ظاهرة هيثم الزبيدي…

ظاهرة هيثم الزبيدي…

المغرب اليوم -

ظاهرة هيثم الزبيدي…

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

امتلك هيثم الزبيدي، ناشر صحيفة “العرب” الذي غاب عنا بعد صراع طويل مع المرض، كل الصفات التي تجعل منه شخصا استثنائيا بكلّ معنى الكلمة. توفّي هيثم في أحد مستشفيات لندن ودفن في العاصمة البريطانية بعيدا عن العراق الذي أحبّه إلى أبعد حدود وبقي مرتبطا به.

حاول هيثم الزبيدي، الذي انتقل إلى لندن لمتابعة تخصصه الجامعي، في كلّ وقت أن يكون موضوعيا في نظرته إلى تطور الأحداث في بلده الأصلي. حرص على موضوعيته على الرغم من أنّ والده محمّد حمزة الزبيدي شغل مناصب رفيعة المستوى في عهد صدّام حسين، بما في ذلك موقع رئيس الوزراء في مرحلة معينة تلت الانسحاب من الكويت، بين 1991 و1993. مثل هذا الموقف يجعل من هيثم الزبيدي رجلا استثنائيا قرّر أن تكون لديه شخصية خاصة به صنعها بنفسه شيئا فشيئا.

يبقى هيثم الزبيدي الذي توفّي عن 61 عاما ظاهرة تستحق التوقف عندها. لا يعود ذلك إلى أنّه عمل على أن يكون هناك إعلام عربي بالإنجليزية والإسبانيّة فحسب، بل عمل من أجل إعلام مختلف

كلّ ما في المسيرة الصحافية لهيثم الزبيدي فريد من نوعه، بدءا بطريقة انتقاله إلى هذه المهنة الشيقة والمرهقة في الوقت ذاته… وصولا إلى نجاحه في إيجاد موقع، على الصعيد العربي، للصحيفة التي أعاد إليها الحياة بعد وفاة مؤسسها وصاحبها أحمد الصالحين الهوني آخر وزير للإعلام في ليبيا قبل سقوط العهد الملكي في العام 1969.

ليس مألوفا انتقال خريج من كلية الهندسة في جامعة مرموقة مثل “إمبريال كوليدج” إلى عالم الصحافة. لكن لوثة الصحافة أصابت هذا الصديق والأخ الذي استطاع في خلال فترة قصيرة إيجاد مكان له في عالم الإعلام العربي. بدأ بموقع “ميدل إيست أونلاين” ثم انتقل إلى “العرب” آخذا على عاتقه إبقاء الصحيفة العربية التي تصدر من لندن حيّة ترزق في غياب الحاج الهوني.

في كلّ ما فعله هيثم الزبيدي الذي تعرفت إليه في خلال زيارة  لتونس في العام 2008، كان هناك ما يشير إلى فرادة الرجل الذي فضّل الصحافة على العمل كمهندس حاصل على درجة دكتوراه في اختصاصه.

الأكيد أن في الإمكان الدخول في نقاش طويل في شأن الخيارات الصحافية لهيثم الزبيدي، بما في ذلك رفضه تخصيص الخبر الأساسي في الصفحة الأولى لحدث معيّن أكثر من مرّة واحدة، بغض النظر عن ضخامة هذا الحدث وأهمّيته. كان يتعمّد، إلّا في حالات استثنائية، تفادي ذلك والسعي إلى التركيز على مواضيع أخرى يعتقد أنّ من الظلم تجاهلها. سألته مرات عدة عن هذا السلوك، الذي وجدته غريبا، كان جوابه أنّه يسعى إلى خلق نوع جديد من الصحافة ترفض الغرق في الروتين.

ليس مألوفا انتقال خريج من كلية الهندسة في جامعة مرموقة إلى عالم الصحافة. لكن لوثة الصحافة أصابت هذا الصديق والأخ الذي استطاع في خلال فترة قصيرة إيجاد مكان له في عالم الإعلام العربي

لم يكن الخروج من الروتين، الجانب الأهمّ في شخصية هيثم الزبيدي. كانت لديه ميزات شخصية أخرى. في مقدم هذه الميزات الوفاء. بقي وفيا لكلّ من دعمه. استمرّ هذا الدعم أم لم يستمر. ثمة مبادئ رفض هيثم الخروج عنها. من بين هذه المبادئ الوفاء في ظلّ كرمه غير المتناهي، بل المبالغ به، في أحيان كثيرة. كان يساعد كلّ من يطلب مساعدة، بمن في ذلك أشخاص أساؤوا إليه. كان سريع الغضب وسريع التسامح. كان عنيدا في بعض الأحيان، لكنه كان يتفادى الإيذاء ورفض أن يكون صداميا. كان عراقيا أصيلا تطوّر عقله وسلوكه في ضوء عيشه في الغرب وتعرّفه على العالم. كان عراقيا تستطيع أن تختلف معه ثم تذهب إلى العشاء برفقته وكأن شيئا لم يكن…

الأهم من ذلك كلّه، أنّه حوّل “العرب” فضاء للحرّية ولآراء متناقضة بين بعضها. عرف كيف يستفيد من أخطاء الآخرين ومن قيود فرضت على صحف عربيّة أخرى في هذا البلد العربي أو ذاك. كانت أهمّية هيثم الزبيدي تكمن في نقطتين مهمتين أولاهما قدرته على التكيف مع واقع العيش في عالم غربي بعيدا عن العراق، وثانيهما أنّه لا تهمّه المحرمات التي خرقها تباعا مرات عدة.

يبقى هيثم الزبيدي الذي توفّي عن 61 عاما ظاهرة تستحق التوقف عندها. لا يعود ذلك إلى أنّه عمل على أن يكون هناك إعلام عربي بالإنجليزية والإسبانيّة فحسب، بل عمل من أجل إعلام مختلف، إعلام غير تقليدي يأخذ في الاعتبار أن العرب جزء من هذا العالم وأن في استطاعتهم العمل من أجل إيجاد موقع خاص بهم فيه… أقلّه إعلاميا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظاهرة هيثم الزبيدي… ظاهرة هيثم الزبيدي…



GMT 23:14 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ذاكرة الرجل الصامت

GMT 23:12 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إسرائيل... لماذا تفوَّقت في لبنان وليس في اليمن؟

GMT 23:10 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

مشهد الشرق الجديد... من يرسمه؟

GMT 23:07 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سبب آخر للاستقالة

GMT 23:05 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

البديل الحوثي للبنان...

GMT 23:04 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

التجويع بهدف التركيع

GMT 23:02 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس؟

GMT 23:00 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ماذا لو رد «الجميل» السلام؟!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح

GMT 12:05 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ميسي يعلن أنه لن يلعب لأي فريق أخر في أوروبا

GMT 13:40 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

الرجاء يخوض منافسات كأس الكاف بقميص جديد

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الوردي والذهبي مع الباستيل آخر صيحات موضة 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib