فتح رؤوس المحتجين ليس حلا

فتح رؤوس المحتجين ليس حلا

المغرب اليوم -

فتح رؤوس المحتجين ليس حلا

توفيق بو عشرين

مرة أخرى اختارت الحكومة، وفي قلبها وزارة الداخلية، الحل السهل للمشكل المعقد.. تركت العصا تغوص في رؤوس 10 آلاف أستاذ متدرب، وعوض أن تقنع هؤلاء بالرجوع إلى كراسي الدراسة في الأقسام، بعثتهم إلى قسم المستعجلات في المستشفيات العمومية، ظنا منها أن هذه أفضل طريقة لتكسير رؤوسهم الحامية التي تتشبث بجعل الدخول إلى التكوين بابا للتوظيف، وجعل المنحة أجرة… هذا ليس حلا.. هذا هروب من المشكل، وتحويل ملف اجتماعي وسياسي وتواصلي إلى ملف أمني، وربما جنائي. وظيفة الحكومات أن تحل المشاكل لا أن تعقدها، أن تجد حلولا مع الناس لا ضدهم، وأن تتنازل عندما يكون ذلك ممكنا، وأن تتصلب عندما يكون ذلك مطلوبا، وألا تستعمل سيفها عندما يكفي لسانها أو أموالها.
الدماء التي سالت في الشوارع يوم الخميس الماضي سيسأل عنها بنكيران وصحبه في الدنيا والآخرة، فالمتظاهرون، مهما اختلفنا معهم حول مبررات الاحتجاج، فإن تظاهراتهم كانت سلمية وشعاراتهم اجتماعية، بل إن بعضهم كان يحمل صور الملك محمد السادس وهو يجوب الشوارع بحثا عن أذن تسمعه، وعقل يفهمه، وقلب يحس بيأسه، وكل هذا تعبير من الشباب والشابات عن أن مطالبهم اجتماعية وليست سياسية.
لا يشرف الحكومة المغربية انتشار كل هذه الدماء في اليوتوب، ولا يشرف البلد أن يحاور شبابه بالعصي في الشارع العام، وأن يفتح رؤوسهم بالضرب عِوَض أن يفتح عقولهم على المستقبل. إن «غزوة الداخلية» أول أمس في رؤوس وظهور وأرجل الأساتذة المتدربين صدمت الرأي العام، ودفعت شعب مواقع التواصل الاجتماعي إلى صب جام غضبه على بنكيران وحكومته، وبلمختار وقراراته، وحصاد وأسلوبه، فحتى الذين لا يتفقون مع الأساتذة المعطلين حول جوهر معركتهم التي تريد أن تجعل من التدريب وعدا ملزما بالتوظيف وأن تحول المنحة إلى أجرة، لأن ذلك سيحرم عشرات الآلاف من المعطلين من فرصة الحصول على تدريب يؤهلهم لدخول سوق الشغل في القطاع العام كما الخاص.. حتى الذين كانوا يتحفظون على تصلب قيادات الأساتذة المتدربين، الذين لم يقترحوا حلولا وسطى للخروج من المأزق، وأصروا على أخذ كل شيء أو لا شيء.. حتى هؤلاء صدمهم منظر شلال الدماء الذي لون اليوتوب أمس باللون الأحمر، حتى بدأ الناس يسخرون من هذا الوضع بالقول: هل نقل الحوثيون معركتهم إلى المغرب؟ وهل تحولت شوارع المملكة إلى ساحة حرب؟
في جميع دول العالم التي تحترم شعبها وكرامة مواطنيها، تدخلات الأمن تكون مؤطرة بمبدأ حرية التجمهر والاحتجاج وإسماع الصوت، فهذا حق مكفول دستوريا وقانونيا للمواطنين، كل المواطنين. ثانيا، لا بد من وجود تناسب بين الفعل ورد الفعل، فحتى لو اضطرت قوات الأمن إلى التدخل لأي سبب كان، فإنها يجب أن تراعي هذا المبدأ، فلا يمكن أن تطلق رصاصة على متظاهر أعزل، حتى وإن خرق القانون وعرقل السير العام مثلا، ولا يمكن أن تضرب متظاهرا على الرأس وفي إمكانك أن ترشه بخراطيم المياه لإبعاده عن بعض الأماكن التي يمنع التظاهر فيها. لا يمكن أن تفتح رأس متظاهر أو متظاهرة في الوقت الذي لا يقاوم أو لا تقاوم رجال الأمن وقوات التدخل السريع.
يوم أمس تحدثت «أخبار اليوم» مع مسؤول حكومي رفيع فقال: «لا حق للأساتذة المتدربين في الاحتجاج على مرسوم كانوا يعرفون مضمونه قبل ولوجهم مراكز التكوين، ثم إنهم عندما ينزلون إلى الشارع للاحتجاج وعرقلة السير العام فإن الداخلية ترسل إليهم رجال أمن، ولا تبعث مصطفى العقاد أو أحمد أمين أو شعراء المهجر لحوارهم.. تبعث رجال شرطة قد يرتكبون تجاوزات في ظروف خاصة».
المشكل ليس في تجاوزات الأمن غير المبررة فقط، المشكل أن الحكومة وعوض أن تجد حلا سياسيا واجتماعيا توافقيا مع المتظاهرين، أحالت ملفاتهم على ولاة الأمن والقياد والكوميسيرات والبوليس والسيمي والمخازنية.. هؤلاء يعرفون مهمة واحدة هي تحريك العصا واستعمال العنف المشروع وغير المشروع. كان يجب على الحكومة أن تتعامل مع الشباب الذين يحتجون مثل تعامل الأب مع ابنه الغاضب، يحاوره ويفاوضه، يتنازل له ويمنعه من إيذاء نفسه، وحتى عندما يقرر عقابه فبلطف ورفق وأسلوب بيداغوجي متدرج.
الشبان الذين يتشبثون بجعل التدريب قنطرة إلزامية تفضي إلى التوظيف في القطاع العام لم يأتوا من المدارس الكبرى والمعاهد الراقية والأوساط البرجوازية، ولم يأتوا من ثقافة تعتبر أن المشغل الأول هو القطاع الخاص، وأن تسعة أعشار الرزق توجد في التجارة، بل جاؤوا من كراسي البطالة، ومن طابور خريجي الجامعات المغربية المفلسة، ومن ثقافة أن جنة التوظيف هي الإدارة، وأن الجحيم هو سوق الشغل الحر. هذا ليس مبررا لكي يدلل بنكيران المحتجين، لكنه ظرف تخفيف يسهل فهمهم، ويسهل البحث معهم عن حلول وسطى خارج أقسام المستعجلات بالمستشفيات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فتح رؤوس المحتجين ليس حلا فتح رؤوس المحتجين ليس حلا



GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 21:04 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 21:03 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«تامر يَجُرّ شَكَل عمرو!»

GMT 21:01 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

رياح يوليو 1952

GMT 20:59 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

لا يجوز في الساحل ولا يليق

GMT 20:58 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

الوزير الخائن دمر الفسطاط (1)

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حرب المساعدات

GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib