الرئيسية » مراجعة كتب

القاهرة ـ وكالات

يصعب تصنيف العمل الأدبي الأخير الذي وضعه الكاتب المصري الراحل إبراهيم أصلان بعنوان "حجرتان وصالة" وصدرت ترجمته الفرنسية حديثا عن دار نشر "أكت سود" (سلسلة "سندباد"). ولعل هذه الصعوبة هي التي دفعت أصلان إلى تسهيل مهمة النقّاد بإضافة عبارة "متتالية عائلية" إلى عنوان الكتاب كمحاولة مبتكَرة لتصنيفه. ينقسم الكتاب إلى فصول عديدة يروي كل واحد منها مشهدا حياتيا عاديا لمسنٍّ يدعى "الأستاذ خليل" يعيش مع زوجته "إحسان" في شقة تتكون من حجرتين وصالة، بعدما مرّ عليهما عمرٌ طويل أنجبا فيه ولدَين وأشرفا على تربيتهما وتعليمهما، قبل أن يرحل الولدان إثر زواجهما فيفرغ بيت خليل وإحسان من الحياة. وتصبح حينئذ التفاصيل الصغيرة للغاية شغلهما الشاغل، وتنحصر حواراتهما القليلة والقصيرة بأمور المنزل اليومية.لكن سرعان ما تتوفّى إحسان فينتقل خليل للعيش في شقّته القديمة التي تتألف بدورها من حجرتان وصالة. ومع أن ولديه وجيرانه وعددا ضئيلا من أصدقائه القدامى لم يتخلوا عنه، لكنه لم يلبث أن يواجه برودة العزلة وألمها، ويبدأ في اجترار الذكريات والأحزان، وحده أو مع أصدقائه الذين شاخوا ويعانون الفراغ مثله. ويمكن قراءة هذا النصٌ الذي لا يتجاوز ١٢٠ صفحة كرواية نظرا إلى سرد الكاتب فيه قصّة واحدة، هي قصّة خليل قبل وفاة زوجته وبعدها. لكن استقلالية فصول الكتاب الثمانية والعشرين عن بعضها بعضا، وحمْل كل منها عنوانا مختلفا، وانعدام أي تتابع أو ترابط جلي بين الأحداث المسرودة فيها، يجعل من الكتاب أيضا كناية عن مجموعة قصص قصيرة جدا يُمكن قراءتها دون الترتيب الذي تحضر فيه.وفي حال أضفنا القرابة الشديدة بين شخصية خليل وأصلان -الاثنان اشتغلا في مركز البريد قبل أن يتوقفا عن العمل لأسباب صحية، وعاشا معظم سني عمرهما في حي إمبابة- لتبيّن لنا أيضا بُعد السيرة الذاتية الذي يتحلى به هذا النص.وفي الحقيقة، ينتمي كتاب أصلان إلى جميع هذه الأنواع الأدبية، وفي الوقت نفسه لا ينتمي إلى أي منها. والتصنيف هو مسألة لا تعني الكاتب بقدر ما تعني الناقد الذي يبحث دائما عن زاوية سهلة للإمساك بالعمل الأدبي الذي يقرؤه والتحدّث عنه. أكثر من ذلك، يشكل خروج الكاتب عن الأنواع الأدبية التقليدية إبداعا يفتح فيه لنا أفقا جديدا للكتابة، وهو ما أنجزه أصلان في هذا الكتاب على أكمل وجه.فقد ابتكر الكاتب في هذا النص الشكل الأنسب والأكثر فعاليّة لمعالجة موضوعه الرئيسي، أي الشيخوخة التي لا مفرّ منها. وفي هذا السياق جاءت فصول كتابه على شكل لقطات يومية تعكس استقلاليتها حالة تصدّع الزمن والضياع التي يعيشها الإنسان في نهاية عمره.وفي السياق نفسه، جاءت لغة أصلان بسيطة لا تغرق في البلاغة والمحسّنات اللفظية، وأقرب إلى العامّية دون ابتذال، وقادرة أكثر من غيرها -بفضل بساطة أسلوبها وانعدام التكلف فيها- على استحضار مناخ عالم الشيخوخة برتابته وفقدانه وهج الأمل في الغد والطموح.وفي النتيجة، يتمكن أصلان من إشعارنا من خلال وسائل شكلية وسردية مختلفة، بملل يجعلنا في أوّل الأمر نحكم سلبا على الكتاب قبل أن يتبيّن لنا أن الأمر مقصود، وغايته إيصال حالة الوحدة إلينا والفراغ الذي يتخبّط فيهما خليل داخل شقّته.حالة تجعله يتوهّم أشياء لا صحة لها تضفي نوعا من الطرافة على النص، كتوهّمه بأن إحدى ساقيه أكثر طولا من الأخرى، أو تساؤله لدى ملاحظة الفارق المتزايد في الطول بينه وبين ابنه، إن كانت قامته هي التي تقصر أم أن قامة ابنه هي التي تكبر، أو محاولته الاستفسار من صديقه الصيدلي عن جدوى الأشعّة المقطعية لمعالجة الشعور الغريب الذي يشعر به في رأسه ويجعله يفقد أحيانا توازنه.لكن جهد أصلان لا يقتصر على تجسيد واقع الشيخوخة الحزين وعوارضها، فنصّه ينم عن رقّة وإنسانية كبيرتين تتجليان في علاقة الألفة التي تجمع خليل بزوجته أو بمحيطه، كما ينمّ عن مهارات تقنية وكتابية مختلفة، كرسْم الكاتب البارع لشخصيّاته التي يستقيها من حي إمبابة الذي عاش فيه، وتصويره أزقّة هذا الحيّ وشوارعه بدقّة تجعلنا نتعرّف جيدا إليه ونتنقّل داخله.ولا يهمل أصلان سلوكيات أبناء مجتمعه ونفسيّاتهم وعاداتهم التي نستشفّها من تصرّفات ومواقف شخصياته، بدءا بخليل المرهَف وزوجته ذات الشخصية القوية الساخرة، مرورا بأصدقائه وأقاربه وجيرانه، وانتهاء بالبوّاب الخمول الذي يمضي وقته نائما ويتجنّب أي اتّصال بسكان العمارة التي يعمل فيها. وليست مصادفة أن تنتهي هذه "المتتالية" بقصّة تحمل عنوان "أوّل النهار"، وقبلها "آخر الليل"، فأصلان أراد بذلك الشهادة على إمكانية تجدّد الحياة، حتى على عتبة الموت، وبالتالي التعبير عن تفاؤل مؤثّر بالعالم والإنسان.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

المخرج الأميركي كوينتن تارانتينو يُصدر روايته الأولى
إصدار جديد يقارب حصيلة الدراسات الأمازيغية في المغرب
مؤلف يرصد البرلمان المغربي في ظل ثلاثة ملوك
رواية "وجوه يانوس" تقود أول امرأة إلى رئاسة الحكومة…
ديوان شعري أمازيغي يدعم مرضى السرطان الفقراء

اخر الاخبار

السيسي وبزشكيان يعلنان رفضهما لمحاولات تهجير الفلسطينيين
البنتاغون يعتمد حزمة مساعدات أمنية لتعزيز قدرات الجيش اللبناني
الجيش السوري يقصف مواقع تابعة لقسد في ريف حلب
وزير الدفاع الأميركي يبلغ نظيره الصيني أن واشنطن لا…

فن وموسيقى

رنا رئيس تخضع لجراحة عاجلة بعد تعرضها لإجهاض ونزيف…
الممثلة الفرنسية أديل إينيل تُبحر ضمن "أسطول الصمود العالمي"…
داليا البحيري تكشف معاناتها في صيف الساحل بين المرض…
منى واصف تتوج بلقب سفيرة السلام في العالم تقديراً…

أخبار النجوم

إليسا توضح ظروف غيابها عن السوشيال ميديا وتوجه رسالة…
سيلين ديون تستعد للعودة بعد غياب طويل بسبب المرض
نادين الراسي تعتذر لفضل شاكر وابنه بعد تصريحات مثيرة…
فهد الكبيسي يمر بوعكة صحية مفاجئة ومصادر مقربة توضح…

رياضة

المغرب وتونس يضمنان التأهل في تصفيات كأس العالم الإفريقية…
رونالدو يبعث رسالة ود لجماهيره بصورة مع صبي الملاعب…
مفاجأة في الميركاتو ناد سعودي يضع محمد الشناوي ضمن…
إنفانتينو يصف تأهل المنتخب المغربي إلى نهائيات كأس العالم…

صحة وتغذية

سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية
دواء تجريبي جديد يحقق إستجابات واعدة ضد سرطان الرئة…
دراسة امريكية مكملات الكالسيوم وفيتامين D لا تقلل من…
الكبد الدهني التهديد الصامت الذي قد يقود إلى تليف…

الأخبار الأكثر قراءة