المصباح ينتصر على هواجسه

المصباح ينتصر على هواجسه

المغرب اليوم -

المصباح ينتصر على هواجسه

بقلم ـ توفيق بو عشرين

لا يحدث هذا إلا في حزب العدالة والتنمية، خمسة وزراء في الحكومة الحالية يحضرون مناقشات لجنة القوانين والمساطر، ويشهرون كل حججهم القانونية والسياسية الداعية إلى عدم تغيير المادة 16، حتى لا يسمح لعبدالإله بنكيران بالترشح للمرة الثالثة، على رأس الأمانة العامة للحزب، ومع ذلك يختار أكثر من ثلثي المصوتين تعديل المادة المثيرة للجدل، ويعطون بنكيران ورقة العبور إلى منافسات الأمانة العامة في المؤتمر الثامن… لماذا تغيير المادة 16؟ ولماذا لم يقنع الوزراء الخمسة إخوانهم بصواب رأيهم رغم موقعهم السياسي والرمزي، رغم ادعاء بعضهم معرفة خبايا الاستغناء عن بنكيران، وكلفة رجوعه إلى الأمانة العامة للمصباح على الحزب والنقابة والحركة؟…

تعديل المادة 16 من القانون الداخلي لحزب المصباح، التي تحصر ولايات الأمين العام في اثنتين، ليس مسألة تنظيمية ولا مسطرية، إنها عنوان سياسي لمرحلة دقيقة من عمر حزب العدالة والتنمية، وبما أن النقاش السياسي حول ظروف وملابسات دخول الحزب إلى الحكومة غائب، وبما أن الحزب لم يستطع أن يبلور أطروحة مقنعة لإبعاد بنكيران من رئاسة الحكومة، والقبول بأغلبية مخدومة لا تعكس نتائج الاقتراع، وتفسير الضعف الذي ينخر حكومة العثماني ومعها ينخر شعبية الحزب، فإن المصباح لجأ في رد فعل غريزي إلى التشبث ببنكيران، الذي أصبح في عيونهم رمزا لمقاومة التحكم. إن الأمر أشبه بغريق لا يعرف السباحة، فيتشبث بأول جدع شجرة يجده أمامه، عله يقوده نحو بر النجاة لإنقاذ شعبيته المتآكلة وقرار حزبه المستهدف… هذا هو تفسير التصويت الكاسح لصالح التجديد لبنكيران، الذي عرفته لجنة القوانين والمساطر، أول أمس الأحد، وانتهت نتيجته بـ 22 مع التجديد لبنكيران، و10 ضد إفساح المجال لزعيم الحزب لدخول مضمار السباق مرة أخرى…

حضر خمسة وزراء في حكومة العثماني إلى اجتماع لجنة المساطر، وهم الرميد، الرباح، بوليف، يتيم، وكاتبة الدولة نزهة الوافي، وكلهم ليسوا أعضاء في اللجنة، بل حضروا خصيصا لإقناع إخوانهم بأطروحة (طي صفحة بنكيران)، وفتح صفحة جديدة، وكلهم تدخلوا في الاتجاه نفسه وكأنهم على قلب رجل واحد (هذا لعلم الذين يقولون إن تيار الوزراء في الحزب هو مجرد خيال صحافي). فماذا كانت حججهم؟

يمكن تقسيم هذه الحجج إلى أربع: الأولى هي أن التجديد لبنكيران يعني أن الحزب سينتقل من حزب مؤسسات إلى حزب أشخاص، وهذا ما سيؤثر على صورته لدى الرأي العام، حيث سيعطي الحزب الانطباع أن ليس فيه من قائد سوى زوج نبيلة. المبرر الثاني يقول إن بنكيران (دايخ) ولا تصور له للمرحلة المقبلة كما أعلن هو نفسه. فكيف يتبع حزب قائدا (تالف) ولا يعرف ماذا يفعل؟ ثالثا هناك من قال إن الظرف الدولي والتوازنات الداخلية لا يساعدان على إعادة انتخاب بنكيران المعروف بحدة طبعه، وميله إلى الاصطدام مع التيار السلطوي في الدولة، هذا في الوقت الذي تعود الحزب على تقديم تنازلات مؤلمة. فلماذا لا يصبر الآن على تنازلات يمكن احتمالها، حتى وإن أضعفت من قوة الحزب. أما أخطر مبرر كان في علبة الوزراء، فذلك الذي أخرجته كاتبة الدولة في حكومة العثماني نزهة الوافي التي قالت: (لا يجب على الإخوان أن يخطئوا قراءة الإشارات، فعندما بعث الملك برسالة إلى الحزب عن طريق سعد الدين العثماني يعرب له من خلالها عن رغبته في الاشتغال مع العدالة والتنمية، كان ذلك بعد إعفاء الأخ بنكيران، ما يعني أن إرجاع الأخير إلى رئاسة الحزب يشكل خروجا عن منهج التدرج والابتعاد عن المواجهة واللعب بروفايل bas).. فما كان من رفيقتها في الحزب أمينة ماء العينين إلا أن ردت عليها بالقول: (ومن أخبرك يا أختي بأن الملك لا يريد بنكيران في رئاسة الحزب. إذا كان أحد هنا ينطق باسم الملك، فعليه أن يخرج رسالة من جيبه ويقرأ لنا ما سمعه من فم الملك كما فعل العثماني).

هذه هي المبررات التي حملها الوزراء الخمسة إلى إخوانهم 32 الذين جاؤوا ليتداولوا ويصوتوا على تعديل المادة 16 من القانون الداخلي، والمادة 37 التي تمنع الوزراء من الحصول على مقعد في الأمانة العامة بالصفة، فكانت النتيجة أن التعديلين معا مرا بأغلبية أكثر من الثلثين…

الحقيقة أن الذين صوتوا لتعديل المادة 16 وفتحوا الطريق القانوني لعودة بنكيران إلى قيادة المصباح، تحكمت فيهم ثلاثة اعتبارات فيما أظن. الاعتبار الأول هو أن فئات واسعة من المجتمع لم تقبل الطريقة التي أزيح بها بنكيران من رئاسة الحكومة، لأن هذا الأخير تحول إلى زعيم بكاريزما كبيرة. فرغم أن بنكيران نفسه استسلم في الأيام الأولى تحت صدمة القرار القاضي بإبعاده ومعه الأمانة العامة، فإن الناس ظلوا يحملون مشاعر إيجابية تجاهه، وهذا ما ظهر في نسبة التصويت الكبيرة في حزبه لصالح استمراره في قيادة المصباح. ثانيا عموم الرأي العام لم يقبل التنازلات التي قدمتها قيادة الحزب من أجل تشكيل حكومة هجينة ومبرقعة لا تقدم ولا تؤخر، حصل هذا بعد أن رفع المصباح انتظارات الناس وفتح شهيتهم للتصويت السياسي. ثالث تفسير للتشبث ببنكيران وسط الحزب وخارجه هو أداء حكومة العثماني منذ ستة أشهر والأخطاء التي ارتكبتها في موضوع الريف، فلم تترك لأحد أن يفكر في العثماني كبديل لبنكيران… لهذا فالتصويت لبنكيران هو شكل من أشكال سحب الثقة من حكومة العثماني..

أكثر ردود الفعل الغاضبة من نتيجة التصويت خرجت من وسط حركة التوحيد والإصلاح، التي صب ثلاثة من أعضائها جام غضبهم على الصحافة التي واكبت الاجتماع، واعتبر امحمد الهيلالي، الذي يتصرف وكأنه ممثل لحزب النور في المغرب لا تهمه غير (جماعته) ولا يهمه لا تحول ديمقراطي، ولا أصوات الشعب، (اعتبر) أن كاتب هذه السطور أرهب أعضاء الحزب حتى وصلوا إلى التصويت على تعديل المادة 16، وهذا من عجائب حركة تقول إنها جاءت لترشيد التدين وبعث الدين، فإذا بها ترعى أعمال البلطجة في الفايسبوك وتتحدث في كل شيء، سوى في ما جاءت من أجله… إنها لا تعمى الأبصار…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصباح ينتصر على هواجسه المصباح ينتصر على هواجسه



GMT 13:18 2021 الخميس ,16 أيلول / سبتمبر

حكومة «الوقف الأعمى» في المغرب!

GMT 10:13 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هل تحظى تركيا بـ "الأفضلية" لدى الرأي العام العربي، ولماذا؟

GMT 10:22 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

تركيا: مجرد استقالة وزير أم صراع خلافة؟

GMT 09:34 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

أردوغان لا يستوعب سقوط إسطنبول!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 19:22 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران
المغرب اليوم - بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران

GMT 23:50 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية
المغرب اليوم - إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية

GMT 23:02 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج
المغرب اليوم - واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج

GMT 10:37 2012 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سوتشي مدينة التزلج الأولى في روسيا تستضيف أوليمبياد 2014

GMT 14:25 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

انهيار برج ضخم في مصافي حيفا

GMT 10:35 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف أن الهواتف الذكية تجعل المراهقين غير ناضجين

GMT 06:57 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

السودان تحذر من فيضانات على ضفتي النيل الأزرق والدندر

GMT 05:52 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

الخبيرة منى أحمد تُبيِّن مدى قبول كلّ برج للاعتذار

GMT 05:30 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

CGI wizardry تعيد الحضارات القديمة وتجسدها للزوار

GMT 08:13 2016 الجمعة ,22 إبريل / نيسان

بيبيتو يكشف دور ميسي وسواريز في تألق نيمار

GMT 18:04 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وزير الرياضة يناقش خطة اتحاد الجودو في 2018

GMT 21:02 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي يحرم الوداد من منحته السنوية

GMT 07:23 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"روائح مبعثرة" المجموعة القصصية الأولى للعسيري

GMT 05:34 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"سيات ليون كوبرا" ضمن أفضل 5 سيارات في "اليورو"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib