جاران متقاربان

جاران متقاربان

المغرب اليوم -

جاران متقاربان

توفيق بوعشرين


رسالة الملك محمد السادس إلى الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، لإعلان تضامن المغرب ومؤازرته لتونس، ومد يد التعاون الأمني والاقتصادي والسياسي لهذا البلد الذي يعيش محنة، في مواجهة خطر الإرهاب الذي يستهدف التجربة الفتية للتحول الديمقراطي في بلاد الياسمين، رسالة مهمة واستراتيجية وتستحق الوقوف عندها من أجل الإطلالة على أبعادها.

أول شيء يدرسه طلبة العلوم السياسية في أمريكا أن الأنظمة الديمقراطية في العالم لا تحارب بعضها بعضا، قد تختلف في ما بينها، وقد تتصارع دبلوماسيا، وقد تتنافس تجارياً، لكنها لا تشن الحروب على بعضها بعضا. أكثر من هذا، تقول التجارب الديمقراطية لما بعد الحرب العالمية الثانية إن الأنظمة الديمقراطية لا تدخل إلى الحروب، وإذا دخلت لا تُهزم، وإذا هزمت فإنها لا تنكسر. سرعان ما تقفز واقفة على رجليها، لهذا هناك اليوم حبل ممدود بين هذه الأنظمة مهما بعدت بينها الجغرافيا والتاريخ والمصالح، لأن القيمة الكبرى في عالم اليوم هي الديمقراطية ودولة المواطنة والحق والقانون والمؤسسات، ولأن الديمقراطية تقود إلى السلم، والديكتاتورية تؤدي إلى الحرب عاجلا أم آجلا.

المغرب وتونس لم يصلا بعد إلى أن يكونا دولتين ديمقراطيتين، لكنهما يخوضان تجربة التحول إلى الديمقراطية، وهما معا الدولتان الوحيدتان في العالم العربي اللتان تعيشان حراكا سياسيا فيه صعود ونزول، فيه مشاكل وحلول، فيه أخذ ورد، لكن المسار السياسي مازال يشتغل ويمتص الأزمات، ويبني التوافقات، ويقنع الأطراف جميعها بأن هناك أملا في التغيير، وأن معادلة الإصلاح من الداخل مازالت تقاوم، لهذا، النموذجان معا مستهدفان من قبل أطراف عدة في الداخل والخارج، لا يسرها أن تدخل المجتمعات العربية والمغاربية إلى نادي الديمقراطيات، ولا يخدم مصالحها أن ينجح نموذج في تونس أو المغرب أو أي بلد آخر.

الضربة المؤلمة التي تلقتها السياحة في تونس في رمضان، عندما ضرب الإرهاب شاطئ سوسة وقتل 37 سائحا جلهم بريطانيون، تدل على أن المستهدف هو استقرار تونس وأمنه وتماسك وحدته وسلامة اقتصاده. تنظيم داعش، الذي يسعى إلى إقامة إمارات هنا وهناك تابعة للدولة التي أعلنها في العراق وسوريا، يسعى أولا إلى ضرب الاستقرار الأمني في البلد المستهدف، وإلى إحداث أزمة اقتصادية تؤثر على قبضة الدولة على مجموع ترابها، ومن ثم يتحرك بالمال والسلاح والخلايا النائمة والمقاتلين العابرين للحدود لاقتطاع جزء من التراب في البلد المستهدف، وإقامة إمارة فوقه، كما فعل في سيناء وفي ليبيا وفي اليمن، وقبل ذلك في العراق وسوريا حيث مركز خلافته المزعومة، لهذا، فإن مؤازرة تونس ودعمها أمنيا وسياسيا واقتصاديا هو تصدٍّ استباقي للإرهاب ولمخططاته من جهة، ودعم لتجربة التحول الديمقراطي في تونس من جهة أخرى.

التجربة التونسية مستهدفة من قبل الجار الجزائري الذي تلعب مخابراته في تونس ألاعيب خطيرة، وكلها تنتهي عند إضعاف النظام الجديد، وإرباك عملية التحول الديمقراطي فيه، مستغلة ظروف ما بعد الثورة على نظام بنعلي، وتراخي القبضة الأمنية، ووجود انقسام حول مشاركة الإسلاميين المعتدلين في السلطة. لقد تحدثت مع أكثر من مسؤول تونسي، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وكلهم يشتكون الدور السلبي للجزائر التي بقيت معزولة عن موجة الربيع الديمقراطي التي ضربت المنطقة، وكانت تخشى على نظامها من العدوى أو من نجاح أي تحول ديمقراطي في أعقاب هذا الحراك الجديد. أيضا لعبت دول خليجية أخرى، في مقدمتها السعودية والإمارات، أدوارا سلبية جدا من أجل الحيلولة دون نجاح التجربة الديمقراطية في تونس، ولولا وعي النخبة السياسية التونسية، واتساع الطبقة المتوسطة، وصغر البلد وبعده عن محاور الصراع العربي، لكانت تونس قد احترقت مع أول رصاصة تخترق رأس المناضل اليساري شكري بلعيد، الذي اغتيل في ظرف حساس، وكان الغرض هو رمي عود ثقاب فوق أرض قابلة للاشتعال.

إن دعم تونس اليوم من قبل المغرب قرار حكيم، وهو يعني أن المغرب يبتعد عن نموذج التحالفات السلطوية مع دول المشرق، ويقترب من الأنظمة التي تشبهه، وتضع أمام أعينها هدف تحديث نظام الحكم، وزرع قيم المواطنة، وتحقيق التنمية، وتوسيع المشاركة، والاحتكام إلى صندوق الاقتراع… السياسة الخارجية كانت دائما انعكاسا للاختيارات الداخلية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جاران متقاربان جاران متقاربان



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:39 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:31 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً
المغرب اليوم - اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib