الفاشر ـ المغرب اليوم
تشهد مدينة الفاشر في شمال دارفور أوضاعاً إنسانية مأساوية بعد إحكام قوات الدعم السريع سيطرتها عليها، حيث وثّقت شهادات لأهالٍ يعيشون تحت الخوف والابتزاز، مؤكدين أن عشرات المدنيين يُحتجزون ويُجبر ذووهم على دفع مبالغ مالية مقابل الإفراج عنهم.
يروي شاب سوداني يعيش خارج البلاد، فضّل التعريف بنفسه باسم “محمد أحمد”، أنه تلقى اتصالاً من خاله المحتجز لدى عناصر من قوات الدعم السريع، يطالبه بدفع فدية قدرها عشرة ملايين جنيه سوداني خلال ساعة واحدة لإنقاذ حياته. يقول محمد: “اضطررت لاقتراض المبلغ وتحويله فوراً خوفاً من أن يُقتل، وبعدها أُطلق سراح خالي وتمكن من الهروب إلى مدينة طويلة غرب الفاشر”.
لكن قصصاً أخرى أكثر قسوة تتكرر، إذ يؤكد إبراهيم قاسم، وهو اسم مستعار لمواطن آخر من الفاشر، أن خمسة من أفراد أسرته محتجزون لدى قوات الدعم السريع. نجح في إنقاذ شقيقه بدفع فدية مماثلة، لكنه يواجه مطالبات مالية جديدة لإطلاق سراح بقية أقاربه. يقول إبراهيم بقلق: “هددوني بقتل أخي خلال عشر دقائق إن لم أرسل المبلغ، وحتى الآن لا أملك ما يكفي لإنقاذ البقية”. ويشير إلى أن العائلات تجمع الأموال من القروض والتبرعات والمنظمات الخيرية، وسط انعدام أي ضمانات لسلامة المفرج عنهم.
مصادر محلية في المدينة تحدثت عن أن بعض من دفعوا الفدية تعرّض أقاربهم للاعتقال مجدداً أو تمت تصفيتهم أثناء محاولتهم المغادرة، ما وصفه الأهالي بأنه “ابتزاز منظم”.
من جهتها، حذّرت منظمات إنسانية من تفاقم الكارثة داخل المدينة، مؤكدة أن آلاف المدنيين لا يزالون محتجزين وتُمنع عنهم وسائل الخروج، في ظل نقص حاد في الغذاء والأدوية وتدهور حاد في الخدمات الصحية. كما أشارت التقارير إلى أن الجثث المنتشرة في أطراف المدينة تهدد بوقوع كارثة بيئية إذا لم تُدفن سريعاً.
وتقول الحقوقية غادة عبد الرحمن إن ما يجري في الفاشر “احتجاز تعسفي وانتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني”، مضيفةً أن “قوات الدعم السريع تستخدم المدنيين كرهائن وتبتز ذويهم مالياً، في ممارسات تنتهك كل المواثيق الدولية”. وتؤكد أن ظروف الاحتجاز قاسية وترافقها عمليات تعذيب وتجويع.
وتفيد شهادات من داخل المدينة بأن المحتجزين يُوزّعون على مواقع مختلفة، بينها حديقة حي الدرجة الأولى وسجن شالا الاتحادي، إضافة إلى نقل مجموعات أخرى إلى مناطق بعيدة غرب الفاشر. ويقول شهود إن قوات الدعم السريع حفرت خنادق وأقامت حواجز حول المدينة لمنع السكان من الخروج.
وكان قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قد أقرّ بوقوع “انتهاكات” بعد سيطرة قواته على الفاشر، معلناً تشكيل لجنة للتحقيق، لكنه نفى وجود حصار على المدينة، في حين تؤكد شهادات السكان والتقارير الميدانية استمرار الحصار وتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق.
ويأتي هذا التصعيد بعد أكثر من 16 شهراً من القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، انتهى بسيطرة الأخيرة على الفاشر في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2025، وسط تحذيرات دولية من أن المدينة قد تشهد واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في السودان منذ اندلاع الحرب.


أرسل تعليقك
تعليقك كزائر