إسلاميو المغرب في مواجهة الشارع

إسلاميو المغرب في مواجهة الشارع

المغرب اليوم -

إسلاميو المغرب في مواجهة الشارع

ادريس الكنبوري
بقلم - ادريس الكنبوري

حملة المقاطعة كانت في البداية ذات نفس اجتماعي، دفاعا عن القدرة الشرائية للمواطنين واحتجاجا على الغلاء والاحتكار، لكن ردود فعل حزب العدالة والتنمية أظهرته كتنظيم فارغ من أي محتوى اجتماعي ويفتقد إلى أي برنامج لحماية المواطن.
تحولت حملة المقاطعة في المغرب التي تجاوزت الشهر والنصف وطالت بعض المنتجات إلى زلزال سياسي لإسلاميي العدالة والتنمية الذين يقودون الحكومة للمرة الثانية، إذ بات الحزب اليوم أمام اختبار صعب للدفاع عن مصداقيته وإثبات جدارته السياسية في تدبير الأزمات الطارئة، بعد أن وجد نفسه في أزمة أربكته أمام الرأي العام وفضحت محدودية شعاراته التي كان يتباهى بها إلى وقت قريب.

وإذا كانت حملة المقاطعة قد كانت في البداية ذات نفس اجتماعي، دفاعا عن القدرة الشرائية للمواطنين واحتجاجا على الغلاء والاحتكار التجاري، فإن ردود فعل حزب العدالة والتنمية أظهرته كتنظيم فارغ من أي محتوى اجتماعي ويفتقد إلى أي برنامج لحماية المواطن. ولعل هذا أحد الأسباب التي شكلت مفاجأة صادمة للمغاربة، ذلك أن الإسلاميين منذ زمن طويل لم يكن لهم من خطاب سوى الخطاب الاجتماعي الذي ينصبّ على التنديد بالأوضاع الاجتماعية المتردية ويهاجم الحكومات المتوالية بسبب سياساتها في الملفات المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين، لكن اختبار المقاطعة كشف حجم الفجوة المتسعة بين الخطاب والممارسة، بل أظهر الإسلاميين من دون مشروع على الإطلاق.

حملة المقاطعة وضعت إسلاميي حزب العدالة والتنمية لأول مرة في مواجهة الشارع المغربي، إذ أظهروا اصطفافا غير مشروط مع الشركات التي طالتها المقاطعة وحاولوا أن يمسكوا العصا من الوسط، وإن كان ذلك قد حصل بعد أكثر من شهر على بدايتها، حين أصدرت الحكومة بلاغا من توقيع رئيسها سعدالدين العثماني يدافع عن تلك الشركات من دون اتخاذ قرارات ملموسة. وقد لقي ذلك البلاغ استهجانا واسعا في أوساط المواطنين الذين سارعوا إلى إدانة حزب العدالة والتنمية واتهامه بمحاولته كسر طوق المقاطعة والتواطؤ ضد مصلحة المستهلك، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عريضة تطالب بإقالة الحكومة بسبب فشلها في التعامل مع الأزمة.

الضربة القاضية التي تلقاها الحزب تمثلت في خروج وزير في الحكومة، هو لحسن الداودي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحوكمة، للتظاهر مع عمال إحدى الشركات المتضررة أمام مقر البرلمان. وشوهد الداودي في شريط فيديو يهمس في أذن أحد المتظاهرين بشعارات لترديدها في الوقفة الاحتجاجية، الأمر الذي أثار موجة من السخرية والاستياء وسط المواطنين الذين استنكروا تظاهر وزير في الحكومة مع شركة من الشركات التي مستها المقاطعة، بينما يفترض أن يكون دوره حماية المواطن من جشع المستثمرين.

وأمام موجة السخط التي أثارتها مشاركة الداودي في الاحتجاج اضطر الحزب إلى مطالبته بإعفاء نفسه من المسؤولية داخل الحكومة، وهو ما قام به الداودي ساعات قليلة بعد التظاهرة الاحتجاجية، حيث قدم طلبا بإعفائه إلى رئيس الحكومة الذي سارع إلى رفعها إلى أنظار الملك، وفقا لما ينص عليه الدستور المغربي.

حالة الاحتقان الاجتماعي ضد حزب العدالة والتنمية دفعت حزب الأصالة والمعاصرة، أكبر أحزاب المعارضة داخل البرلمان، إلى طرح مشروع التماس رقابة ضد الحكومة بهدف إسقاطها، في سابقة لم تحصل منذ العام 1992، لكنها لم تنجح في ذلك الوقت بسبب صعوبة الحصول على تأييد غالبية أعضاء البرلمان كما يشترط ذلك الدستور السابق. ويتوفر حزب الأصالة والمعاصرة على القوة العددية الكافية لتقديم الالتماس أمام مكتب المجلس، إذ يتوفر على 102 مقعدا بينما ينص الدستور على توقيع خُمس الأعضاء على المشروع، أي 78 عضوا، ليصبح حائزا على القوة القانونية، لكن التصويت على الالتماس يتطلب حصوله على تأييد غالبية أعضاء البرلمان، وهو شرط مستبعد الحصول عليه للإطاحة بالحكومة، بالنظر إلى أن الدستور الحالي يضيّقُ من فرص اللجوء إلى التماس الرقابة لإسقاط الحكومة ضمانا للحد الأدنى من الاستقرار السياسي، إلا أن الجدل الذي قد يثيره طرح الالتماس أمام البرلمان في الأيام المقبلة قد يؤدي إلى سيناريوهات بديلة لإسقاط الحكومة، من ضمنها احتمال خروج أحد مكوناتها منها، وفقدانها الأغلبية التي تسمح لها بالاستمرار.

تجربة حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب توجد في اختبار صعب نتيجة الزلزال الذي ضربها في الفترات القليلة الماضية. وتلك أكبر المفارقات لدى الإسلاميين، وهي أنهم يبدأون بالمزايدة على التنظيمات السياسية الأخرى بأنهم يصطفون مع الشارع، ثم ينتهون إلى الوقوف في وجه هذا الشارع الذي يدعون بأنهم يستمدون شرعيتهم منه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسلاميو المغرب في مواجهة الشارع إسلاميو المغرب في مواجهة الشارع



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 01:02 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر
المغرب اليوم - زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib