حفلة تشرميل بين رفيقين

حفلة "تشرميل" بين رفيقين

المغرب اليوم -

حفلة تشرميل بين رفيقين

توفيق بو عشرين

مؤلم أن يتابع الشباب المغربي حفلة سب وشتم وتقريع بين رفيقين ووزيرين سابقين وقياديين في حزب التقدم والاشتراكية، هما خالد الناصري وسعيد السعدي.
  لم يستطع الرفيقان، وقد أمضيا أكثر من ثلثي حياتهما على كراسي الحزب الشيوعي المغربي، أن يتعلما أسلوب الجدال بالتي هي أحسن، وأن يناقشا الأفكار والآراء بعيدا عن الذوات والأشخاص والذمم والشرف وقاموس الخيانة وقلة التربية...
الواقع أن المغاربة بنخبهم وجماهيرهم -إلا من رحم ربك وقليل ما هم- لا يصبرون على بعضهم في أي جدال أو خلاف أو تباين في وجهات النظر أو في المصالح أو في المواقع، فبمجرد ما يظهر الخلاف بين شخصين أو حزبين أو هيئتين، إلا ويُخرج كل طرف سلاح الدمار الشامل متوهما أنه قادر على تدمير خصمه إلى الأبد، وأن المعركة لا يمكن إلا أن تنتهي بالضربة القاضية وليس بالنقط، أما أدب الحوار وأخلاقيات المناظرة وهدوء الفكر ونزاهة الحجج ومنطق الإقناع ونسبية الحقيقة فكلها أدوات الضعيف. نحن أمة جاهلية قال شاعرها منذ قرون: «ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا».
السيد السعدي قدم استقالته من الحزب، ولم يرَ أنه يختلف مع رفاقه في السياسة لا في المبادئ، في التكتيك لا في الاستراتيجية، وأن هناك طرقا حضارية لحل الخلاف، ومنها الديمقراطية والتصويت ونزول الأقلية عند رأي الأغلبية... لا أبدا، رأى السعدي، الخارج توا من كراسات الأدب اللينيني، أن الحزب الشيوعي تخلى عن يساريته وخان العهد الأحمر وأصبح يمينيا، وأن الرفاق باعوا الحزب لعبد الإله بنكيران وقبضوا الثمن، وزارات ومناصب ومواقع، وكل عام والتقدم والاشتراكية بألف خير. عندما بحثت عن نتيجة التصويت في المؤتمر على الورقة السياسية التي تدافع عن التحالف مع العدالة والتنمية، وجدت أن الأغلبية الساحقة صوتت لها، وأن الأصوات القليلة التي عارضت هذا التحالف لم تقترح بديلا عن هذا الأمر، وهي ترى أن أوضاع المعارضة ليست أفضل من أوضاع الحكومة، ثم تساءلت: هل كل هؤلاء قبضوا ثمن بيع الحزب من بنكيران؟
أحزاب يسارية كثيرة حول العالم تحالفت مع أحزاب يمينية دون أن يعني ذلك أنها غيرت معطفها، والدليل على ذلك تحالف الحزب الاشتراكي الألماني مع الحزب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا أكثر من مرة...
المهم هو برنامج التحالف وليس هوية المتحالفين، ثم إن حزب التقدم الاشتراكية لم يكن في يوم من الأيام حزبا إيديولوجيا صلبا، ولا حتى صاحب مواقف سياسية راديكالية.. إنه حزب وسط اليسار مرن ويقبل بالتوافقات حتى مع النظام الأكثر يمينية، وبرغماتية الحزب لا تخطئها العين. ثم إنه حزب صغير، وهو من ثمة يحتاج دائماً إلى التحالف مع أحزاب أخرى، فهل سيسجن نفسه في قائمة أحزاب اليسار التي تمر بأسوأ فترة في تاريخها اليوم؟ ثم إن التقدم والاشتراكية كان متحالفاً في الكتلة والحكومة مع حزب الاستقلال، وهو أبو اليمين في المغرب، كما تعلمون.
إن العمل الذي يقوم به وزير الصحة في الحكومة اليوم، والسياسة الاجتماعية التي تحركه في قطاع حساس مثل الصحة، هما أكبر تعبير عن القيم اليسارية في حكومة «يمينية»، هذا إذا افترضنا أن هناك يمينا ويسارا في المغرب الذي مازال المخزن يبسط قيمه التقليدية عليه بقوة، محاولا محو الفروقات الإيديولوجية والسياسية بين الأحزاب.
هذا ليس معناه أنني أتفق مع خالد الناصري الذي قال إن السعدي تنقصه التربية، وإن الراحل علي يعتة لو بقي على قيد الحياة للقنه دروسا في السياسة والإيديولوجيا...الأموات لا يرجعون، ولا يلقنون دروسا للأحياء.. هذا منظور دغمائي للإيديولوجيا اليسارية. من حق سعيد السعدي أن يعارض التحالف بين حزبه والمصباح، وأن يوضح السبب والبديل في الوقت نفسه، ثم أن يرضى بحكم الأغلبية في الحزب، فإذا كان اليوم أقلية، فربما يصبح أغلبية غدا إذا اتضح أن تجربة حكومة بنكيران فاشلة.
قصة الأعيان الذين دخلوا إلى الحزب قصة معقدة، وهي لا تقتصر على حزب علي يعتة، بل تضرب كل الأحزاب بلا استثناء، وهي تعبير قوي عن ضعف الأحزاب والسياسة، وعن انتصار شبكة العلاقات الزبونية، وعن تردد الدولة إزاء الاختيار الديمقراطي، ولهذا تحافظ على احتياطي الأعيان ومخزونه قريبا منها لاستعماله عند الضرورة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حفلة تشرميل بين رفيقين حفلة تشرميل بين رفيقين



GMT 12:24 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

«هزيمة» أم «تراجع»؟

GMT 12:23 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة إوهام إيران والإخوان

GMT 12:22 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

رجل لا يتعب من القتل

GMT 12:21 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

عصر الترمبية

GMT 12:18 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

السعودية وهندسة تبريد المنطقة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

قراءة لمسار التفاوض بين واشنطن وطهران

GMT 12:16 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

على رُقعة الشطرنج

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 08:42 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

لبعوض يقض مضاجع ساكنة مدن مغربية

GMT 22:51 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مولدافيا

GMT 15:54 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

الشلقاني تفوز بعضوية المكتب التنفيذي لاتحاد البحر المتوسط

GMT 08:48 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إعصار "مايكل" يسبب خسائر كبيرة في قاعدة "تيندال" الجوية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib