بوتين يحصد ما زرعه

بوتين يحصد ما زرعه!

المغرب اليوم -

بوتين يحصد ما زرعه

بقلم - خيرالله خيرالله

انقلب السحرُ على الساحر. مثلما انقلب أسامة بن لادن في الماضي على الأميركيين الذين صنعوه، انقلب يفغيني بريغوجين، قائد مجموعة «فاغنر»، على فلاديمير بوتين.

يحصد بوتين ما زرعه بعدما استعان ببريغوجين في أوكرانيا وقبل ذلك في الحرب على الشعب السوري وفي أماكن أخرى من العالم.

غيّر الانقلاب معطيات الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا. كشف الانقلاب أنّ بوتين فشل في كلّ ما قام به إلى الآن منذ اتخذ قراره بغزو أوكرانيا في 24 فبرار 2022.

لا يكشف انقلاب قائد «فاغنر»، خريج السجون، على بوتين الضعف الروسي فحسب، بل كشف أيضاً هشاشة الوضع في بلد كان رئيسه يطمح إلى استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي.

بات على المحكّ، الآن، مستقبل الاتحاد الروسي في ضوء خوض فلاديمير بوتين مغامرته الأوكرانيّة على غرار خوض صدّام حسين مغامرته الكويتيّة صيف العام 1990.

من يتذكّر انقلاب الشخص الأمّي الذي كان اسمه حسين كامل على صدّام حسين؟ كان حسين كامل في مرحلة معيّنة، صاحب نفوذ كبير وأقرب الناس إلى صدّام بعد زواجه من ابنته؟

قبل أيّام من تمرّد بريغوجين على بوتين، بدا واضحاً أن أوروبا لا يمكن، بدعم أميركي صريح، قبول انتصار روسي في أوكرانيا بغض النظر عن الكلفة.

فهم «طبّاخ بوتين»، أي بريغوجين الذي كان بوتين يرتاد مطاعمه في سانت بطرسبورغ، هذه المعادلة ولم يفهمها الرئيس الروسي نفسه.

يؤكّد ذلك المؤتمر الذي انعقد في لندن حديثا وخصّص لإعادة إعمار أوكرانيا. تحدّث زيلينسكي في افتتاح المؤتمر واكّد أنّ سقوط أوكرانيا في يد روسيا سيعني أن أوروبا كلّها صارت مهدّدة. عرف الرئيس الأوكراني كيف ربط مصير بلده بمصير أوروبا. أقرّ مؤتمر لندن مبالغ كبيرة بالمليارات (نحو ستين مليار يورو) لإعادة إعمار أوكرانيا.

ما الذي تعني كلّ هذه التطورات، بما في ذلك احتمال تحوّل الصين إلى المستفيد الأول من الانهيار الروسي؟

تعني بكلّ بساطة أنّ ثمّة ضرورة لإنهاء الحرب الأوكرانيّة عبر معادلة بسيطة تأخذ في الاعتبار الحاجة الأوروبيّة إلى منع روسيا من الهيمنة على أوكرانيا من جهة وإيجاد صيغة تنقذ ماء الوجه لفلاديمير بوتين من جهة أخرى. هل فات أوان الحلول السياسيّة في أوكرانيا والسعي إلى انقاذ ماء الوجه للرئيس الروسي؟ الجواب أن الحاجة ملحّة أكثر من أي وقت، من منطلق سياسي وإنساني، لوقف الحرب والتفكير في مخرج يضمن أوّل ما يضمن سلامة الأراضي الأوكرانيّة.

توجد حاجة إلى مواقف شجاعة ونبيلة تؤمّن تحقيق نتيجة إيجابية في مجال وقف الحرب والمحافظة على الأرواح ومنع الحرب من الامتداد إلى الداخل الروسي.

لم يعد سرّا أن الشجاعة السياسية تعني تفادي قطع العلاقة بفلاديمير بوتين بغض النظر عن كلّ أخطائه. ثمّة حاجة إلي بقاء التواصل معه من أجل الوصول إلى مخرج سياسي لحرب طاحنة مرشحة للاستمرار طويلاً وتهديد السلام العالمي، خصوصاً في ضوء تهديد روسي، المرّة تلو الأخرى، باستخدام السلاح النووي. كان لافتاً بدء نقل أسلحة نووية روسيّة إلى أراضي بيلاروسيا البلد الحليف للاتحاد الروسي والذي لديه حدود مشتركة مع أوكرانيا!

كان اللقاء الذي انعقد أخيراً في مدينة سانت بطرسبورغ، قبل أيّام قليلة من تمرّد بريغوجين، بين الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات والرئيس الروسي يندرج في سياق الجهود التي لم يتوقف الشيخ محمّد عن بذلها من أجل وقف الحرب الأوكرانيّة.

لا بدّ من التذكير بأنّه سبق للرئيس الإماراتي ان زار موسكو والتقى الرئيس الروسي في مرحلة ما بعد بدء الحرب الأوكرانيّة.

لا بدّ من التذكير أيضا بأنّ الرئيس الإماراتي يمتلك خطوطا مفتوحة مع أوكرانيا التي حصلت على مساعدات ماليّة وأخرى ذات طابع انساني من الإمارات، كما استقبل في ابوظبي، قبل نحو ثلاثة اشهر، زوجة زيلينسكي التي كانت في الإمارات لحضور ندوة ذات طابع دولي.

لم يأبه الرئيس الإماراتي، الذي تحدث عن «ضغوط» مورست على أبوظبي بسبب العلاقة التي تقيمها مع موسكو، بكلّ المحاولات لثنيه عن إبقاء خطوط التواصل مع بوتين مفتوحة.

توجد ضرورة ملحّة لوقف الحرب الأوكرانية التي تحولت إلى حرب عبثية. وقف هذه الحرب أولويّة في ظلّ التطورات الأخيرة.

لا شكّ أنّ الحسابات التي قام بها الرئيس الروسي، بما في ذلك بدء الهجوم الشامل على أوكرانيا، قبل سنة وأربعة اشهر، كانت حسابات خاطئة.

لكنّ الحكمة تقول إنّ الحاجة إلى وقف الحرب اليوم قبل غد. هل توفّر الضربة التي تلقاها بوتين، في ضوء تمرّد قائد «فاغنر» فرصة كي يعود إلى جادة الصواب من منطلق أنّ عليه الآن مواجهة ما سمّاه «عصيانا» يهدد بالفعل مصير روسيا؟

في النهاية، سيحاسب الشعب الروسي رئيسه الذي تبيّن أنّه لا يعرف العالم ولا يعرف شيئا عن موازين القوى السائدة فيه.

يستحق السلام في أوكرانيا مقاومة كلّ أنواع الضغوط التي تمارسها أطراف دولية من أجل وقف الاتصال ببوتين.

يعود ذلك إلى أن ردّ فعل الرئيس الروسي ليس من النوع الذي يمكن التكهّن به، خصوصا في ظلّ امتلاك روسيا لترسانة نووية.

فضلاً عن ذلك، لا يمكن التكهّن برد فعل رجل يرفض الاعتراف بأخطائه من جهة وقبول فكرة الهزيمة في أوكرانيا من جهة أخرى.

نعم، يحتاج بوتين إلى مداراة من دون تخلي اميركا وأوروبا عن ضرورة حماية الوحدة الترابيّة لأوكرانيا والمحافظة عليها.

تبقى نقطة أخيرة يختزلها سؤال مهمّ: ما مصير شبه جزيرة القرم التي أعادت روسيا السيطرة عليها في العام 2014.

هل تكون القرم، مع ضمانات أخرى تتعلّق مثلا بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، جائزة الترضيّة لبوتين في مقابل جعله يهضم الانسحاب من أوكرانيا وتفادي إطالة حرب يتبيّن يوميا أنّه لا يمكن أن يخرج منها منتصرا... بل يمكن أن تؤدي إلى تفجير روسيا من داخل؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين يحصد ما زرعه بوتين يحصد ما زرعه



GMT 08:58 2023 الإثنين ,31 تموز / يوليو

العمل أونلاين يوم الأحد.. كيف؟!

GMT 08:43 2023 الإثنين ,31 تموز / يوليو

بطرسبرغ والنظام العالمي ما بعد الغربي

GMT 07:44 2023 الثلاثاء ,25 تموز / يوليو

المجهول.. الهرم المفقود

GMT 09:18 2023 الجمعة ,14 تموز / يوليو

المتاهة اللبنانية

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

اعتقال 21 شخصا على صلة بالنظام السابق في اللاذقية السورية
المغرب اليوم - اعتقال 21 شخصا على صلة بالنظام السابق في اللاذقية السورية

GMT 15:05 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكري
المغرب اليوم - الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكري

GMT 13:59 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

انستغرام يطلق تطبيق Reels مخصص للتليفزيون لأول مرة

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 15:51 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

التعليم عن بعد في مؤسسة في سطات بسبب انتشار "كورونا"

GMT 00:41 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

Ralph&Russo Coutureِ Fall/Winter 2016-2017

GMT 01:36 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نورتون يعرض منزله المميّز المكوّن من 6 غرف نوم للبيع

GMT 15:06 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تألق كيني ومغربي في نصف ماراثون العيون

GMT 00:29 2025 الجمعة ,08 آب / أغسطس

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 08 أغسطس/آب 2025

GMT 18:23 2022 الإثنين ,24 كانون الثاني / يناير

شقيق محمد الريفي يفجرها"هذا الشخص وراء تدهور صحة أخي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib