واشنطن - المغرب اليوم
أظهرت دراسة علمية حديثة إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن سرطان الحنجرة وأورام الأحبال الصوتية من خلال تحليل نبرة صوت الإنسان، في تطور يفتح آفاقاً واسعة لتشخيص هذا النوع من السرطان بطريقة بسيطة وغير جراحية مقارنة بالأساليب التقليدية.
الدراسة، التي نُشرت في دورية فرونتيرز إن ديجيتال هيلث، أشارت إلى أن التغيرات الدقيقة في الصوت، والتي تنتج عن وجود أورام على الأحبال الصوتية، يمكن أن تكون مؤشراً حيوياً مبكراً على المرض، سواء كانت هذه الأورام حميدة مثل العقيدات أو الأورام الليفية، أو خبيثة في مراحلها الأولى.
قاد البحث الدكتور فيليب جينكينز، الباحث في المعلوماتية السريرية بجامعة أوريجون للصحة والعلوم، ضمن مشروع "Bridge2AI-Voice" التابع للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة، وهو مشروع وطني يهدف إلى تسخير قدرات الذكاء الاصطناعي في التصدي للتحديات الطبية المعقدة.
وبحسب الباحثين، فإن صوت الإنسان لا يُعد فقط وسيلة تواصل، بل يمثل مؤشراً بيولوجياً يعكس الحالة الصحية، نظراً لاعتماده على التنسيق بين الجهاز التنفسي والجهاز العصبي. وأي خلل في هذه الأنظمة يمكن أن يؤدي إلى تغيرات دقيقة في خصائص الصوت، ما يجعله أداة واعدة لتشخيص أمراض مختلفة، مثل مرض باركنسون، الخرف، الاضطرابات النفسية، وأنواع معينة من السرطان.
ما يُميز الصوت كمؤشر حيوي هو أنه غير مكلف وسهل الجمع وآمن، ويمكن تسجيله بجودة عالية حتى باستخدام الهواتف الذكية، مما يجعله خياراً متاحاً حتى في البيئات ذات الموارد المحدودة. كما أن التحليل لا يقتصر على الكلام فحسب، بل يشمل أيضاً مؤشرات صوتية أخرى كالسعال والتنفس، ما يعزز من إمكانيات التشخيص ويجعل التقنية قابلة للتطبيق على أمراض مثل كوفيد-19.
اعتمدت الدراسة على الإصدار الأول من قاعدة بيانات "Bridge2AI-Voice"، والتي ضمت 12,523 تسجيلاً صوتياً لـ 306 مشاركين من أميركا الشمالية، من بينهم مرضى بسرطان الحنجرة، أو بأورام حميدة في الأحبال الصوتية، أو بأمراض أخرى كشلل الحبل الصوتي الأحادي، أو خلل النطق التشنجي.
وأظهرت التحليلات فروقات واضحة في مؤشرات صوتية محددة، أبرزها نسبة التناغم إلى الضوضاء (harmonic-to-noise ratio) وتردد الصوت الأساسي، وذلك عند مقارنة أصوات الرجال الأصحاء مع أصوات رجال يعانون من أورام حميدة أو خبيثة في الحنجرة. ورغم أن الدراسة لم ترصد فروقات مماثلة لدى النساء، فإن الباحثين يرجّحون أن يكون السبب في ذلك هو محدودية حجم العينة، ويرون أن قواعد بيانات أكبر قد تُظهر نتائج أوضح.
وأكد الفريق العلمي أن هذه المؤشرات الصوتية يمكن استخدامها لتتبع تطور أورام الأحبال الصوتية والتعرف المبكر على السرطان، ما يمنح المرضى فرصاً أكبر للحصول على علاج مبكر وفعال. كما توقع الباحثون أن تدخل أدوات تعتمد على هذه التقنية مراحل التجربة السريرية خلال العامين المقبلين.
ويُعد سرطان الحنجرة أحد الأمراض التي تُشكّل عبئاً صحياً عالمياً، حيث سُجلت نحو 1.1 مليون حالة إصابة عام 2021، توفي منها قرابة 100 ألف شخص. وتشمل أبرز عوامل الخطر التدخين، وتناول الكحول، والعدوى بفيروس الورم الحليمي البشري.
في الوقت الحالي، يعتمد تشخيص سرطان الحنجرة على تقنيات معقدة مثل التنظير الأنفي بالفيديو وأخذ الخزعات، وهي إجراءات تتطلب تجهيزات متخصصة، وقد تستغرق وقتاً طويلاً للحصول على موعد مع طبيب مختص، ما يؤدي إلى تأخر في التشخيص.
ويقول الدكتور جينكينز إن "النتائج تمثل إثباتاً لمبدأ علمي، لكننا بحاجة إلى تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على بيانات أكبر وأكثر تنوعاً لضمان فعاليتها لدى جميع الفئات، رجالاً ونساء".
ورغم هذا التطور اللافت، تواجه الأبحاث في هذا المجال عدة تحديات. من أبرزها نقص قواعد البيانات الصوتية الضخمة والمتنوعة وذات الجودة العالية، وهو ما يحد من دقة النماذج المستخدمة. كذلك، تطرح قضايا الخصوصية والأخلاقيات عوائق إضافية، نظراً لأن الصوت يُعد من البيانات البيومترية الحساسة، ما يفرض قيوداً على مشاركة البيانات والتعاون بين الباحثين.
ويؤكد الباحثون أن تجاوز هذه العقبات يتطلب تعاوناً واسعاً بين خبراء الذكاء الاصطناعي، والأطباء، وعلماء الأخلاقيات، من أجل إنشاء قواعد بيانات صوتية ضخمة يتم جمعها بصورة آمنة ومسؤولة.
إذا نجحت هذه التقنية في اجتياز المراحل التجريبية والوصول إلى الاعتماد السريري، فإنها قد تغيّر مستقبل التشخيص الطبي، وتوفر وسيلة بسيطة وفعالة للكشف عن أمراض خطيرة من خلال تحليل بسيط لتسجيل صوتي لا يتجاوز بضع ثوانٍ، ما قد يُنقذ آلاف الأرواح سنوياً.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
لبنى أبيضار تشرح حقيقة إصابتها بسرطان الحنجرة