لو كانت إيران جدية في مكافحة التطرف

لو كانت إيران جدية في مكافحة التطرف

المغرب اليوم -

لو كانت إيران جدية في مكافحة التطرف

خير الله خير الله

من سخرية القدر أن تتحدّث شخصية رسمية إيرانية من بيروت بالذات عن مكافحة الإرهاب. اختار علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن والعلاقات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني (مجلس النواب)، مقر وزارة الخارجية اللبنانية لتأكيد أن إيران تحارب الإرهاب. الشيء الوحيد الأكيد في المشهد أن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، الذي لا تتجاوز معلوماته السياسية حدود قضاء البترون الذي خذله مرّتين متتاليتين في الانتخابات النيابية، هزّ برأسه مؤيّدا كلام بروجردي. لا يؤيد الطرح الإيراني في شأن الإرهاب سوى الذين لا يعرفون شيئا عن إيران ولا عن حقيقة دورها في استغلال ما هو أسوأ من الإرهاب، أي الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية!
يعيش اللبنانيون في حال من البؤس والقحط السياسي تجعلهم عاجزين عن أكثر من قول كلمة حقّ في وجه الباطل. وقد قال هذه الكلمة قبل أيام وزير الداخلية نهاد المشنوق والنائب مروان حماده في مناسبة الذكرى الثالثة لاغتيال اللواء وسام الحسن على يد معروفة، بل معروفة أكثر من اللزوم.

أكثر من ذلك، يتعرّض اللبنانيون أيضا لكل أنواع الضغوط من أجل القبول بالأمر الواقع المذلّ الذي تسعى إيران إلى فرضه عليهم بقوّة السلاح غير الشرعي المذهبي الموجه إلى صدورهم العارية.

جاء رئيس لجنة الأمن في البرلمان الإيراني إلى بيروت بعد زيارة لدمشق، من أجل تكريس لبنان رهينة لدى المشروع التوسّعي الذي تقوده بلاده في المنطقة. جاء ليخيف اللبنانيين لا ليطمئنهم. جاء لتبرير التدخّل العسكري الروسي في سوريا بحجة من النوع المضحك – المبكي. قال بروجردي “إنّ التدخّل العسكري الروسي في سوريا أتى ليسدّ الفراغ الذي خلفته أميركا بسبب عدم جديّتها في مكافحة الإرهاب”. نعم، إن أميركا، خصوصا إدارة باراك أوباما، غير جدّية في مكافحة الإرهاب. لكنّ سبب عدم جديتها يعود أوّلا وأخيرا إلى وقوفها موقف المتفرّج حيال أمريْن مهمّيْن.

يتمثّل الأمر الأوّل في السماح لبشّار الأسد برمي شعبه بالبراميل المتفجّرة بعد موافقتها على تجريد النظام السوري من السلاح الكيميائي. لم يقل لنا السيد بروجردي ما الفارق بين الإرهاب الذي يمارس عن طريق البراميل المتفجّرة، وذلك الذي يمارس بواسطة السلاح الكيميائي؟

أمّا الأمر الثاني، فيتمثّل في السكوت الأميركي عن الإرهاب الروسي. لم يقصف الروس حتّى اللحظة سوى المعارضة السورية التي تمثّل الشعب السوري المظلوم الذي يسعى إلى استعادة بعض من كرامته لا أكثر.

تغاضت روسيا عن “داعش” بشكل شبه تام، وركّزت على “الجيش الحر” في مناطق محدّدة. تمارس روسيا في الواقع إرهابا من نوع متطوّر يخدم النظام العلوي الذي يرفضه الشعب السوري رفضا كاملا ليس من منطلق أنه نظام طائفي فحسب، بل من منطلق أنه لا يؤمن سوى بلغة واحدة، هي لغة القتل أيضا.

ما يُفترض بأي شخصية رسمية إيرانية أن تعرفه أوّلا أن اللبنانيين ليسوا من نوعية النائب المسيحي ميشال عون وما شابهه من موظّفين صغار لدى الميليشيا المذهبية المسمّاة “حزب الله”. يعرف اللبنانيون أن الجدّية في مكافحة الإرهاب تبدأ بالتوقف عن دعم نظام، مثل النظام السوري، يذبح شعبه يوميا بكلّ أنواع الأسلحة المتوفرة لديه. يفعل ذلك معتمدا على إيران وروسيا. لا يمكن لمن يدعم النظام السوري أن يكون ضدّ الإرهاب. من يدعم هذا النظام هو في طبيعة الحال حليف للإرهاب ولـ”داعش” بالذات. النظام السوري و”داعش” وجهان لعملة واحدة، نظرا إلى أن كلا منهما يعتمد على الآخر لتبرير وحشيته.

يعرف اللبنانيون، أكثر ما يعرفون، أنه لو كانت إيران جدّية في مكافحة الإرهاب، لما سلطت عليهم ميليشيا مذهبية. هذه الميليشيا تمنعهم من انتخاب رئيس جديد للجمهورية بحجة أن لبنان يجب أن يبقى رهينة لدى طهران، التي تفتخر بسيطرتها على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. ألم يحن الوقت لإطلاق سراح لبنان بدل الإصرار على تعريضه لكلّ أنواع المخاطر، بما في ذلك تدمير مؤسساته الواحدة تلو الأخرى؟

آن أوان تسمية الأشياء بأسمائها. إن إيران، التي شجعت على ارتكاب كلّ أنواع الجرائم في لبنان، هي آخر من يحقّ له الكلام عن مكافحة الإرهاب. اللبنانيون والسوريون والعراقيون واليمنيون والبحرينيون والكويتيون، على سبيل المثال وليس الحصر، شهود على ذلك. من يدعم “حزب الله” في لبنان وسوريا، لا يستطيع التنديد بالإرهاب. الحزب الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني يشارك في قتل الشعب السوري. قبل ذلك، من الثابت أن الحزب متّهم بالوقوف وراء سلسلة من الجرائم استهدفت اللبنانيين الشرفاء.

الحزب متّهم بمحاولة اغتيال مروان حماده وبطرس حرب ومي شدياق وإلياس المرّ. الحزب متهم باغتيال رفيق الحريري ورفاقه، وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار أمين الجميّل وأنطوان غانم ووسام عيد ووسام الحسن ومحمّد شطح.

اللبنانيون يعرفون ذلك ويشيرون على وجه الخصوص إلى رفض “حزب الله” تسليم المتهمين باغتيال رفيق الحريري الذي ارتكب جريمة إعادة الحياة إلى بيروت وإعادة وضع لبنان على خريطة المنطقة والعالم، وبشّر بثقافة الحياة بديلا من ثقافة الموت…

لا يحتاج اللبنانيون إلى نصائح وتوجيهات من إيران. كلّ ما يريدونه منها أن تكفّ شرها عنهم لا أكثر ولا أقلّ. فلبنان قادر على مواجهة التطورات التي تشهدها المنطقة في حال سمحت إيران لمؤسساته بالعمل بشكل طبيعي. في مقدّمة هذه المؤسسات تأتي رئاسة الجمهورية التي تمثّل رأس الدولة. متى تسمح إيران بالأفعال، وليس بالكلام الصادر عن بروجردي وغيره، بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، يصبح في الإمكان القول إن تغيّرا حصل في طهران نتيجة توصلها إلى اتفاق في شأن الملف النووي مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا.

في غياب رئيس الجمهورية، ستبقى الشكوك محيطة بإيران وسياستها ودورها في التدمير ونشر البؤس، أقلّه بالنسبة إلى لبنان. رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. الواضح أن إيران غير قادرة على الإقدام على مثل هذه الخطوة، بل غير مستعدة لها. لماذا؟ لأن إيران لا تراهن سوى على مزيد من الخراب في لبنان وغير لبنان، خصوصا في سوريا والعراق والبحرين واليمن.

على من يبحث عن دليل على ذلك العودة قليلا جدا إلى الخلف، خصوصا إلى المرحلة التي تلت التدخل الروسي في سوريا. لم تعترض إيران بأي شكل على التنسيق الروسي – الإسرائيلي في سوريا. التنسيق قائم في العمق وعلى أعلى مستوى بين الجانبيْن. أين الحقيقة وأين الكذب في المواقف الإيرانية المعلنة… أم أن الحرب على الشعب السوري، الذي صار نصفه مهجّرا، تبرّر حتّى إشراك اسرائيل في هذه الحرب؟

يبدو أنّ الحرب على الجيش السوري تبرّر أيضا الكلام عن “عدم الجدّية الأميركية”، كما فعل علاء الدين بروجردي ويفعل كثيرون غيره من المدّعين محاربة إسرائيل.. حتّى آخر فلسطيني وسوري ولبناني!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لو كانت إيران جدية في مكافحة التطرف لو كانت إيران جدية في مكافحة التطرف



GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 21:04 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 21:03 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«تامر يَجُرّ شَكَل عمرو!»

GMT 21:01 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

رياح يوليو 1952

GMT 20:59 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

لا يجوز في الساحل ولا يليق

GMT 20:58 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

الوزير الخائن دمر الفسطاط (1)

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حرب المساعدات

GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib