التّحدّي الدّاخليّ أهمّ من السّلام السّوريّ – الإسرائيليّ

التّحدّي الدّاخليّ أهمّ من السّلام السّوريّ – الإسرائيليّ

المغرب اليوم -

التّحدّي الدّاخليّ أهمّ من السّلام السّوريّ – الإسرائيليّ

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

في ضوء الأحداث التي تشهدها سوريا منذ سقوط النظام العلويّ الذي كان على رأسه بشّار الأسد، يبدو أكثر سهولة على الرئيس الانتقالي أحمد الشرع التوصّل إلى اتّفاقات على مراحل مع إسرائيل من تحقيق مصالحة حقيقية على صعيد البلد. الكلام هنا عن طلب توقيع سلسلة اتّفاقات مع إسرائيل طرحه على دمشق المبعوث الأميركي توم بارّاك لدى زيارته العاصمة السوريّة أخيراً.

اللافت أنّ النظام السوري الجديد وضع نفسه في مستوى الأحداث عندما تعلّق الأمر بإسرائيل والعلاقة مع الولايات المتّحدة، لكنّه يبدو مرتبكاً في التعاطي مع التطوّرات الداخليّة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالدروز والمسيحيّين الذين يشكّلون مكوّنَين أساسيَّين في التركيبة السوريّة، وذلك منذ استقلال البلد في أربعينيّات القرن الماضي.

الأكيد أنّه لا يمكن في هذا المجال تجاهل الأقلّيّة العلويّة، لكنّ موضوع هذه الأقلّيّة يظلّ موضوعاً شائكاً في غاية التعقيد بسبب ممارسات النظام الذي قام في عام 1966 واستمرّ حتّى نهاية 2024 نتيجة الانقلاب العسكري الذي قاده صلاح جديد وحافظ الأسد. اتّسم هذا النظام بوحشيّة ليس بعدها وحشيّة، خصوصاً منذ تفرّد حافظ الأسد بالسلطة في 1970 وبعد اندلاع الثورة الشعبية في وجه كلّ ما يمثّله بشّار الأسد ربيع 2011.

اللافت أنّ النظام السوري الجديد وضع نفسه في مستوى الأحداث عندما تعلّق الأمر بإسرائيل والعلاقة مع الولايات المتّحدة
استعادة تجربة الأسد؟

يبدو أنّ أحمد الشرع يضع نصب عينيه تجربة حافظ الأسد الذي ضمِن لنظامه، بفضل اتّفاق ضمنيّ مع إسرائيل، الاستمرار طوال 54 عاماً. حتّى إنّه استطاع توريث سوريا لنجله بشّار على الرغم من عدم امتلاك الأخير أيّ مؤهّلات تُذكر، باستثناء الإعجاب الشديد بشخص الراحل حسن نصرالله والتورّط أكثر في العلاقة مع إيران وصولاً إلى لعب “الجمهوريّة الإسلاميّة” الدور الأساسي في قمع ثورة الشعب السوريّ.

الأكيد أنّ أحمد الشرع يتساءل لماذا وقفت إسرائيل موقف المتفرّج حيال كلّ ما يدور في سوريا ولم ترفع الغطاء عن بشّار إلّا في أواخر 2024 بعدما أجبرته إيران على تمرير أسلحة متطوّرة، بينها صواريخ، إلى “الحزب” في لبنان. وقتذاك، قال بنيامين نتنياهو عبارته المشهورة: “إنّ بشّار يلعب بالنار”.

توصّل حافظ الأسد سرّاً، عبر وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر إلى نقاط تفاهم مع إسرائيل في أيّار 1974 احترمها بدقّة ليس بعدها دقّة. وقّع الورقة، “التي أُبلغت شفهيّاً إلى إسرائيل”، حسب النقطة ذات الرقم خمسة، كلٌّ من كيسنجر وعبدالحليم خدّام بصفة كونه وزير الخارجية السوريّ.

احترم الأسد الأب نقاط التفاهم إلى درجة جعلته يحظى باحترام إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل الذي أشار إلى الموضوع في اللقاء الأخير الذي عقده مع ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، عند معبر إيريز، وذلك قبل فترة قصيرة من اغتيال رابين في تل أبيب في تشرين الثاني من عام 1995. استناداً إلى الشخص الذي كان يتولّى مهمّة الترجمة بين “أبو عمّار” ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وجّه رابين لوماً شديداً إلى الزعيم الفلسطيني لأنّه “لا يلتزم الاتّفاقات التي يوقّعها”. أضاف، وهو ينظر إلى عيني “أبو عمّار”، أنّ حافظ الأسد “التزم الفاصلة في الاتّفاق الشفهيّ” الذي توصّلنا إليه معه. كان يشير بذلك إلى نقاط التفاهم بين الأسد الأب وكيسنجر. ورد في النقطة ذات الرقم 6 من نقاط التفاهم أنّ هذا الاتّفاق “سرّيّ” لكنّه “سيبلَّغ إلى حكومة إسرائيل شفهيّاً”.

من الواضح أنّ أحمد الشرع يتطلّع إلى استعادة تجربة حافظ الأسد الذي سمحت له نقاط التفاهم مع كيسنجر، التي تركّز على ضمان أمن جبهة الجولان، بالبقاء في السلطة طويلاً…

يبدو أنّ أحمد الشرع يضع نصب عينيه تجربة حافظ الأسد الذي ضمِن لنظامه، بفضل اتّفاق ضمنيّ مع إسرائيل، الاستمرار طوال 54 عاماً
الخروج من الذّهنيّة القديمة

أقام حافظ الأسد، بعقله الشيطاني، نظاماً عائليّاً – طائفيّاً – أمنيّاً استخدم فيه سُنّة الريف في وجه سُنّة المدن، مع استثناءات قليلة. سيطر على كلّ سوريا من خلال توفير الضمانات المطلوبة إسرائيليّاً. الخوف كلّ الخوف، إذا لاحظنا كيفيّة تصرّف الحكومة السوريّة بعد مجزرة كنيسة مار إلياس في دمشق، أنّ الحاجة تبدو، أكثر من أيّ وقت، إلى تفادي الاستعانة بالغطاء الإسرائيلي لتبرير عمليّة ذات طابع خطِر تستهدف نشر مزيد من التخلّف والمذهبيّة والطائفيّة في طول سوريا وعرضها. ما لا بدّ من ملاحظته رفض الحكومة السوريّة وصف ضحايا مجزرة الكنيسة التي ارتكبها “داعشيّ” بـ “الشهداء”. جاء ذلك من منطلق أنّ المسلم وحده يدخل الجنّة.

ثمّة تمييز واضح بين مواطن سوري ومواطن آخر. ثمّة تمييز بين السنّة والمواطنين الآخرين. ثمّة تمييز أيضاً بين سنّة الريف وسنّة المدينة، وهي لعبة أتقنها حافظ الأسد الذي كان يكنّ كرهاً شديداً لسنّة المدن الكبرى مثل دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقيّة.

هل يستعيد أحمد الشرع تجربة حافظ الأسد ويبني نظاماً شبيهاً بالذي بناه الدكتاتور الراحل الذي بنى نظامه على تسليم الجولان في عام 1967، وكان وقتذاك وزيراً للدفاع، وعلى نقاط التفاهم مع كيسنجر التي وفّر فيها في 1974 كلّ الضمانات المطلوبة إسرائيليّاً؟

إقرأ أيضاً: شماتة إيرانيّة بلبنان!

في عام 2025، يصعب تكرار تجربة حافظ الأسد في سوريا حتّى لو كان ذلك عن طريق الاستعانة بالأكثرية السنّيّة، وحتّى لو قدّمت إسرائيل كلّ الضمانات المطلوبة، وحتّى لو رفعت الإدارة الأميركيّة العقوبات المفروضة على البلد.

من المفيد، في نهاية المطاف، تخليّ أحمد الشرع عن عقدة إسرائيل والمتاجرة بالجولان كما فعل حافظ الأسد ووريثه. لكنّ من المفيد أيضاً الاعتراف بأنّ سوريا في حاجة إلى الخروج من ذهنيّة العائلة الحاكمة ومن أيديولوجية “هيئة تحرير الشام”. يمثّل مثل هذا الخروج التحدّي الأبرز أمام النظام الجديد. إنّه تحدٍّ داخليّ يبدو أصعب بكثير من تحدّي السلام مع إسرائيل على الرغم من كلّ التسهيلات والإغراءات الأميركيّة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التّحدّي الدّاخليّ أهمّ من السّلام السّوريّ – الإسرائيليّ التّحدّي الدّاخليّ أهمّ من السّلام السّوريّ – الإسرائيليّ



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib