الرباط - المغرب اليوم
في سياق الجدل الدائر حول تعديل المادتين الثالثة والسابعة من قانون المسطرة الجنائية، اللتين تحددان نطاق تحريك الدعوى العمومية في الجرائم المتعلقة بالمال العام، وتمنحان للجمعيات ذات المنفعة العامة حق التنصيب كطرف مدني في الدعاوى العمومية، أكد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أن لديه “قناعة راسخة بأن الدولة هي التي تقوم بمراقبة تصرفات المواطنين عندما يمسون بالقانون، وهذا مجال محتكر لها”.
وتابع وهبي أنه “لا يمكن لأي شخص كان أن يأخذ ورقتين من تقرير ما ويعتمد عليهما من أجل تحريك دعوى ضد شخص آخر”، مضيفا: “لقد وقعت انحرافات وانزلاقات في هذا الموضوع، وحُرّكت متابعات في حق مسؤولين ورؤساء جماعات قبل صدور أحكام تقضي ببراءتهم. وبالتالي، فهذا الموضوع يطرح إشكالات كبيرة، ولهذا كنت صارما فيما يخص تقييد حق الجمعيات على هذا المستوى”.
وأكد أن “المغرب ليست الدولة الوحيدة التي شرعت في هذا الاتجاه، فكثير من الدول أصدرت تشريعات في هذا الصدد، بما في ذلك فرنسا، حيث إن الجمعيات يجب أن تأخذ موافقة وزير العدل لتحريك الدعاوى القضائية، لكن على ما يبدو أننا أكثر ديمقراطية من فرنسا… وبالتالي، فنحن نريد أن نضبط هذا المجال وأن نترك المؤسسات الدستورية، أي المجلس الأعلى للحسابات والمؤسسات الإدارية التي لها الصفة، لتقوم بعملها، لأنه لو كان الأمر نزيها ما كان ليُطرح النقاش بهذا الشكل، لكن الانزلاقات التي عرفها هذا الموضوع شوشت على عمل المؤسسات الدستورية”.
وزاد: “سأعطيك مثالا، صدر تقرير عن المجلس الأعلى للحسابات يقر بوجود أخطاء تدبيرية ارتكبها مسؤول جماعي، بمعنى أن هناك أخطاء تدبيرية وليست جنائية، وتم البت في الموضوع من طرف الجهة المختصة، ليقوم بعد ذلك شخص ما بتقديم شكاية إلى نائب الوكيل العام للملك الذي حرك المتابعة في حق هذا المسؤول، الذي بقي ملفه داخل المحاكم لمدة ثلاث سنوات قبل أن تتم تبرئته”، مشيرا إلى أن “ملف بيع الشهادات الجامعية بجامعة ابن زهر لم يُثر من طرف الجمعيات، بل من أحد أطراف الدعوى، لكن بعض الجمعيات حاولت الركوب على خروج القضية إلى الرأي العام. وبالتالي، كفى نصبا على المواطنين”.
في سياق ذي صلة، انتقد وزير العدل في حكومة عزيز أخنوش حديث بعض المحسوبين على الجسم القضائي وتعليقهم على موضوع تقييد حق الجمعيات في اللجوء إلى القضاء في جرائم المال العام، قائلا: “من الغريب أن البعض يريد أن يشرّع ويحكم في الوقت ذاته. وبالتالي، هنا إشكال على مستوى مفهوم استقلالية القضاء في هذه الحالة، فإما أن تشرّع وإما أن تحكم”، مضيفا: “أنا لا أتدخل ولا أعلّق على حكم قضائي، وعليهم هم الآخرون ألا يتدخلوا في التشريع وفي صميم عملي اليومي”.
واعتبر المتحدث أن “هذا الأمر يدفعنا إلى التساؤل حول كيف يمكن وضع حدود للقضاء حتى لا يحوّل الجمعيات إلى وسيلة سياسية في هذا البلد، وهذا يهدد منظومة القضاء، وقد نرى اللمسات الأولى لـ ‘حكومة القضاة'”.
وتابع: “هناك إشكالا بيني وبين السادة القضاة حينما تحدثت في البرلمان وقلت إنه لا يجب للمتقاعدين أن يلجوا مهنة المحاماة، فخرج أحد الصحافيين وكتب أن القضاة ممنوعون من الدخول إلى مهنة المحاماة، وأنا لم أقل هذا الكلام أبدا”، مضيفا أن “بعض المسؤولين في الجمعيات المهنية القضائية لم ينتظروا أو لم يبحثوا عن الحقيقة كاملة، وهذا مخالف لضوابط مهنة القضاء الذي يجب أن يستمع إلى جميع الأطراف”.
وزاد أن “بعضهم كتب ردود أفعال عن موضوع أنا لم أُثره أصلا ولم أتكلم عنه أصلا، وكل ما قلته كان داخل لجنة العدل والتشريع، وليس أمام العموم، وكنت أتكلم عن الموظفين وليس القضاة الذين يخضعون لنظام خاص، ولكنهم تسرعوا”، مشيرا إلى أن “القضاة يجب أن ينتظروا أو يتحروا الحقيقة قبل أن يكتبوا مقالات لأسباب انتخابوية مهنية”.
وتفاعلا مع سؤال حول اشتكاء الجمعيات المهنية للقضاة من “التضييق”، أكد وهبي أن “القضاة ليس لهم حق تأسيس نقابات، ولا يمكن أن يحوّلوا الجمعيات إلى نقابات أو أن يتصرفوا كقوى سياسية أو تشريعية في هذا البلد، فهذا ليس دورهم، وإذا أرادوا أن يعطوا هذا الحق لأنفسهم عليهم إعادة النظر في الدستور، لأن القاضي ملزم بواجب التحفظ، أما فيما يخص القوانين المرتبطة بوضعيتهم فأناقشها مع السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ومع السيد رئيس النيابة العامة”.
وزاد معلقا: “بالله عليكم، إذا كان هناك حكم قضائي في محكمة معينة وأتى شخص وأدلى برأيه في هذا الحكم أو علق عليه، سيُعتبر ذلك جريمة يُعاقب عليها ويعتبره القضاة مساسا باستقلاليتهم، لكن في المقابل هم يتدخلون في التشريع، وبالتالي لكي تحافظ على استقلاليتك يجب أن تحترم استقلالية الآخرين، وهذا هو المطلوب”، مبرزا أنه لن يطرح أي مشاريع قوانين في هذا الصدد، و”سأترك الأمر لنضج السادة القضاة، وأنا أثق فيهم وأثق في السيد الرئيس المنتدب ورئيس النيابة العامة، فهم يعرفون حدود مسؤولياتهم وسيقومون بالواجب”، على حد تعبيره.
وحول مغادرة محمد البشير الراشيدي، الرئيس السابق للهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة، منصبه بسبب ما وُصف حينها بالخلاف مع الحكومة على خلفية تقارير الهيئة، نفى وهبي وجود أي خلاف بين الرجل والحكومة، مشيرا إلى أن “المعني بالأمر لم يضع الأصبع في تقاريره على مكامن الفساد وطبيعته والمفسدين، بل أصدر أرقاما بناء على معادلات رياضية، وذلك شأنه، أما أنا كرجل قانون فأتحدث عن الوقائع، وليس عن الاحتمالات”.
وشدد المتحدث على أن “محاربة الفساد في المغرب ليست قضية حكومة، بل قضية دولة، فالمجلس الأعلى للحسابات ومعه النيابة العامة هما جزء من الدولة، وليس الحكومة، وهما مستقلان ولا يرحمان أحدا”، مشيرا إلى أن “هناك فهما مغلوطا لمحاربة الفساد في المغرب، فلن نحارب الفساد باقتياد الناس إلى السجن، بل بمعرفة المساطر التي تُستعمل في الفساد ومكامن الخلل لكي يتم تصحيحها، أما أن أسقط شخصا من منصبه أو أودعه السجن وآتي بشخص آخر دون تصحيح مكامن الخلل، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة إنتاج الفساد”، مؤكدا أن “ثقافة الفساد أصبحت تهيمن على طبيعة تفكيرنا، وهذا أمر خطير للغاية”.
في سياق آخر، وحول موضوع منع المحامين من تحرير العقود العقارية، ذكر وهبي أن “هذا الأمر تم باتفاق مع المحامين أنفسهم، لأن تحرير هذه العقود من طرف المحامين يثير إشكالات ويعرف انحرافات وانزلاقات”، مضيفا: “ليس لدي صراع مع المحامين، بل هناك نقاش، فهم لديهم مصالح ومسؤوليات، وأنا لدي مسؤولية حكومية، ونناقش القضايا المشتركة من أجل المصلحة المشتركة ومن أجل تجويد النصوص القانونية، من ضمنها قانون مهنة المحاماة الذي توصلنا إلى توافق حوله”.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
وزير العدل المغربي يؤكد أن قرار منع المحامين من تحرير عقود العقار جاء باتفاق تام معهم