لماذا يتحدّى بيبي أوباما

لماذا يتحدّى بيبي أوباما...؟

المغرب اليوم -

لماذا يتحدّى بيبي أوباما

خيرالله خيرالله


ما نشهده حاليا معركة بين رجلين يعتقد كلّ منهما أن عليه أن يترك اسمه في سجلات التاريخ. هناك باراك أوباما الذي لم يعد أمامه سوى التوصل إلى اتفاق مع إيران، وذلك كي يتذكّره التاريخ. وهناك بنيامين نتانياهو أو بيبي، كما يسمّيه مواطنوه الذي يريد لعب دور الزعيم الإسرائيلي الذي تصدّى لإيران.
 
ما كان لبيبي أن يتحدّى المقيم في البيت الأبيض لو كان هناك بالفعل رئيس رئيس قوي للقوة العظمى الوحيدة في العالم يعرف كيف يتعاطى مع زعماء الدول الأخرى، بمن في ذلك رئيس الوزراء الاسرائيلي.
 
لا قيمة سياسية تذكر لخطاب بيبي أمام الكونغرس الذي أدخل الرجل التاريخ واضعا إيّاه، للأسف الشديد، في مصاف ونستون تشرشل. قبل أن يلقي رئيس الوزراء الإسرائيلي خطابه أمام مجلسي الكونغرس، كان تشرشل الزعيم الوحيد في العالم الذي توجّه إلى الشيوخ والنواب الأميركيين مجتمعين ثلاث مرّات.
 
يكمن الفارق أن تشرشل لم يتسلل إلى مبنى الكابيتول من خلف ظهر الرئيس الأميركي. على العكس من ذلك، جاءت دعوته، في كلّ مرّة، للتحدث إلى ممثلي الشعب الأميركي من كلّ الهيئات والسلطات.
 
عكس وجود بيبي في الكونغرس، بدعوة من رئيس مجلس النوّاب جون باينر (جمهوري)، والطريقة الاستفزازية التي استقبل بها، سقوطا أميركيا وإسرائيليا في الوقت ذاته.
 
جاء رئيس الوزراء الإسرائيلي للاعتراض على الاتفاق الذي يمكن أن تتوصل إليه مجموعة البلدان الخمسة زائد واحد مع إيران في شأن ملفّها النووي. انتهز الفرصة ليشن حملة شعواء على السياسة الإيرانية. وصل به الأمر إلى التذكير بالأعمال الإرهابية التي يُعتقد أن إيران تقف خلفها، بما في ذلك تفجير مقرّ «المارينز» في بيروت في أكتوبر من العام 1983. أتى على ذكر المسؤول العسكري الكبير في «حزب الله» عماد مغنيّة الذي اغتيل في إحدى ضواحي دمشق في فبراير من العام 2008.اعتبر أن عماد مغنيّة «قتل أميركيين أكثر مما قتل أسامة بن لادن». تذكّر أيضا، من أجل دعم موقفه، الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله وتهديداته الموجهة إلى اسرائيل.
 
هناك أمر في غاية الأهمّية تجاهله بيبي. تجاهل، قبل كلّ شيء، مسؤولية إسرائيل عن حال عدم الاستقرار في المنطقة. تفعل إسرائيل كلّ ما تستطيع لمنع أيّ تقدم في عملية السلام مع الفلسطينيين. لا هدف لبيبي سوى الوقوف في وجه السلام والحؤول دون قيام دولة فلسطينية «قابلة للحياة».
 
الأكيد أن الوصول إلى تسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل لن يحلّ مشاكل الشرق الأوسط التي يزداد عددها يوميا. لكن مثل هذه التسوية تقطع الطريق على إيران التي تتاجر بالفلسطينيين وقضيتهم. لو كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد حقّا التصدي لإيران، لكان أوّل ما فعله متابعة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني من أجل الوصول إلى حلّ وليس من أجل التفاوض لمجرّد التفاوض. لو كان يهدف بالفعل إلى حصر المواجهة مع إيران، كما يدّعي، لكان توقّف عن ممارسة سياسة الاستيطان في الضفّة الغربية. فهذه السياسة هي التي تغذّي التطرّف بكلّ أشكاله وتسمح لإيران بالمزايدة على العرب والفلسطينيين والظهور بأنّها أشدّ حرصا منهم على القدس!
 
كلام بيبي في الكونغرس، كلام حقّ يراد به باطل. معظم الدول العربية تشكو من السياسة الإيرانية ومن المشروع التوسّعي الذي يترافق مع هذه السياسة والذي يصبّ في خدمة الإرهاب والإرهابيين. فالسياسة الإيرانية في سورية والعراق، وحتّى في لبنان، لعبت دورا أساسيا في نمو «داعش» وتمدّده وإيجاد حاضنة له في مناطق ذات أكثرية سنّية. هذا الواقع شيء واستفادة إسرائيل من السياسة الإيرانية شيء آخر مختلف تماما. إسرائيل لم تقدم يوما على ما يشير إلى أنّها تعترض على ما تقوم به إيران. كلّ ما تفعله يتمثّل في الانسياق إلى اللعبة الإيرانية والتجاوب معها بطريقة أخرى بما يتلاءم ومصالح الطرفين. هذا ما حصل في لبنان والعراق. وهذا ما يحصل في سورية الآن.
 
لم تنبس اسرائيل يوما ببنت شفة عندما كان يتعلّق الأمر بالممارسات الإيرانية في المنطقة، خصوصا في العراق وسورية ولبنان. لم تعترض يوما على هذه الممارسات نظرا إلى أنّها كانت خير غطاء لإرهاب الدولة الذي يمارسه القادة الإسرائيليون على رأسهم بيبي نتنياهو الذي لم يُقدم يوما على خطوة صغيرة تشير إلى أنّه يريد السلام والاستقرار في المنطقة ومحاربة الإرهاب.
 
كان الخطاب الثالث لرئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الكونغرس للاستهلاك الداخلي. هل سيساعد هذا الخطاب، الذي كان تمرينا ناجحا في العلاقات العامة، في نجاح بيبي في الانتخابات الإسرائيلية في السابع عشر من الشهر الجاري؟ هذا هو السؤال الكبير. هذا هو السبب الذي جاء بيبي من أجله إلى واشنطن وذلك في وقت لا يقدّم الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني ولا يؤخّر في شيء. فالموضوع ليس موضوع الملف النووي بمقدار ما هو موضوع السياسة الإيرانية في المنطقة واستيعاب الإدارة الأميركية لخطورتها. هل تخدم استفاقة بيبي على هذه السياسة وخطورتها اليمين الإسرائيلي في شيء؟
 
هناك انحدار اسرائيلي حقيقي. هذا الانحدار مرتبط إلى حدّ كبير بشخصية بيبي نتانياهو الذي يعبّر عن الفراغ السياسي في مجتمع مريض يراهن منذ عشرين عاما، أي منذ اغتيال اسحق رابين في نوفمبر 1995، على التطرّف والمتطرفين، بما في ذلك السياسة الإيرانية. يحصل ذلك تفاديا للانتهاء من الاحتلال، لا أكثر.
 
يبقى أن هناك جانبا آخر لخطاب بيبي في الكونغرس. هذا الجانب هو الجانب الأميركي. انكشف باراك أوباما كما لم ينكشف من قبل في بلد اعتاد فيه الكونغرس الوقوف بقوّة مع الرئيس في كلّ مرّة كان في مواجهة مع طرف خارجي.
 
ظهر أوباما ضعيفا. بدا كأنّه خيال لرئيس الولايات المتحدة الأميركية. أين دوايت ايزنهاور الذي طلب، عبر وزير خارجيته جون فوستر دالس، بوقف العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956وبأن تنسحب اسرائيل فورا من سيناء؟ لم يكن ايزنهاور في حاجة إلى التدخل شخصيا كي تصبح رغباته أكثر من أوامر...
 
أين جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر اللذان جرّا رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق شامير من أنفه إلى مؤتمر مدريد في العام 1991. هل هي مسألة ضعف أميركي فقط، أم أنّها أيضا مسألة اختلاف في الأولويات بين أميركا واسرائيل؟
 
مثل هذا الاختلاف قد تكون له نتائج في غاية الأهمّية على مستقبل العلاقة بين البلدين في المدى الطويل.
 
في كلّ الأحوال، إنّه سقوط أميركي وإسرائيلي. لم يكن في استطاعة بيبي الإقدام على ما أقدم عليه، لو كان هناك في البيت البيض من هو قادر على وضعه في حجمه الحقيقي... بدل أن «يوجّه إهانة إلى ذكاء الأميركيين»، على حد تعبير نانسي بيلوزي، زعيمة الأقلّية الديموقراطية في مجلس النوّاب. وبيلوزي ليست معروفة بعدائها لإسرائيل في أيّ شكل من الأشكال!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا يتحدّى بيبي أوباما لماذا يتحدّى بيبي أوباما



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib