخبز ولا يوجد نوع آخر من الغذاء، جاري أحمد استبدل وحدة تكييف الهواء الخاصة بـ2 كيلو من الأرز من أجل تغذية زوجته وأطفاله الثلاثة، وهناك أشخاص آخرين باعوا منازلهم لشراء الطعام".

وزعم أبوسفيان، الذي فرّ في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، أن الوضع تدهور كثيرًا حتى أن الناس أصبحوا يأكلون الأعشاب البرية والحمير والقطط والكلاب، وأنه لم يكن هناك خبز في دير الزور لمدة شهرين بالكامل، مضيفًا "يومًا ما شاهدت رجلًا في الخمسينات يتجول في الشوارع محاولاً بيع طفله حتى يتمكن من الحصول على المال لإطعام أطفاله الأربعة الآخرين، وكان يعمل عامل بناء قبل الحرب، وقال إنه مستعد لبيع طفله بأي مبلغ من المال إلا أن أحدًا لم يملك المال لشراء الطفل، كما أن النساء والفتيات يبعن أجسادهنّ لإطعام عائلاتهن، إنهم يتبادلون الجنس مقابل حزمة من الخبز أو كيلو من الأرز، واستبدل رجل سيارته من أجل الحصول على 4 كيلو لبن لطفله، الناس هنا يبيعون أي شيء من أجل الطعام".

وأوضح أبوالقاسم بقوله "قبل الانتفاضة كان لدي حياة جيدة منزل وسيارة وكل ما نحتاجه، اعتدت أن أذهب مع الأطفال إلى مدرستهم ثم أتجه إلى متجري، وفي عطلة نهاية الأسبوع كنت آخذ أطفالي إلى الحديقة للعب، وفي المساء كنا نزور والدي وأخوتي والعائلة، ولم أتصور أبدًا أن أضطر إلى ترك منزلي"، بينما ذكر أبوسفيان "قبل الحرب كان لديّ عائلة وكنت ميسور الحال، وكنا نملك مبنى وسط مدينة دير الزور، ولدي 5 أشقاء و4 شقيقات ولكل منا شقة خاصة به، وأنا لست متزوجًا وكنت محاطًا بأولاد أخوتي وكنا سعداء، وكان لدي متجر للإلكترونيات أنا أحب هذا المجال، ولكن عندما اضطررنا إلى ترك المدينة كان علينا دفع أكثر من 25 ألف دولار، وظلّ شقيق واحد والذي فضل البقاء ليهتم بممتلكاتنا وأوضح أنه يفضل الموت عن المغادرة".

وبعد وقوع الحصار تغيرت حياة الجميع إلى الأسوأ، وهرب أبوالقاسم من منزله وانتقل إلى الجزء الذي تسيطر عليه الحكومة بعد قصف منزله ومتجره، لكنه ندم على قراره باللجوء إلى القوات الحكومية، مضيفًا "القوات الحكومية تحمي المخابز فقط، إنهم يدخلون ويأخذون ما يحتاجون، ويتدافعون للوصول إلى مقدمة طابور الخبز، حتى أنهم أطلقوا النار على حشد من الناس مصطفين للحصول على الخبزوقتلوا امرأة حامل في الأربعينات"، وتابع أبوسفيان "كنت رجلاً ثريًا وكان لديّ حديقة خضراوات وأشجار فاكهة البرتقال والتمر والليمون والنعناع والبقدونس والكوسا والباذنجان، يومًا ما أعطيت رجلاً بعض الفواكه وبكى لأنه لم يكن لديه أيّة خضراوات أو فواكه لمدة شهر".

واتهم أبوسفيان القوات الحكومية بالفشل في حماية المدنيين، مضيفًا "الجيش فقط هو الذي كان يملك الخبز، والآن هناك 3 أنواع من الناس يحصلون على الطعام وهم من تعمل عائلاتهم مع القوات الحكومية ومن كان لديهم أموال كثيرة قبل الحصار ومن لديهم عائلات تعمل في الخارج وترسل لهم الأموال، أما الأشخاص الذين لا يملكون المال لا يمكنهم شراء الطعام لعائلاتهم وليس هناك عمل فلا يستطيعون الحصول على أيّة أموال".

وأضاف أحد العاملين في الهلال الأحمر ويدعى محمد "ليس هناك خبز للشعب منذ نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، حوالي نصف السكان يعانون من حالة شبيهة بأعراض مرض الأنفلوانزا"، وأبرز النشطاء في دير الزور حصص الطعام الضئيلة التي تقدمها القوات الحكومية للعائلات لمدة شهر واحد، ويضطر المدنيون إلى الانتظار في صفوف لمدة تصل إلى 10 ساعات للحصول على حصة مكونة من 20 لترًا من الماء.

وأفاد أبوالقاسم بأنه اضطر إلى الهروب من المدينة عندما نفدت الأطعمة المجففة التي كان يحتفظ بها، موضحًا "من عادتنا تخزين الطعام في المنزل مثل الفاصوليا المجففة والطحين والبرغل والقمح والتمور ومعظم الناس هكذا، وكنا نجمع الأعشاب البرية والزهور ونسلقها مع الملح، وعندما نفد الطعام علمت أنه علينا الهروب"، وباع أبو القاسم ذهب زوجته واقترض المال من الأصدقاء لدفع 3000 دولار للمهربين لإخراجه مع زوجته وأطفاله من المدينة، مضيفًا "كان لدينا اثنين من عربات الأطفال وضعت ممتلكاتنا في واحدة والأطفال الصغار في الثانية ومشينا 3 كيلو ونصف وكان القناصة يطلقون النار علينا حتى وصلنا المنطقة التي يسيطر عليها داعش، وبعد استجوابنا من قِبل المتطرفين اضطررت إلى البقاء في معسكر تدريبي ديني لمدة شهر وبعدها هربنا إلى تركيا".

ويقدم أبوالقاسم توقعات قاتمة لعشرات الآلاف من الناس العالقين في المدينة المحاصرة، ووجَّه حديثه إليهم قائلاً "يجب أن تهربوا هذا هو السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة، أدعوا الله أن يحميكم ويساعدكم على الخروج، جدتي وخالتي ما زالن هناك ولا أعرف ما سيحدث لهن".

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

فوز الديمقراطيين بالانتخابات الأمريكية وتحقيق إنجازات تاريخية
صعوبات دبلوماسية أمام مشروع القوة الدولية في غزة
عائلات فلسطينية تعيش بين القبور في خان يونس هربا…
الحوثيون يتحولون إلى جزء من شبكة إقليمية متداخلة تتجاوز…
ترمب يهدّد بوقف تمويل نيويورك إذا فاز زهران ممداني…

اخر الاخبار

ماركو روبيو يدعو لتحرك دولي لوقف إمدادات السلاح إلى…
الأمم المتحدة تحذر من خطر المجاعة في 12 منطقة…
تقرير يكشف أن تغيير اسم الوزارة إلى وزارة الحرب…
الرئيس المصري يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد

فن وموسيقى

يسرا تتسلّم وسام الشرف الفرنسي تقديراً لمسيرتها الفنية الطويلة
كريم محمود عبد العزيز يعلن انفصاله رسميا مؤكدا الطلاق…
منى زكي تكشف أسباب ابتعادها عن الوسط الفني ودخولها…
ملحم زين يكشف كواليس تفكيره في الاعتزال ويدافع عن…

أخبار النجوم

الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها "ورد وشوكولاتة"
كريم عبد العزيز يوجّه رسالة مؤثرة لوالده المخرج محمد…
دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
قرار قضائي لصالح أحمد عز في نفقة توأم زينة

رياضة

مبابي يتعهد بتكريم ضحايا هجمات باريس خلال مواجهة أوكرانيا
رونالدو يوضح مقصده من كلمة "قريباً" حول نهاية مسيرته
إصابة المغربي أشرف حكيمي تتحول إلى مكسب تجاري ضخم…
ميسي يقود إنتر ميامي لاكتساح ناشفيل والتأهل إلى نصف…

صحة وتغذية

الصحة العالمية تحذر من وفاة أكثر من مليون شخص…
دراسة تكشف فحصًا جديدًا أدق لتشخيص أمراض الكلى
آلية دفاعية جديدة تمنح البكتيريا مقاومة متقدمة لمضادات الحيوية
تناول القهوة يومياً قد يخفض خطر الإصابة بالرجفان الأذيني…

الأخبار الأكثر قراءة

قلق في إسرائيل بعد إلغاء عقود سلاح ومخاوف من…
ديربي مدريد يتحول إلى صدمة لجندي إسرائيلي
FBI يعثر على وثائق سرية في مكتب مستشار ترمب…
تحقيق أممي يكشف نوايا إسرائيل في غزة والضفة
تقرير يكشف الموساد نشر 100 عميل في إيران قبل…