عجلة بنكيران لا تدور على الوجه المطلوب

عجلة بنكيران لا تدور على الوجه المطلوب

المغرب اليوم -

عجلة بنكيران لا تدور على الوجه المطلوب

توفيق بو عشرين

الذين استمعوا، نهاية الأسبوع الماضي، إلى حوار رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، مع إذاعة «شدى إف إم» خرجوا بانطباع أن رئيس الحكومة لا شيء لديه يقوله للمغاربة في هذا التوقيت. أعاد كلاما معروفا، ومواقف سبق له أن كررها، وتحليلات سمعناها عشرات المرات، حتى يخيل للمرء أن بنكيران وحده الذي ينسى أنه قال الكلام نفسه عشرات المرات. وللحقيقة، فإن الصحافي الذي حاور المسؤول الثاني في الدولة هو نفسه لم يوفق في البحث عن أسئلة جديدة تخرج بنكيران من دوامة تكرار الكلام نفسه، وترديد الجمل ذاتها. الصحافي نفسه بقي سجين المواقف السابقة لبنكيران ولم يتطلع إلى المستقبل.
الأمر لا ينحصر في تمرين إعلامي لم يكن ناجحا، الأمر أبعد من هذا.. رئاسة الحكومة في بلادنا، كما جل المؤسسات السياسية، لا تنتج أفكارا جديدة ومشاريع جديدة ومبادرات خلاقة، وتصورات غير تقليدية لإدارة الشأن العام، للبحث عن حلول للمشاكل، لشد انتباه الناس البعيدين عن الاهتمام بالسياسة. نعم، بنكيران آلة تواصلية جبارة، لكن خلف التسويق الممتاز هناك بضاعة «على قد الحال». جل عمل الحكومة الحالية بقي رهين إدارة الملفات الرائجة، وترقيع «جلابة» البلاد المليئة بالثقوب، وهذا مرده أربعة أسباب:
يتمثل السبب الأول في أن الحزب سقط منذ اليوم الأول في نظرية تقول: «كن نظيفا في السياسة واصمت». من كثرة الفساد في المغرب تحولت نظافة اليد إلى عملة وحيدة في يد البيجيدي، الذي وقع في شراك تفكير ضيق يعتبر النظافة والاستقامة هما كل شيء في سيرة الوزير، والحال أن هذا تفكير «تبسيطي جدا»، إذ يمكن للإنسان أن يكون نظيفا ومبدعا، مستقيما وصاحب مشروع ورؤية لإدارة بلاد متخلفة مثل المغرب. بدعوى أن يده نظيفة، أعفى حزب العدالة والتنمية نفسه من الاجتهاد في وضع البلاد على سكة نموذج اقتصادي واجتماعي جديد، واكتفى بإصلاحات جزئية على أهميتها (مثل إصلاح صندوق المقاصة وإصلاح أنظمة التقاعد والاهتمام أكثر بالجوانب الاجتماعية)، لكن بلادا مثل المغرب ميزانيتها السنوية أقل من رقم معاملات شركة أوروبية، أو غلاف دعم إعادة التكوين في فرنسا (32 مليار أورو)، تحتاج إلى أكثر من إصلاحات جزئية.. تحتاج إلى مشروع أكبر يوسع الناتج الداخلي الخام، ويخرج اقتصاد البلاد من الارتهان إلى المطر وتقلبات الطقس وأسعار النفط، وعدد السياح…
ثاني سبب جعل حكومة بنكيران تبقى محصورة في مجال ضيق من حيث المبادرات الكبرى والمشاريع المهيكلة (باستثناء مشروع الطاقة النظيفة في ورزازات وهو مشروع خرج من الديوان الملكي، ومشروع الصناعات الخفيفة للسيارات في طنجة وهو مشروع بدأ مع إدريس جطو، ومشروع المخطط الأخضر وهو مشروع لم يعرض إلى الآن على عين الدرس والتقييم لمعرفة قيمته المضافة ومبررات الملايير التي تصرف عليه)، هو أن جزءا كبيرا من زمن الإصلاح ضاع في الاضطرابات التي عاشها البيت الداخلي للحكومة، حيث تعرضت الآلة التنفيذية لشلل لأشهر بعد انسحاب حزب الاستقلال منها لأسباب مازالت مجهولة، كما أن فريق التقنوقراط الذي دخل إلى الحكومة بقي يشتغل بمعزل عن أي تصور مشترك (انظروا إلى الخلافات التي تفجرت بين بنكيران ووزير التعليم بلمختار)، وهذا ما يطرح بإلحاح الحاجة إلى الخروج من مصيدة الحكومات الائتلافية التي أصبحت من ثوابت البلاد السياسية، في الوقت الذي تعتبر الحكومات الائتلافية استثناء في جل الديمقراطيات حول العالم، فالجميع يقر بأن الحكومات الائتلافية تضيع وقتا وجهدا من زمن الإصلاح، وهي لا تصلح لاتخاذ قرارات كبرى أبدا.
ثالث سبب جعل حكومة بنكيران عاجزة عن وضع مشروع اقتصادي واجتماعي كبير لمغرب الغد هو، من جهة، ضعف الخبرة وقلة الأطر التي يتوفر عليها حزب كان مهمشا ووجد نفسه، في بضعة أشهر، في قلب جهاز الدولة، ومن جهة أخرى، ضعف انفتاح المصباح على الطاقات الكثيرة من خارج الحزب، سواء الطاقات الموجودة في المغرب أو الموجودة في المهجر، حيث يعيش خبراء كبار ومديرو شركات ناجحة ومغاربة يحملون قيمة مضافة لبلدهم (كيف يعقل ألا يدخل الحزب أي تقنوقراطي قريب منه أو يشاطره التوجه الإيديولوجي نفسه إلى الحكومة)، حيث بقيت قيادة الحزب تدور بين أعضاء الأمانة العامة للحزب، والوجوه التقليدية المنحدرة من التعليم ومن الإدارة المغربية دون الانفتاح على أطر أخرى.
أما رابع سبب أعاق تفكير الحكومة في مشاريع كبرى ومبادرات مهيكلة، فهو تشبث بنكيران بفكرة «الملك رئيسي المباشر»، والبلاد تمشي منذ قرون بمؤسسة هي كل شيء في المغرب، ما جعل بنكيران لا يشتغل بالدستور بل بالعرف الذي أرسي منذ عقود، وجعل من الحكومات مجرد أدوات لتنفيذ المخططات الملكية، وحول رئيس الحكومة إلى مجرد مساعد للملك، وليس مؤسسة على رأس الجهاز التنفيذي المنتخب، وهو ما يعكس المقولة التي يرددها بنكيران أكثر من مرة: «جينا نعاونو فقط»، في حين أن بنكيران كان أمامه المجال واسعا لكي يطبع علاقته مع القصر من باب شرعية الإنجاز والقدرة على حل المشاكل، وليس من باب التخلي عن الصلاحيات والاختصاصات الدستورية والاتجاه إلى تأويل رئاسي لنظامنا السياسي ضدا على التأويل البرلماني.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عجلة بنكيران لا تدور على الوجه المطلوب عجلة بنكيران لا تدور على الوجه المطلوب



GMT 12:34 2018 الأحد ,11 شباط / فبراير

الحكومة فين والشعب فين

GMT 23:46 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

طاجين أبريل احترق أو يكاد

GMT 05:51 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

العثماني ولعبة «Rodéo»

GMT 06:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

احذروا ثورة الجياع

GMT 05:55 2017 الخميس ,03 آب / أغسطس

محظيات لا أحزاب

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 19:22 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران
المغرب اليوم - بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران

GMT 19:14 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أذربيجان ترفض إرسال قوات إلى غزة قبل وقف القتال
المغرب اليوم - أذربيجان ترفض إرسال قوات إلى غزة قبل وقف القتال

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 05:24 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 19:51 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

حفل افتتاح بنكهة أفريقية للشان في المغرب

GMT 13:32 2025 الثلاثاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أنشيلوتي يطمح لقيادة البرازيل نحو لقبها العالمي السادس

GMT 14:13 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تقنية ثورية للتحكم في النعاس أثناء القيادة من باناسونيك

GMT 04:57 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

ظهور دولفين مهجن آخر في هاواي

GMT 04:45 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحسين عموتة يهدد اللاعبين الذين تراجع مستواهم

GMT 05:18 2015 الجمعة ,02 كانون الثاني / يناير

محمد جبور يعرب عن فخره بنجاح تصاميمه عالميًا

GMT 14:45 2017 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

تصنيف “جامعة الرباط” في المرتبة 15 إفريقيّا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib