اكتشفت آنا دونغ (65 عاماً)، وهي لاجئة سابقة من حرب فيتنام، شعوراً بالألفة عندما قرأت تفاصيل تقنية حول القنابل الخارقة للتحصينات التي ألقتها الولايات المتحدة على موقعين نوويين في إيران. قادت دونغ، بعد شهر من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فريقاً من علماء الجيش الأميركي لتصنيع مادة متفجرة من نفس عائلة القنبلة التي قُصفت بها إيران لاحقاً، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
إنجاز يغير مسار الحروب
صُممت القنبلة التي طوّرها فريق دونغ، وهي من طراز BLU-118/B موجهة بالليزر، لاستهداف الأنفاق تحت الأرض التي يحتلها تنظيم القاعدة في أفغانستان. وصفت دونغ هذه القنبلة بأنها تحدث انفجاراً مستمراً وعالي الحرارة، ما يجنب الجنود الدخول إلى تلك الأماكن الخطرة. وتم استخدام هذا السلاح الذي طوّرته "سيدة القنبلة" وفريقها في البحرية الأميركية، مراراً في أفغانستان، ويُنسب إليه الإسهام في تقصير أطول حرب أميركية.
وقبل تطوير قنبلة BLU-118/B، كان فريق دونغ يعمل على جيل جديد من المتفجرات عالية الأداء التي يمكنها اختراق طبقات الصخور والجدران قبل الانفجار. وكانت هذه المتفجرات جزءاً من عائلة القنابل الخارقة للتحصينات المعروفة رسمياً باسم GBU-57، والتي استخدمتها الولايات المتحدة في إيران، حيث ألقت 12 قنبلة منها على الموقع النووي الإيراني في فوردو، فضلا عن اثنتين أخريين على منشأة نطنز النووية الإيرانية.ولم تعلق دونغ على الجدل حول أضرار القنابل على البرنامج النووي الإيراني، لكنها أشارت إلى أن تقييم نجاح القنبلة لا يمكن أن يتم من واشنطن أو تل أبيب أو طهران، لصعوبة الوصول إلى منشأة نووية تحت الأرض بعد قصفها.
من سايغون إلى المختبر الأميركي
بدأت رحلة دونغ في عام 1975، عندما كانت تبلغ من العمر 7 أعوام، عند بوابة منزل والديها في سايغون، فيتنام. كانت تتمنى لو تستطيع منح شقيقها الطيار "أفضل أسلحة وأكثرها تطوراً" ليعود سالماً. هذا المشهد كرّر نفسه خلال حرب فيتنام الطويلة، وفي النهاية قطعت الفتاة عند البوابة وعداً على نفسها: "لو كان هناك أي سبيل لتوفير أسلحة أفضل، لفعلت ذلك من أجل الجنود الأميركيين الذين قاموا بحمايتي وعائلتي".
وفي أبريل (نيسان) 1975، ومع سقوط سايغون في أيدي الفيتناميين الشماليين، تمكنت دونغ وعائلتها من الفرار على متن سفينة تابعة للبحرية الفيتنامية الجنوبية. وانتهى المطاف بالعائلة في واشنطن العاصمة، حيث وجدت دونغ الدعم من الأقارب والكنيسة المعمدانية الأولى.وقالت دونغ: "جئنا إلى هنا لاجئين فقراء، خاليي الوفاض، والتقينا بالعديد من الأميركيين الكرماء والطيبين". هذا الدعم جدد عزمها على رد الجميل لأميركا. ورغم أن دونغ كانت بالكاد تبلغ 16 عاماً ولا تتحدث الإنجليزية جيدًا عندما وصلت أميركا، إلا أنها أصبحت لاحقاً طالبة موهوبة. وتخرجت بمرتبة الشرف من جامعة ماريلاند في عام 1982 بشهادة في الهندسة الكيميائية، ثم حصلت على درجة الماجستير في الإدارة العامة من الجامعة الأميركية. بعد ذلك، التحقت بوظيفة مرموقة في البحرية.
وبحلول عام 2001، أصبحت دونغ مديرة قسم التطوير المتقدم للذخائر في قسم "إنديان هيد" التابع لمركز الحرب البحرية. وعندما هاجم تنظيم القاعدة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وبرجي مركز التجارة العالمي، كانت قد بدأت بالفعل العمل على المتفجرات التي استخدمت لاحقاً في أفغانستان. واختصرت دونغ وفريقها المكون من 100 عضو، حوالي 5 سنوات من العمل، في 67 يوماً فقط، لتصنيع 420 غالوناً من المتفجرات.
تقدير وعرفان
وفي عام 2002، منح وزير البحرية كامل القوة العاملة المدنية بمركز الحرب البحرية في إنديان هيد، والبالغ عددها أكثر من 2000 فرد، وسام الوحدة المتميزة.وعلى الرغم من الخسائر الفادحة لحرب فيتنام، لم تجد دونغ أي تناقض بين العنف الذي عانت منه خلال تلك الحرب وبين عملها في تطوير المتفجرات. وأكدت أن القنابل عالية التقنية يمكن أن تساعد في تقليل القتال البري وتقصير أمد الحروب، وأن واجبها الأول كعالمة عسكرية وأميركية هو ضمان عودة الجنود أحياء.
وتقاعدت دونغ في عام 2020، وزوجها لاجئ فيتنامي التقته في الجامعة، وهما يعيشان بالقرب من هاجرستاون بولاية ماريلاند، ولديهما 4 أبناء. عندما تشاهد عائلتها إعلانات اليانصيب، تقول دونغ لأطفالها: "لقد فزنا بالفعل، لأننا هنا. هذا البلد جنة".وفي عام 2007، فازت دونغ بميدالية "صموئيل جيه. هيمان" لخدمة أميركا. وفي فيديو تكريمي، تحدثت عن معاناتها ونجاتها، والحياة التي بنتها هي وعائلتها في أميركا، قائلة: "لم أنسَ أبدًا 58 ألف أميركي، بالإضافة إلى 260 ألف جندي فيتنامي جنوبي سقطوا في تلك الحرب. أشعر أنني مدينة بفرصة لي في أميركا لكل هؤلاء الأشخاص".
وفي عام 2008، تولت رئاسة قسم الحدود والأمن البحري في وزارة الأمن الداخلي، لتنتقل "من الهجوم إلى الدفاع". وتذكرت دونغ لقاء نادراً مع جندي خدم في أفغانستان خلال مؤتمر للأمن الداخلي. قال لها: "شكرًا لكِ يا آنا. لقد أنقذتِ حياتي وأنقذتِ رفاقي". ردت دونغ: "لا، أنا من يجب أن أشكرك على المخاطرة بحياتك". هذا اللقاء الذي لم تخبر به أحداً حينها، كان "أفضل مكافأة يمكن لأي شخص أن يأمل بها".
قد يهمك أيضــــــــــــــا
هيغسيث يُؤكد على ضرورة "تغيير وجهة" الجيش الأميركي للتركيز على تهديدات جديدة خاصة من الصين.
الجيش الأميركي يبدأ بتجهيز معسكر جدي في محافظة حلب شمال سوريا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر