أفرزت التحديات التي تواجه سوق الأدوية في موريتانيا، خاصة ما يتعلق بانتشار الأدوية المغشوشة وتهريب الأدوية عبر الحدود الذي ساهم في ظهور سوق مواز، إلى جانب عدم التقيد بالتعليمات والوصفات الطبية، أزمة ثقة لدى العديد من المرضى في فعالية وجودة الأدوية المُسوَّقة محليًا، الأمر الذي بات يدفع بعضهم إلى الاعتماد على العائلات أو الأقارب أو المعارف من أجل جلب هذه الأدوية من الدول المجاورة، على غرار المغرب، خاصة في فترات النقص في المخزون الوطني أو تعطل سلاسل الإمداد.
وفي مقابلة إعلامية سابقة، أكد الدكتور أبي الشيخ الخو، خبير صيدلاني مستشار فني مكلف بالأدوية بوزارة الصحة الموريتانية، أن “محاربة الأدوية المغشوشة والمزورة تعهدٌ من فخامة رئيس الجمهورية للشعب الموريتاني للوقوف بحزم في وجه أي إخلال بالإجراءات القانونية المنصوص عليها في مجال الأدوية، مع توفيرها بالجودة المطلوبة وبأسعار في متناول الجميع”.
وسجل المتحدث ذاته أن “وزارة الصحة شكلت لجنة فنية لتشخيص العراقيل والاختلالات التي يعاني منها قطاع الأدوية، وقفت على مشاكل عدة في مجالات متعددة ذات صلة بوضعية الأدوية، شملت الترسانة القانونية، وجودة الأدوية وتسجيلها، وضعف مراقبتها، وتهريبها”.
وقال: “في إطار الجهود الكبيرة التي تبذلها السلطات العمومية لتأمين جودة الأدوية وسلامتها والحفاظ على صحة المواطنين، اتخذت إجراءات تضمنت حصر منافذ دخول الأدوية إلى البلد في مطار نواكشوط الدولي أم التونسي، وميناء نواكشوط المستقل، واعتبار أي دواء يدخل من خارج هاتين النقطتين مهربًا، ودعم مركزية شراء الأدوية والمستلزمات الطبية في مجال المصادر البشرية والتمويل لتتمكن من أداء دورها كاملا”.
وفي حديث مع جريدة إلكترونية، قال الشيخ سعد بوه محمدو كابو، رئيس منظمة “أمل” للعاملين في قطاع الأدوية بموريتانيا، إن “موريتانيا، كما العديد من الدول الإفريقية، لا تُصنّع الأدوية وإنما تستوردها في الغالب، وجودة الأدوية التي تُسوَّق على مستوى الصيدليات المنتشرة في عموم الولايات الموريتانية هي من الأفضل على المستوى القاري”.
وأضاف الشيخ سعد بوه محمدو كابو أن “استعانة بعض المرضى بأحد أفراد عائلاتهم أو أقاربهم للحصول على هذا الدواء أو ذاك من إحدى دول الجوار، رغم وجوده في موريتانيا، تبقى حوادث معزولة جدًا، وناتجة أساسًا عن غياب الوعي لدى بعض المواطنين الذين لا يتقيدون بالنصائح والوصفات التي يعطيهم إياها الطبيب المعالج أو المتابع لحالتهم”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “بعض المواطنين يأتون إلى الصيدليات للحصول على دواء ما فيحصلون عليه بالفعل بعد الإدلاء بوصفة ممنوحة من طبيب معتمد، غير أن المشكلة الأساسية لا تكمن في جودة الدواء، بل في سلوك الاستخدام لدى بعض المرضى؛ إذ لا يلتزم كثيرون بتعليمات الأطباء أو بمدة العلاج المقررة، فيتوقفون عن تناول الدواء بمجرد تحسن الأعراض، أو يلجؤون إلى تعديل الجرعات من تلقاء أنفسهم، وهو ما قد يؤدي إلى عودة المرض أو تطوره، ثم يدّعون بعدها أن الدواء ليس ذا جودة، فيقومون بتغييره أو حتى تغيير الطبيب”.
وأشار رئيس منظمة “أمل” للعاملين في قطاع الأدوية بموريتانيا إلى أن “السلطات الوصية على قطاع الصحة في البلاد، إلى جانب المؤسسات المعنية بقطاع الأدوية، تبذل جهودًا كبيرة لضمان توفر الأدوية لمختلف فئات المرضى في موريتانيا، وذلك عبر تعزيز المخزون الوطني وتطوير آليات التوزيع، كما أن السلطات تقود جهودًا جبارة لمحاربة مختلف الظواهر التي تسيء إلى سمعة هذا القطاع”.
وشدد المتحدث على “ضرورة تكاثف جهود مختلف المتدخلين في القطاع الصحي والصيدلاني بموريتانيا، من مؤسسات رسمية ومنظمات مهنية وجمعيات المجتمع المدني، من أجل توعية المجتمع الموريتاني بأهمية الحفاظ على الصحة والتقيد بالوصفات الطبية كما يتم الحصول عليها من طرف الأطباء المعتمدين”.
من جهته، أكد أحمد ولد الناهي، الأمين العام لـ”منتدى المستهلك الموريتاني”، أن “ظاهرة الاستعانة بالمعارف أو الأقارب في دول الجوار، سواء المغرب أو الجزائر أو تونس أو السنغال، للحصول على أدوية معينة عند صعوبة إيجادها مؤقتًا في السوق المحلية أو بسبب نقصها المؤقت أو تأخر توريدها لأسباب لوجستية، لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون بديلاً حقيقيًا للسوق الوطنية التي لها احتياجات كبيرة”.
وقال ولد الناهي، في تصريح صحفي ، إن “هذه الطريقة في الحصول على الأدوية، وإن كانت قد تلبي حاجيات عاجلة لفترة معينة، لا يمكن أن توفر كميات كبيرة بالنظر إلى ضعف الإمكانيات اللوجستية على هذا المستوى”، مؤكّدا أن “السلطات الموريتانية باشرت حملة واسعة النطاق من أجل ضمان سلامة وجودة الدواء الذي يُسوَّق في الأسواق المحلية، ومراقبة عمليات الاستيراد والتوزيع”.
وأضاف أن “منتدى المستهلك الموريتاني يملك رؤية حول هذا الموضوع، من خلال تعزيز إنشاء مصانع محلية تخضع لرقابة صارمة ومعايير تصنيع دوائي دقيقة، وتأمين السلاسل من المصدر لضمان الجودة للمستهلك النهائي للأدوية، إلى جانب تشديد المراقبة على مستوى نقاط العبور، دون أن ننسى موضوع التخزين الذي يجب أن يُعهد إلى مؤسسات وشركات في إطار التزامات محددة ودفاتر تحملات تضمن السلامة الصحية للأدوية، مع تشديد العقوبات على كل المخالفين للمقتضيات الجاري بها العمل على هذا المستوى”.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
صراع في سوق الأدوية بسبب قرار تسعير الدواء الاجباري
نقص الأدوية في الصيدليات المغربية يجر آيت الطالب للمساءلة البرلمانية
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر