نقطة نظام

نقطة نظام

المغرب اليوم -

نقطة نظام

توفيق بو عشرين

كان الجنرال دوغول لاجئا في بريطانيا يقود المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي من لندن، لكنه كان يشتكي أصدقاءه قبل أعدائه، كان يمقت عجرفة تشرتشل، وتعالي روزفلت، وتهميش الحلفاء لصوت فرنسا في الحرب العالمية الثانية، فقال حكمته الشهيرة: «دوغول لا يعض أصدقاءه، لكنه حريص على أن يعرف أصدقاؤه أن له أسنانا حادة». هذا بالضبط ما تريد الحكومة المغربية أن تقوله لأصدقائها الأوروبيين الذين تجاهلوا آراءها، ومقاربتها للطعن المقدم أمام المحكمة الأوروبية.

المغرب غضب بشدة لأن أصدقاءه الأوروبيين تصرفوا معه في موضوع حساس بطريقة برغماتية وانتهازية ومتعالية.. قدموا طعنا على «مزاجهم» للمحكمة الأوروبية بغية نقض الحكم الأول الذي أسقط الاتفاقية الفلاحية بين الرباط وبروكسيل، لكنهم لم يسمحوا للمعني الأول بالحكم أن يساهم في اختيار مسطرة الطعن، وفي صياغة المذكرة الجوابية المقدمة للمحكمة الأوروبية… أقفلوا الهاتف، وانصرفوا إلى حال سبيلهم، ولم يعودوا يهتمون حتى نزل بلاغ الحكومة المغربية أول أمس كقطعة ثلج باردة على ظهر موغريني، المكلفة بالسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، حيث قامت الحكومة بتعليق كل تعاون أو اتصال بين الرباط وبروكسيل للاحتجاج على هذا التجاهل الذي يعرض مصالح المغرب الكبرى للخطر.

الحكم الأول الصادر نهاية 2015عن المحكمة الأوروبية، أبطل الاتفاقية الفلاحية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وجاءت فيه ثلاثة معطيات على قدر كبير من الخطورة؛ أولا اعتبر المغرب دولة محتلة للصحراء، ومن ثم لا حق له –المغرب- في توقيع اتفاقية تهم ثروات هذه المنطقة، وهذا حكم لم يقل به أحد من قبل، حتى مجلس الأمن الذي ينظر في النزاع المعروض عليه يعترف للمغرب بالسلطة الإدارية على المناطق الجنوبية. ثانيا، الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الأوروبية يعطي البوليساريو صفة الممثل الشرعي والوحيد للصحراويين، وهذا لا يقول به حتى البوليساريو نفسه، الذي يقبل التفاوض مع المغرب، ووسط وفد هذا الأخير عناصر صحراوية. الخطر الثالث في حكم المحكمة الأوروبية أن هذا الحكم يفتح المجال لنقض اتفاقيات ثنائية أخرى بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي… لكل هذه الاعتبارات هيأ المغرب استراتيجية دفاعية في الشكل والجوهر للطعن في القرار أمام الاستئناف، وطلب من شركائه الأوروبيين أن يستمعوا إلى وجهة نظره، وألا يسلكوا المسطرة الاستعجالية في التقاضي لأنها تحرم الأطراف من بسط كل الحجج، كما طالب الخبراء القانونيين للاتحاد بالاتجاه إلى الطعن في الأسس التي اعتمد عليها القضاة في حكمهم، وتوضيح فسادها وعدم قانونيتها حتى لا تتكرر هذه السابقة مرة أخرى.

أصدقاؤنا الأوروبيون، الذين اعتادوا دبلوماسية ناعمة وخجولة من الرباط، لم يستمعوا إلى وجهة نظر المغرب، وتوجهوا إلى الطريق الاستعجالية للطعن في القرار أمام الاستئناف، وكل همهم هو المصالح الاقتصادية التي ستتعطل نتيجة حكم المحكمة، أي أن ما يهمهم هو السردين وليس القانون الدولي ومبادئه… لهذا اتجهوا إلى طعن تقني خفيف.. كل ما يهمهم فيه هو إزالة العقبات القانونية أمام سفن إسبانيا في المياه الدافئة، وعودة المصالح الاقتصادية بين البلدين، وهي مصالح مختلة لصالح الطرف الأقوى منذ سنوات طويلة.

الأوروبيون، للأسف الشديد، لا يؤمنون بالشراكة مع دول الجنوب.. بالنسبة إليهم، المغرب والجزائر وتونس ودول إفريقيا، هؤلاء إما زبناء عندما يتعلق الأمر بالبيع والشراء، أو أسواق عندما يتعلق الأمر بالتجارة، أو شرطة عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب، أو دركي عندما يتعلق الأمر بوقف زحف المهاجرين، أو تلميذ في القسم عندما يتعلق الأمر بدروس الديمقراطية وحقوق الإنسان… وفي كل هذه الأنواع من العلاقات هناك تلميذ وأستاذ، هناك سيد وعبد، هناك تاجر وزبون، هناك غني وفقير، هناك شمال وجنوب، وبينهما خطان متوازيان من المصالح والثقافات والعقليات لا يلتقيان.. نعم هناك أوروبيون إنسانيون يؤمنون بالتعاون والشراكة ووحدة المصير البشري، لكن هؤلاء لا يحكمون ولا يتخذون القرار، وحتى عندما يصل هؤلاء الطيبون إلى مواقع المسؤولية يتصرفون بالمنطق القديم، وبالنهج البرغماتي الذي تغلب فيه المصالح على المبادئ، وتنتصر الأنانية على التعاون، ويشتغل معهم منطق التعالي على منطق التواضع.. وهذا إشكال فلسفي وسياسي وفكري عميق ليس هنا باب بسطه والتوسع فيه.

حكومة بنكيران سجلت سابقة من نوعها في علاقة الرباط ببروكسيل، ورفعت يدها بنقطة نظام ستسجل في التاريخ الدبلوماسي، إذ إن بلد صغيرا وفقيرا من الجنوب غضب من أقوى وأغنى اتحاد في العالم، وأوقف التعاون معه طلبا للاحترام وتقدير واجبات الشراكة. رحم الله العربي المساري الذي كان يقول لشركائنا الإسبان قولته الشهيرة: «خلصوا العلاقات المغربية الإسبانية من رائحة السردين».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نقطة نظام نقطة نظام



GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 21:04 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 21:03 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«تامر يَجُرّ شَكَل عمرو!»

GMT 21:01 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

رياح يوليو 1952

GMT 20:59 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

لا يجوز في الساحل ولا يليق

GMT 20:58 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

الوزير الخائن دمر الفسطاط (1)

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حرب المساعدات

GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib