تركيا في مواجهة اللغم الكردي

تركيا في مواجهة اللغم الكردي

المغرب اليوم -

تركيا في مواجهة اللغم الكردي

بقلم خيرالله خيرالله

تركت روسيا في سياق الإعلان عن سحب قسم من قواتها وطائراتها من الأراضي السورية ألغاما كثيرة داخل البلد. في مقدّمة هذه الألغام، يأتي اللغم الكردي، الذي يبدو واضحا أنّ الكرملين يريد استخدامه في تصفية حساباته مع تركيا.
حقّقت روسيا بعض أهدافها. لم تستطع تحقيقها كلها، خصوصا بعدما اكتشفت عجز ما بقي من القوات التابعة للنظام السوري عن الاستفادة من الغارات الجوية التي شنّتها القاذفات الروسية.

كان كلام الرئيس فلاديمير بوتين واضحا في هذا الشأن. لعلّ الجانب الأهم في كلامه أن بلاده قادرة على إعادة الطائرات التي سحبتها من الأراضي السورية “في غضون ساعات”. هذا يدلّ على أن روسيا باتت تعتبر سوريا جزءا من مناطق نفوذها، بل أرضا روسية. كذلك، يدلّ على أن روسيا تعدُّ نفسها لمتابعة مغامرتها السورية إلى ما لا نهاية، ولكن من دون تورّط عسكري كبير، وذلك خشية تحوّل سوريا إلى أفغانستان أخرى.

من بين أبرز الإخفاقات الروسية في سوريا الفشل في تطويق حلب. كان مفترضا، في الحسابات الروسية، أن يكون هذا التطويق بديلا من السيطرة على الأحياء الداخلية للمدينة. كان مهمّا، بالنسبة إلى روسيا، قطع طريق الإمداد الذي يربط بين الأراضي التركية وحلب. لكن المعارضة السورية استطاعت، كما يبدو، إبقاء خط التواصل مع تركيا قائما.

يفسّر غياب القدرة على تطويق حلب وعزلها اللجوء الروسي إلى الورقة الكردية. ليس إعلان الأكراد عن إقامة كيان مستقل في الشمال السوري سوى إشارة إلى أن هناك رغبة روسية في استفزاز تركيا إلى أبعد حدود من جهة، والإعلان عن وجود نيات واضحة تجاه مستقبل سوريا لدى الكرملين من جهة أخرى. لا استعداد لروسيا للتخلي عن الورقة السورية بأي شكل.

يطرح هذا الوضع الجديد، القائم على وجود مشروع لكيان كردي في الشمال السوري سؤالا بديهيا فحواه ما الذي تنوي تركيا عمله؟ هل ترضخ للإملاءات الروسية، التي تحظى في ما يبدو بغطاء أميركي. الملفت أنّ الإعلان عن مشروع الكيان المستقل في شمال سوريا، جاء بعد سلسلة من العمليات الإرهابية كان آخرها التفجيران اللذان استهدفا مدنيين في أنقرة وإسطنبول وذلك بعد مضي شهر من تفجير قافلة عسكرية في منطقة حساسة من العاصمة التركية. لم تتردد تركيا في اتهام الأكراد بالوقوف وراء موجة الإرهاب الأخيرة.


تخشى تركيا إلى حدّ كبير الورقة الكردية، خصوصا أن أكرادها يميلون أيضا إلى الاستقلال. لعلّ أكثر ما تخشاه حقيقة هو ذلك التواطؤ الأميركي مع روسيا في شأن كلّ ما له علاقة بسوريا، بما في ذلك استخدام الورقة الكردية. تستخدم موسكو الورقة الكردية في ظلّ إدارة أميركية لا تمتلك أي استراتيجية في الشرق الأوسط. كلّ ما تريده هذه الإدارة، التي لم يعد أمامها سوى عشرة أشهر في البيت الأبيض، استرضاء إيران وتفادي أي مواجهة من أيّ نوع مع الكرملين.

لدى التمعّن في أبعاد السياسة الروسية في سوريا، يتبيّن أن موسكو باتت تراهن على تقسيم البلد.

صار تقسيم سوريا أو قيام نظام فيدرالي فيها سرّا معلنا. لم تعد هناك من قناعة روسية بإمكان بقاء سوريا موحّدة. هذه القناعة تجمع بين موسكو وطهران، وذلك على الرغم من المخاوف الإيرانية من استخدام الورقة الكردية. أدّت المخاوف أخيرا إلى تقارب تركي ـ إيراني عبّرت عنه زيارة رئيس الوزراء التركي، أحمد داودأوغلو، لطهران أخيرا، ولكن من دون أن يعني ذلك وجود سياسة مشتركة للبلدين تجاه سوريا، خصوصا تجاه بقاء بشّار الأسد أو رحيله.

لجأت روسيا إلى الورقة الكردية بعد اكتشافها أنّها لن تكون قادرة على متابعة حملتها العسكرية مهما تبجّحت بقدراتها والعسكرية وانتصاراتها على شعب أعزل. تعرف روسيا في قرارة نفسها حجمها الحقيقي لأنّ اقتصادها الهشّ لا يتحمّل بقاء سعر النفط والغاز على حالهما. تعرف أن بقاءها في سوريا بالطريقة التي كانت قائمة سيجعلها تدفع غاليا ثمن ما أقدمت عليه…

لعلّ أكثر ما تعرف روسيا أنّه لا يمكن لأي مواطن سوري القبول بأقل من رحيل بشّار الأسد الذي تبدو مهمّته محصورة بالانتهاء من الكيان السوري الذي عرفناه. إلى أن يثبت العكس، لا يبدو أن هناك هدفا آخر لإيران وروسيا غير تقسيم سوريا، على الرغم من التباين بينهما في شأن مستقبل بشّار الأسد.. علما وأن السؤال الكبير الذي سيبقى مطروحا هل لدى تركيا القدرة على التدخل؟

ربّما كان الأهمّ من القدرة التركية على التدخل عسكريا ضد الأكراد، الذين صاروا يشكلون بطريقة أو بأخرى منطقة عازلة بينها وبين قسم من الأراضي السورية، وجود رأي موحّد لديها في هذا الشأن. هذا الرأي الموحّد هو الذي ينقص تركيا ويحرمها، أقلّه حتّى الآن، من مقعد في طاولة المفاوضات التي سيتقرّر فيها توزيع الحصص في سوريا مستقبلا. هل يمكن لتركيا، التي يتعمق المأزق الذي وجدت نفسها فيه كل يوم، البقاء على هامش الحدث السوري الكبير وتفاعلاته المتوقّعة على الصعيد الإقليمي؟ هل يمكن أن يكون التفجيران اللذان وقعا في أنقرة وإسطنبول أخيرا فرصة لإزالة تحفظات المؤسسة العسكرية عن عمل تركي ما في الداخل السوري؟

الثابت أن تركيا في أزمة داخلية عميقة لم يستطع رجب طيب أُردوغان الخروج منها. تكمن مشكلة تركيا في أن الوقت لا يعمل لمصلحتها. كانت لدى أُردوغان في مرحلة معيّنة أوهام كبيرة، هي أوهام الإخوان المسلمين حيثما حلّوا. تبجّح أحمد داودأوغلو، الذي كان وزيرا للخارجية، قبل أن يصبح رئيسا للوزراء، بأنه صار يعرف سوريا عن ظهر قلب، خصوصا أنّه جال في معظم أنحاء البلد وكان يمضي عطلة نهاية الأسبوع في الأراضي السورية معظم الأحيان.

تبيّن أن تركيا أخطأت عندما اعتقدت أن سوريا ثمرة نضجت، وأنّ مسألة سقوطها مسألة وقت ليس إلّا. سقط النظام. هذا صحيح. هذا النظام كان ساقطا أصلا نظرا إلى أنّه كان مخلوقا غير طبيعي. ما فات تركيا، أو على الأصحّ، ما فات أُردوغان أن الأراضي السورية، خصوصا منطقة الساحل ذات أهمّية حيوية لروسيا، كما أن الأراضي القريبة من لبنان موضع اهتمام استثنائي لإيران لأسباب مذهبية، ولأسباب أخرى مرتبطة بـ”حزب الله”.

أقلّ ما يمكن قوله إن الوضع التركي في سوريا لـم يعـد مريحا، خصـوصا في ظل اللغم الكردي الذي زرعه الـروس. هؤلاء يبدون على استعداد للذهـاب بعيـدا في الاستثمار في اللغـم الكردي في غياب شيء اسمـه السياسـة الأميركية في الشرق الأوسط.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا في مواجهة اللغم الكردي تركيا في مواجهة اللغم الكردي



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 19:22 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران
المغرب اليوم - بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران

GMT 19:14 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أذربيجان ترفض إرسال قوات إلى غزة قبل وقف القتال
المغرب اليوم - أذربيجان ترفض إرسال قوات إلى غزة قبل وقف القتال

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 05:24 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 19:51 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

حفل افتتاح بنكهة أفريقية للشان في المغرب

GMT 13:32 2025 الثلاثاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أنشيلوتي يطمح لقيادة البرازيل نحو لقبها العالمي السادس

GMT 14:13 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تقنية ثورية للتحكم في النعاس أثناء القيادة من باناسونيك

GMT 04:57 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

ظهور دولفين مهجن آخر في هاواي

GMT 04:45 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحسين عموتة يهدد اللاعبين الذين تراجع مستواهم

GMT 05:18 2015 الجمعة ,02 كانون الثاني / يناير

محمد جبور يعرب عن فخره بنجاح تصاميمه عالميًا

GMT 14:45 2017 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

تصنيف “جامعة الرباط” في المرتبة 15 إفريقيّا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib