الريف المجروح والحل الغائب

الريف المجروح والحل الغائب

المغرب اليوم -

الريف المجروح والحل الغائب

بقلم - توفيق بو عشرين

عمر الاحتجاجات التي اندلعت في الريف يطابق عمر البلوكاج الحكومي الذي شل البلد. في 28 أكتوبر قتل بائع السمك في شاحنة أزبال، ومنذ ذلك اليوم والاحتجاجات مستمرة بأشكال مختلفة ومتصاعدة، ومنذ 10 أكتوبر والبلاد في حالة شلل إلى يومنا هذا بفعل نازلة البلوكاج التي منعت ميلاد الحكومة، وضيعت على البلاد الآلاف من مناصب الشغل، ومليارات الدراهم من الاستثمارات، وعطلت مشاريع كثيرة.

منذ خمسة أشهر وكرة الثلج تكبر في الريف، وأول أمس أسقطت عامل الإقليم، محمد الزهر، الذي أدخل إلى كراج الداخلية، وقبله أصابت نيران الاحتجاجات 110 من رجال الأمن في مواجهات ساخنة انتهت باعتقال 14 متهما، ليس بينهم تلميذ واحد في تظاهرة انطلقت وسط تلاميذ إمزورن، وانتهت بإشعال النار في بيت للشرطة وتهديد حياة الأبرياء، وقبلها عرفت الحسيمة أشكالا مختلفة من الاحتجاجات التي بدأت بالمطالبة بتحقيق قضائي نزيه في ظروف مقتل بائع السمك، ثم تحولت إلى حراك اجتماعي كامل الأوصاف، بدفتر مطالب اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية… في هذا الحراك شاركت النساء في الثامن من مارس، وشارك الشبان في مسيرة الشموع، وشارك الرجال في أربعينية فكري، والآن جاء الدور على التلاميذ، الذين يؤطرهم الطلبة القاعديون، الذين مازالوا ينتعشون في الريف وحده دون باقي جهات المملكة.

لا تنتبهوا إلى كلام حصاد والضريس في الحسيمة، فهما يتصرفان كإطفائيين يحاولان إخماد النيران، وامتصاص التوتر النفسي والاحتقان الاجتماعي، لكن دققوا في قرار وضع المفتش العام لوزارة الداخلية مكان عامل الحسيمة، في سابقة من نوعها، إلى حين تعيين عامل آخر. هذا له معنى واحد، هو أن الحسيمة تغلي، وأن الوضع وصل إلى درجة خطيرة بعد خمسة أشهر من الاحتجاجات والغضب والتظاهرات، وحتى المواجهات، مع رجال الأمن، والتي بدأت تسقط ضحايا عددهم فوق المائة، مما لا يقع حتى في أخطر بؤر التوتر في العالم.

يجب ألا يغطي أحد الشمس بالغربال، وأول خطوة لعلاج الجروح هي تعريتها أمام أشعة الشمس. في الريف رواسب من الماضي لم تمحها الزيارات العديدة التي قام بها محمد السادس للمنطقة، ولم تغطها مخططات التنمية الموضوع جلها على الورق إلى الآن.

لقد أصبح الناشطون في تظاهرات الريف يتهكمون على «ثقافة الكورنيش» التي انتشرت في مدن عدة، دون أن يصحبها شغل ومستشفى وجامعة وسكن، ومحكمة فيها بعض من العدل، وإدارة تحترم جزءا من كرامة المواطن.

الاحتجاجات، التي اندلعت في الحسيمة لمدة تزيد على خمسة أشهر، «باقية وتتمدد»، وإذا لم تعالج جذورها العميقة، فإنها ستتفاقم. بعيدا عن نظرية المؤامرات، وبعيدا عن علامات استفهام جدية حول جهات تغذي الاحتجاجات، وتحاول أن تجرها إلى العنف، هناك حاجة ماسة إلى مخطط تنموي لإحداث مناصب الشغل، ولإقامة المرافق الضرورية للحياة، فلا غرابة أن ينتعش التوتر الاجتماعي مع انخفاض تحويلات المهاجرين الريفيين في أوروبا إلى عائلاتهم، التي لا يتوفر جلها على مصدر دخل غير ما يصل إليه من حوالات شهرية من أوروبا، فالمنطقة لا فلاحة فيها ولا صناعة ولا تجارة، فكيف سيصل صوت الأمل إلى بُطُون جائعة؟

حصاد قدم موعظة في الاجتماع الذي ضم رئيس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، إلياس العماري، وبرلمانيي المنطقة والمنتخبين وبعض وجوه المجتمع المدني، وقال لهم: “حافظوا على كنز المغرب”، أي الأمن والاستقرار، لكن صدى صوته لم يتعدَّ جدران القاعة التي ضمت الاجتماع، ببساطة، لأن الثقة مفقودة بين الإدارة والسكان، والدولة تفتقر إلى وسيط موثوق مع الريفيين يحمل رسائل الرباط إلى الغاضبين. لقد اتضح زيف مشروع المصالحة مع الريفيين الذي استثمرت فيه بعض الوجوه اليسارية لضمان تقاعدها، والتي وصلت على ظهره إلى المناصب والمواقع والامتيازات، ثم لم تعد تجرؤ على وضع قدمها في مدن الريف وقراه البئيسة.

لما وقع الزلزال في الحسيمة في فبراير 2004، انتقلت إلى عين المكان كصحافي لتغطية الحدث الدرامي الذي هز العالم، ولاحظت أن القتلى كان عددهم أكثر من الجرحى (وصل عدد القتلى إلى 1000، في حين أن المصابين كان عددهم حوالي 900)، عكس ما يقع في كل الزلازل في العالم، حيث عدد المصابين يكون أكبر من عدد القتلى، ولما بحثت عن السر، وجدت أن الإسعاف وصل متأخرا جدا من فاس ومدن أخرى إلى الحسيمة، وأن المتطوعين الإسبان وصلوا إلى موقع الحادث قبل الوقاية المدنية المغربية، التي جاءت من مدن عدة وبتجهيزات بدائية، وأن مدينة الحسيمة، التي كانت تضم أكثر من 80 ألفا من السكان آنذاك، لا تتوفر إلا على سيارتي إسعاف، واحدة منهما خارج الخدمة منذ أشهر عديدة، بفعل عطب أصابها وأصاب نفوسا كثيرة، كان الألم يعتصرها والإحساس بالمهانة يمزقها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الريف المجروح والحل الغائب الريف المجروح والحل الغائب



GMT 03:52 2017 السبت ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مازالت الطريق طويلة

GMT 05:09 2017 السبت ,12 آب / أغسطس

الريف والملك والأحزاب

GMT 04:30 2017 الجمعة ,28 تموز / يوليو

قسم الريف

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 19:22 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران
المغرب اليوم - بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران

GMT 23:50 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية
المغرب اليوم - إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية

GMT 23:02 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج
المغرب اليوم - واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج

GMT 01:02 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دواء جديد يحمي مرضى السكري من تلف الكلى
المغرب اليوم - دواء جديد يحمي مرضى السكري من تلف الكلى

GMT 01:37 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب
المغرب اليوم - فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب

GMT 10:37 2012 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سوتشي مدينة التزلج الأولى في روسيا تستضيف أوليمبياد 2014

GMT 14:25 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

انهيار برج ضخم في مصافي حيفا

GMT 10:35 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف أن الهواتف الذكية تجعل المراهقين غير ناضجين

GMT 06:57 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

السودان تحذر من فيضانات على ضفتي النيل الأزرق والدندر

GMT 05:52 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

الخبيرة منى أحمد تُبيِّن مدى قبول كلّ برج للاعتذار

GMT 05:30 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

CGI wizardry تعيد الحضارات القديمة وتجسدها للزوار

GMT 08:13 2016 الجمعة ,22 إبريل / نيسان

بيبيتو يكشف دور ميسي وسواريز في تألق نيمار

GMT 18:04 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وزير الرياضة يناقش خطة اتحاد الجودو في 2018

GMT 21:02 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي يحرم الوداد من منحته السنوية

GMT 07:23 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"روائح مبعثرة" المجموعة القصصية الأولى للعسيري

GMT 05:34 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"سيات ليون كوبرا" ضمن أفضل 5 سيارات في "اليورو"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib