عالم تائه وخرائط مبعثرة

عالم تائه وخرائط مبعثرة

المغرب اليوم -

عالم تائه وخرائط مبعثرة

توفيق بو عشرين

نحن في الأيام الأخيرة من عام 2015 نودع 12 شهرا كانت مطبوعة بأسوأ ما عرفته البشرية من مآسٍ وكوارث وخراب… إرهاب كان إقليميا فصار عالميا يهدد البشرية جمعاء، ويلصق التهمة بالإسلام. احتباس حراري يهدد بخنق الحياة فوق الأرض. حرب تلد أخرى، وفوضى تتبع فوضى. قتل على الهوية والمذهب والدين، وكلما ارتفع عدد الضحايا ارتفعت معه عائدات شركات السلاح وأرباح مرتزقة الحرب. ربيع عربي كان محملا بآمال وردية تحول إلى خريف دموي ينشر الرعب، ويجعل من الأمن والاستقرار أولوية على المطلب الديمقراطي. حرب في سوريا واليمن والعراق وليبيا.. لا تريد أن تنتهي، بل هي مرشحة لأن تدخل دولا كبرى إلى دائرتها، مثل روسيا وإيران وتركيا. يمين متطرف عنصري ينبعث في فرنسا ومجموع أوربا، ويصب الزيت فوق نار داعش التي تتحرق لعزل المسلمين في الغرب، وتحويلهم جميعا إلى مشاريع انتحاريين. احتلال في فلسطين يتحول كل يوم إلى ميز عنصري لا سابق له، ومقابله شعب أعزل ومقسم، ونزول دراماتيكي للاهتمام العربي بانتفاضته وبرؤية إسرائيل باعتبارها العدو الأول.. صارت هذه الأخيرة حليفا موثوقا به لدى أكثر من بلد عربي. الهوة تكبر بين الأغنياء والفقراء، والجسور تقطع بين الشمال والجنوب، والذي يدفع فاتورة كل هذه الاختلالات هم الضعفاء، وفي مقدمتهم العرب والمسلمون والأفارقة.

كل سنة تختار مجلة «التايم» الأمريكية شخصية السنة، شخصية أو فكرة أو مشروعا أو مبادرة جيدة أو سيئة. هذا العام كاد أمير المجرمين أبوبكر البغدادي ينتزع لقب شخصية السنة لولا المبادرة الإنسانية التي اتخذتها أنجيلا ميركل، رئيسة الحكومة الألمانية، لاستقبال مئات الآلاف من السوريين المشردين في مياه البحر، وهي الالتفاتة النبيلة التي أثرت في الرأي العام العالمي. لولا أن ميركل وقفت في وجه توحش البغدادي لكان اللقب هذا العام من نصيب العراق. هذا التمرين الإعلامي، وهذا التصنيف الرمزي يعطي المرء فكرة عن أنجع الأساليب لمقاومة الإرهاب. ميركل لم تبعث طائراتها لقصف الرقة، ولا أوفدت جيوشها لإحراق الموصل، ولا فتحت خزائنها لتسليح المعارضة، ومع ذلك هزمت البغدادي في تصويت مفتوح على شخصية سنة 2015 بسلاح واحد.. إنه نبل القيم الإنسانية، الإحساس بآلام الآخرين، تجاوز الأنانية الغربية، مقاومة الخوف من المهاجر واللاجئ والوافد على الحدود، الاستعداد للتضحية وللبذل وللعطاء… أعلنت ألمانيا أنها ستستقبل حوالي 800 ألف لاجئ خلال خمس سنوات، وهو أكبر عدد لاجئين يستقبله بلد أوروبي أو غربي. هذا القرار لم يكن سهلا ولا آمنا ولا شعبيا، ومع ذلك اتخذته المستشارة التي تعمل كثيرا وتبتسم قليلا، وتمشي بين الرجال بدون حقيبة نسائية. ميركل عندما اتخذت قرار فتح بلادها للفارين من نيران الحرب والقتل والبراميل المتفجرة كانت تعرف أن اليمين العنصري سيحرض عليها الناخبين، وأن احتمال تسلل داعشيين وسط اللاجئين وارد، وأن إمكانية تهديد الأمن الداخلي غير مستبعدة تماما، ومع ذلك غلب الإحساس بالمسؤولية الإنسانية هواجس الأمن. لا بد من إعادة التفكير عربيا وعالميا في الدور الذي يلعبه الدين في السلم والحرب، في الاستقرار والفوضى، في الديمقراطية والاستبداد. لنتأمل هذا التشخيص من مقطع في محاضرة غسان سلامة، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السربون ووزير الثقافة اللبناني السابق. يقول: «يلعب الدين في المجال العام أدواراً مختلفة. فالدين أولاً عقيدة تؤمن بماورائيات فاعلة، وتعتمل فيها نقاشات دائمة حول التفسيرات والاجتهادات، فتنشأ من اختلاف الاجتهادات مدارس متنافسة تستمر عبر القرون، وغالبا ما تتباعد عوض أن تتقارب. والدين أيضاً مؤسسات تعمل للحفاظ على تلك العقيدة، وبالأساس للحفاظ على نفسها وعلى مصالح القيمين عليها. والدين، ثالثا، لغة تعبوية يلجأ إليها البعض حين تتعطل مفردات السياسة، فتسهل له مهام مضاعفة الأنصار وجمع القدرات المالية. والدين أيضا سوق تنافسية بين الأديان والمذاهب والتيارات من أزقة بغداد حتى هضاب إفريقيا. لقد ظهرت وظائف الدين هذه جميعا وبقوة خلال هذه الفترة من الزمن، وتنوعت مسالك الدول منها بين من حاول توظيف تيار منها لمصلحته، وبين من تبنى تياراً منافساً. في المقابل، حاولت الحركات الإسلامية نفسها أن تحتفظ باستراتيجياتها المستقلة عن الدول التي تدعمها… وباتت “داعش” تشكل النموذج الأكبر والأكثر فظاعة لهذا التداخل بين سبل توظيف الدين في النزاعات، مع مشاريع سياسية بحتة لمجموعات مقاتلة، ومع سياسات دول تبحث عن أدوات للوصول إلى مآربها».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم تائه وخرائط مبعثرة عالم تائه وخرائط مبعثرة



GMT 20:30 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

سوريا… عقدة النظام الإيراني!

GMT 20:28 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

طبيعة الحرب الأوكرانيّة تغيّرت…

GMT 20:25 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

مع تحيات حنظلة

GMT 20:24 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

سيرة المؤشر

GMT 20:13 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

هناك ما يمكن عمله ضد إسرائيل

GMT 20:11 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

هل ضجر العالم من الواحدية الأميركية؟

GMT 20:07 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

‎خمس نقاط مهمة في كلمة السيسي بالدوحة

GMT 20:01 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

عن مؤتمر دولي واجب الانعقاد... ومستحيل

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم
المغرب اليوم - اسرائيل تعتمد خطة من ثلاث مراحل للهجوم على مدينة غزة

GMT 02:16 2025 الخميس ,18 أيلول / سبتمبر

الشيباني في واشنطن لبحث ملفي اسرائيل والعقوبات
المغرب اليوم - الشيباني في واشنطن لبحث ملفي اسرائيل والعقوبات

GMT 22:13 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

"الرجاء" يخصص ملعب نجم الشباب لمنح بطاقات الاشتراك

GMT 09:54 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

طبيعة علاقة الأحفاد بأجدادهم تحدد مواقفهم من كبار السن

GMT 02:04 2016 الأربعاء ,08 حزيران / يونيو

زيت كبد سمك القد و السكري Cod Liver Oil

GMT 12:38 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

العجلاني يحذر المغاربة من الاستخفاف بمنتخب إيران

GMT 08:29 2016 الثلاثاء ,02 آب / أغسطس

العاهل المغربي والانتخابات

GMT 08:42 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

3 سيناريوهات تنقذ أنجيلا ميركل من أزمة إنقاذ المصير

GMT 13:59 2014 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

بر جدة تكرم 70 يتيمًا نظير تفاعلهم مع أنشطة دار الفتيان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib