وسام فوق صدر يستحقه

وسام فوق صدر يستحقه

المغرب اليوم -

وسام فوق صدر يستحقه

توفيق بوعشرين

أعجبتني فكرة توشيح المناضل الوطني الكبير محمد بنسعيد آيت إيدر بوسام ملكي في احتفالات هذه السنة في الذكرى الـ16 لاعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب. لماذا؟ لأن هذا التوشيح أو هذا الوسام تعبير عن ثقافة سياسية جديدة في البلاط الملكي، بمقتضاها تقول الملكية للمغاربة، بكل أطيافهم وتوجهاتهم وإيديولوجياتهم، إنكم جميعا سواسية عندنا، ولا فرق في الوطنية والالتزام والاستحقاق والنضال بين يمين يساند تلقائيا قرارات العرش، ويسار له خطاب نقدي ومشروع مختلف عن ذلك الذي يقترحه القصر على الشعب. بنسعيد آيت إيدر اختلف مع محمد الخامس في بداية الاستقلال، وكان من الذين يعارضون حل جيش التحرير، ومن الذين يعارضون سياسة التفاوض بالقطعة على استقلال المغرب، وكان من أشد خصوم الملك الراحل الحسن الثاني حول تصوره لدور الملكية المهيمنة على كل شيء في المغرب، وبشأن تغييب الديمقراطية كميزان في علاقة الشعب بالحكم، وحتى عندما راجع المجاهد الأمازيغي أسلوبه الراديكالي في المعارضة، وقبل العمل تحت استراتيجية النضال الديمقراطي في بداية الثمانينات، فإنه ظل وفيا لقناعاته السياسية وقيمه الحقوقية ومنهجيته المبدئية، فكان أول من أدخل معتقل تازمامرت الرهيب إلى البرلمان في سؤال شفوي أثار ضجة كبيرة في بلاد كان ملكها ينفي آنذاك وجود شيء اسمه معتقل تازمامرت كان البشر مدفونين فيه وهم أحياءأحي، وبنسعيد ظل يعارض دساتير المملكة كلها من دستور 1962 إلى 2011، ومافتئ يطالب بالملكية البرلمانية هنا والآن، باعتبارها الصيغة الوحيدة الممكنة لزواج وراثة العرش وصندوق الاقتراع، وإلى الآن مازال الرجل، وهو على حافة الغروب أطال الله في عمره، يعبر عن آرائه، ويتضامن مع الصحافيين والحقوقيين والمواطنين ومع كل مظلوم، ولا يتوانى في التعبير الجريء عن آرائه… ومع ذلك لم تمنع هذه المسافة التي اتخذها بنسعيد إزاء التوجهات الرسمية للدولة الملك محمد السادس من تكريمه، ومن الاعتراف له بالأدوار التاريخية والنضالية والأخلاقية التي قام بها، وهذا سلوك سياسي وإنساني نبيل من قبل الجالس على العرش الذي يعتبر ملكا لكل المغاربة بكل ألوانهم وتوجهاتهم، وهذا رد عملي على الذين يريدون أن يحتكروا الانتماء إلى المشروع الملكي، والذين يريدون أن يجعلوا من العرش طرفا سياسيا في الصراع الدائر حول السلطة والثروة والوجاهة. الملك مِلْك مشاع لكل المغاربة، والملك يقود حزبا واحدا اسمه المغرب، وهو يستمع إلى صندوق الاقتراع كل خمس سنوات، ويحمي الحريات، ويقوم حكما بين كل الفرقاء، خاصة في الأزمات الكبرى والتصدعات الإيديولوجية الحادة، وهذا هو الدور الأهم للملكية في بلد مثل المغرب مازالت الانقسامات العرقية والقبلية والسياسية تخترقه، وتمنع نخبه من التوافق حول مساحة مضبوطة لإدارة الصراع السياسي بطرق حضارية ومدنية وديمقراطية.

توشيح بنسعيد آيت إيدر توشيح مزدوج فيه رسالة من الملك إلى الشخص وإلى الحزب الذي ينتمي إليه والنهج الذي يتبعه، وفيه رسالة أيضا إلى القصر من شيخ اليساريين الذي قبل هذا التوشيح ولم يرفضه أو يتبرم منه كما فعل آخرون قبله. هذا معناه أن السي بنسعيد ليس ضد نظام الحكم لكنه ضد سياسات نظام الحكم، وأن قلبه لم يحمل أي أثر لسنوات الرصاص التي اكتوى بنارها وبحكم الإعدام الذي صدر في حقه، ولا لسياسة التهميش الممنهج التي عاناها طويلا… لقد حاول الجناح الرجعي والجامد في مؤسسة الحكم أن يمحو الفرق بين رفض نظام الحكم وبين معارضة بعض سياسات نظام الحكم، وكان هذا التيار ومازال، وقد صارت له أذرع إعلامية ومالية وسياسية ولوبيات نشيطة، يصور كل رأي نقدي للسياسات العمومية على أنه دعوة إلى الخروج عن النظام، ويعتبر كل تنبيه إلى الأخطاء التي تعتري سلوك كل البشر تعبيرا عن نوايا انقلابية دفينة… وهذا خطأ وخطر كبيران على البلاد والعرش والمستقبل… المسلمون الأوائل كانوا يختلفون سياسيا وعسكريا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو رسول رب العالمين إليهم، ولم يكن يتذمر منهم، وكان يقبل منهم، ولما ضاق صدره بهم نزل الوحي من السماء يقول لنبيه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»، وفقهاؤنا كانوا يبعثون بآرائهم الجريئة إلى سلاطين المغرب وفتاواهم المعارضة لقرارات كبيرة يتخذها هؤلاء، وكان من السلاطين من يقبل هذه الآراء، وكان بينهم من يرفضها، فما بالك اليوم ونحن نعيش في القرن الـ21، حيث أصبحت الديمقراطية وحرية التعبير والحق في الاختلاف من ضرورات العيش فوق الأرض مثل الهواء والماء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وسام فوق صدر يستحقه وسام فوق صدر يستحقه



GMT 10:11 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات دمشق

GMT 10:10 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الشرع من موسكو إلى واشنطن

GMT 10:09 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أما آن للمغرب العربي أن يتعافى؟

GMT 10:08 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الجهل قوّة يا سِتّ إليزابيث

GMT 10:07 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية: هل سيشكر ترمب ممداني؟

GMT 10:05 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«حزب الله» في بيانين

GMT 10:04 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس كَمَنْ سمع

GMT 10:02 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

التاريخ والجغرافيا والمحتوى

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib