ثم ماذا بعد مسيرة الغضب

ثم ماذا بعد مسيرة الغضب؟

المغرب اليوم -

ثم ماذا بعد مسيرة الغضب

توفيق بو عشرين

رجع المواطنون البسطاء، الذين خرجوا في مسيرة الغضب بالرباط للاحتجاج على الأمين العام للأمم المتحدة، إلى منازلهم وأعمالهم، وتركوا قضية الصحراء في عهدة الدولة والحكومة ووزارة الخارجية، وكتيبة السفراء المنتشرة في أكثر من 80 دولة في العالم.
كان المناضل اليساري تشي غيفارا يقول: «الثورة مثل دراجة هوائية تسقط إذا توقفت حركتها وسيرها على الطريق»، وكذلك يمكن أن نقول عن الدبلوماسية.. تسقط قضاياها وتنهار مصالحها إذا توقف الدبلوماسي عن الحركة والعمل والاتصال والمواجهة على كل الأصعدة… لا توجد قضية في الجيب، ولا وجود لمعركة محسومة. كل شيء قابل للمد والجزر، للهبوط والصعود، فمجتمع الدول فيه قانون واحد ثابت لا يتبدل.. إنه التغيير، الباقي كله متحرك.
من هم خصومنا في الصحراء؟
العدو الأول هو الجزائر التي تمول انفصاليي البوليساريو وتسلحهم، وتضع وزارة خارجيتها وسفاراتها في خدمتهم. الجزائر هذه مريضة الآن، وجل المراقبين يتوقعون انفجارا وشيكا فيها بعد نزول أسعار النفط إلى ما دون الأربعين دولارا للبرميل، وبعدما قسم الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة، المؤسسة العسكرية، وجعلها مجموعات متصارعة بعضها يكره الرئيس وبعضها يواليه. هذا ليس معناه أن الجزائريين سيرفعون أيديهم عن قضية الصحراء، بالعكس، سيدفعهم اضطراب الوضع الداخلي وانقسامهم حول الرئيس المقعد إلى إبقاء المغرب وقضية الصحراء عدوا مشتركا بين الجميع، موضوعا للتعبئة الداخلية وصرف أنظار الشعب عن المشاكل الداخلية، لهذا من الأفضل للمغرب ألا يهاجم الجزائر علنيا الآن، وأن يواجهها دبلوماسيا وبذكاء حتى لا يتحول إلى عدو خارجي يسوقه الجنرالات لتوحيد صفوفهم، وإلهاء الشعب المسكين بمشاعر وطنية كاذبة ضد «المروكي» الذي يريد أن «يحگر» الجزائري.
العدو الثاني هو جبهة البوليساريو التي لا تريد حلا سياسيا لنزاع الصحراء، ومازالت تتشبث بالاستفتاء الذي يصعب تنظيمه في الصحراء، وحيث إن النزاع ليس نزاعا فقط بين جماعة صحراوية والدولة المغربية، بل إن النزاع هو، في الجزء الأكبر منه، صراع إقليمي بين الجزائر والمغرب، لهذا لن تقبل الرباط ميلاد دولة على حدودها تابعة للجزائر، كما أن هذه الأخيرة لن تقبل انتقال البوليساريو إلى المغرب ليصبحوا جزءا من أجهزة الحكم الذاتي تحت الراية المغربية. نحن أمام صراع مازال الأطراف فيه يتحركون داخل معادلة رابح خاسر، ولهذا، فإن كلفة إدارة النزاع أفضل لهم الآن من كلفة البحث عن حل قد لا يكون في صالح أحد. البوليساريو لا تعيش أفضل أيامها الآن، مع كل المتاعب التي تتسبب فيها للمغرب، فأتباعها يائسون من حل سياسي قريب، واحتمال عودتهم إلى حمل السلاح مستبعد جدا، واتساع رقعة الإرهاب في منطقة جنوب الصحراء والساحل لن يسمح للقوى الكبرى (فرنسا وأمريكا وإسبانيا وإنجلترا وحتى روسيا) بزعزعة استقرار المغرب، الذي يعتبر شريكا قويا في مكافحة آفة العصر، زد على هذا أن آخر دولة انفصلت (دولة جنوب السودان) تعطي اليوم أسوأ مثال عن مشاريع الانفصال الجديدة، فالحرب الأهلية لم تتوقف منذ تأسيس دولة جون غرنغ، حتى إن الأمم المتحدة تقول اليوم إن أسوأ رقعة تنتهك فيها حقوق الإنسان وكرامة البشر هي جنوب السودان، حيث الجنود يكافؤون من قبل قادتهم بافتضاض عذرية الفتيات المقدمات كهدايا للمقاتلين.
العدو الثالث للمغرب في موضوع الصحراء هم «أصدقاؤه الأوروبيون والأمريكيون» الذين يمسكون العصا من الوسط، ولا يريدون لهذا النزاع أن يموت أو ينتهي، وكلما حقق المغرب بعض التقدم على طريق إنهاء هذا الملف، تحاول القوى الكبرى أن تبقيه حيا وعينها على مصالحها مع المغرب ومع الجزائر، لهذا فإن ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أخيرا ما هو إلا صوت الكبار في مجلس الأمن، فبان كي مون ما هو إلا موظف، ولا يستطيع أن يخرج عن إرادة الكبار في مجلس الأمن، الذين يعتبرون ملف الصحراء هدية من السماء تسمح لهم بالضغط على المغرب والجزائر في الوقت نفسه، والاستفادة من الطرفين دون خسارة أي شيء؟ هؤلاء يجب الاشتغال على إقناعهم بأن هذا اللعب على الحبال انتهى زمنه، وأن أوروبا وأمريكا، إذا كانتا تراهنان على شريك قوي ومستقر في إفريقيا والعالم العربي، فعليهما أن تساعدا على حل ملف الصحراء، أو على الأقل أن تمتنعا عن النفخ في رماده كل مرة، من باب حقوق الإنسان تارة، ومن نافذة الثروات الطبيعية تارة أخرى… هذا الأمر يتطلب آلة دبلوماسية قوية وفعالة، ولها رؤية استراتيجية وإمكانات مادية وبشرية، وخلفها حكومة قوية، وسياسة أمنية تحترم حقوق الإنسان وكرامة البشر.. سياسة تتحدث لغة العصر، وتبحث عن وحدة المغرب في قلوب الناس أولا، وفي مصالحهم ثانيا، وفي مستقبل أبنائهم ثالثا، فالمغرب اليوم، بكل مشاكله وأعطابه ونواقصه، يتوفر على مشروع أمل لمستقبل الصحراويين أفضل مما يقدمه محمد عبد العزيز وجنرالات الجزائر إلى أبناء الصحراء، والذي يريد الدليل فما عليه إلا أن يتطلع إلى نموذج الدولة الجزائرية التي بناها الجيش الجزائري ومازال يديرها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثم ماذا بعد مسيرة الغضب ثم ماذا بعد مسيرة الغضب



GMT 20:30 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

سوريا… عقدة النظام الإيراني!

GMT 20:28 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

طبيعة الحرب الأوكرانيّة تغيّرت…

GMT 20:25 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

مع تحيات حنظلة

GMT 20:24 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

سيرة المؤشر

GMT 20:13 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

هناك ما يمكن عمله ضد إسرائيل

GMT 20:11 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

هل ضجر العالم من الواحدية الأميركية؟

GMT 20:07 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

‎خمس نقاط مهمة في كلمة السيسي بالدوحة

GMT 20:01 2025 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

عن مؤتمر دولي واجب الانعقاد... ومستحيل

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم
المغرب اليوم - اسرائيل تعتمد خطة من ثلاث مراحل للهجوم على مدينة غزة

GMT 02:16 2025 الخميس ,18 أيلول / سبتمبر

الشيباني في واشنطن لبحث ملفي اسرائيل والعقوبات
المغرب اليوم - الشيباني في واشنطن لبحث ملفي اسرائيل والعقوبات

GMT 22:13 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

"الرجاء" يخصص ملعب نجم الشباب لمنح بطاقات الاشتراك

GMT 09:54 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

طبيعة علاقة الأحفاد بأجدادهم تحدد مواقفهم من كبار السن

GMT 02:04 2016 الأربعاء ,08 حزيران / يونيو

زيت كبد سمك القد و السكري Cod Liver Oil

GMT 12:38 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

العجلاني يحذر المغاربة من الاستخفاف بمنتخب إيران

GMT 08:29 2016 الثلاثاء ,02 آب / أغسطس

العاهل المغربي والانتخابات

GMT 08:42 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

3 سيناريوهات تنقذ أنجيلا ميركل من أزمة إنقاذ المصير

GMT 13:59 2014 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

بر جدة تكرم 70 يتيمًا نظير تفاعلهم مع أنشطة دار الفتيان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib