الدارالبيضاء - جميلة عمر
انتهتْ المواجهة العنيفة بين الأمن وسكان "كريان سنطرال"، في الحي المحمدي، وهو حي شعبي وعشوائي، يعود تاريخه إلى عهد الاستعمار الفرنسي، بتوقيف أكثر من 24 شخصًا بتهمة العصيان، وأضرار مادية كبيرة، ومحاولات انتحار لعدد من شباب المنطقة.
واستفاق سكان "كريان سنطرال"، ودون سابق إنذار، قبل آذان الفجر، على صوت آلات كبيرة مُخصَّصة للهدم، في البداية اعتقد السكان أن زلزال ضرب المنطقة، ولاسيما مع أول عملية للهدم، حيث قررت السلطات هدم 40 "براكة"، لم يكن مفاجئ، ولكن لم يكن في وقته، فالساعة الخامسة صباحًا، والناس لا يزالون نيامًا، وهو ما جعل السكان تثور في وجه السلطات، لتعرف عملية الهدم عنفًا كبيرًا وصف بالأقوى في تاريخ مدينة الدارالبيضاء على الإطلاق، حيث جندت السلطات المتخصصة عددًا كبيرًا من القوات المساعدة، ورجال الشرطة، وجارفات وشاحنات، كما تجند سكان الكريان لمواجهة السلطات، لعرقلوا عملية الهدم.

وحاول شاب ذبح نفسه من الوريد إلى الوريد كنوع من الاحتجاج، نقل على وجه السرعة إلى المستشفى، ولا يزال حتى الآن بين الحياة والموت، كما أقدم شخص آخر على محاولة إضرام النار في جسده، وتم توقيف أكثر من 24 شخصًا بسبب العصيان.
لم يكن سهلًا على سكان المنطقة أن يروا أمتعتهم ترمى، ومنازلهم ولو عشوائية تهدم أمام أعينهم دون إنذار مسبق، كما استنكروا الإنزال الأمني الكبير، وكأنهم متطرفين أو متشددين، إذ اعتبر أحد السكان إلى "المغرب اليوم"، هذا العمل غير القانوني يسبب أزمة نفسية لأبناء المنطقة، فما أقدمت عليه السلطات يمس المعايير الدولية لحقوق الإنسان".
وأضاف شاهد العيان، "كان من الأخلاقيات الانتظار إلى طلوع الشمس، وليس مع الفجر، فنحن كسكان للمنطقة سنطالب برفع تحقيق في المسألة، فمن العيب والعار أن يتم هدم أقدم كريان في الدارالبيضاء بتلك الطريقة العنيفة جدًّا، وهو الذي ساهم بقوة في حماية المملكة من المستعمر الفرنسي، وأنتج طينة كبيرة من الفنانين، وساهم في كتابة التاريخ المشترك".
وأوضح قائد المنطقة في تصريح إلى "المغرب اليوم"، أن "سكان "كاريان سنطرال" صدر ضدهم أحكامًا بالهدم، وحصلوا على إنذارات قضائية ومراسلات من وزارة الداخلية، لكنهم لم يستجيبوا لقرار الترحيل، بل هناك عدد كبير منهم مستفيدون من عملية إعادة الإسكان في منطقة الهراويين".
وأضاف، "كما أن عددًا من أصحاب "البراريك"، حصلوا على عشرات الإنذارات القضائية المرسلة من طرف مكتب محاماة ينوب عن شركة العمران والجماعة الحضرية لمدينة الدارالبيضاء".

وأردف المتحدث، أنه "لا يمكن الشروع في أية عملية هدم في غياب استفادة السكان، وأن السكان يودون الاستفادة أكثر من مرة من السكن، وهذا ما يخالف القانون، ويخيب فيه تكافئ الفرص".
وأكد بيان محافظة الدارالبيضاء الكبرى، أن "السلطات العمومية في المحافظة قامت الثلاثاء الماضي، بتنفيذ الأحكام القضائية بالإفراغ، الصادرة في حق قاطني 42 "براكة" وكوخًا صفيحيًّا من المستفيدين من بقع أرضية في القطب الحضري الهراويين، وذلك بحضور المسؤولين المعنيين بتلك العملية".
وأوضح البيان، أن "تلك العملية شهدت بعض المناوشات، تجلت في منع بعض السكان المشمولة بالإفراغ لمأموري التنفيذ من القيام بمهامهم، مستعينين ببعض النسوة والقاصرين وأشخاص مسنين".
واتهم البيان، بعضًا من الأسر المستفيدة من البقع الأرضية أو الشقق بنهج أسلوب الابتزاز، متمثلًا في رفضها الانخراط في عملية إعادة الإيواء، حيث طالبت باستفادة أفراد أسرها خارج الإحصاء والمعايير المعتمدة، مما استدعى اللجوء إلى القضاء الذي أصدر حكمه في الموضوع".
وعلى بعد خطوات من قيسارية الحي المحمدي في الدارالبيضاء، يقع "كريان سنطرال" على مساحة تُقدَّر بقرابة 34 هكتارًا، وهو حي صفيحي يعيش سكانه فيه حياة كئيبة داخل بيوت من القصدير، لا تقيها برد الشتاء ولا حرارة الصيف، ورغم ذلك فإنها ترفض الخروج من "الكريان"، رغم الحلول المُقدَّمة لها، ورغم أوضاعه المزرية.
وهذا الحي ظهر مع العقدين الأولين من القرن العشرين، أي مع الاستعمار الفرنسي، وظهوره كان بسبب تغلغل الاستعمار الذي نهج سياسة نزع عقارات سكان مدينة الدارالبيضاء، وكذلك نزع أراضي الفلاحين للمناطق المجاورة، وتفويتها إلى المعمرين، وإحداث الأطر القانونية والمؤسساتية الكفيلة بإحداث أراضي التعمير، وهنا انتشرت الأحياء الصفيحية في هوامش الدارالبيضاء، وكان أهمها "كريان سنطرال"، الذي ستحول في ما بعد إلى بؤرة سوداء، تخوف منها الاستعمار الفرنسي، إذ منها انطلقت المقاومة ضد الاستعمار.
وبعد الاستقلال، لم تعد المنطقة التي أصبحت تضم 6400 "براكة"، ذلك المكان الذي أريقت فيه دماء المغاربة، والذين قاوموا ضد الاستعمار، بل ستحول خلال العشر السنوات الأخيرة إلى بؤرة سوداء تخيف السكان، وحتى المارين منه، إذ أضحى ملجأ للمنحرفين الذين وجدوا في ذلك الخراب ضالتهم لبيع المخدرات للقاصرين.


أرسل تعليقك
تعليقك كزائر