الشرع ــ السوداني ومسار التطبيع المؤسساتي والشخصي

الشرع ــ السوداني ومسار التطبيع المؤسساتي والشخصي

المغرب اليوم -

الشرع ــ السوداني ومسار التطبيع المؤسساتي والشخصي

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

تدرك العاصمتان السورية والعراقية أن عصر تصدير المقاتلين والسلاح بين جانبَي الحدود قد انتهى، وأن النفوذ الجيوسياسي العابر للحدود، أي القادم من خلف حدودهما الوطنية، قد أُغلق، وأن الأبواب الآن مشرعة لعلاقة طبيعية بين البلدين، تبدأ من إعادة بناء الثقة على المستوى الرسمي، التي ستهيئ الظروف والمناخات الاقتصادية والاجتماعية لنقلها إلى مستويات أخرى. هذا المسار الحذر بينهما يحتاج إلى جهود كبيرة وصبر وإصرار، كونه سيواجه جملةً من العثرات السياسية والمواقف الآيديولوجية، وتاريخاً محتقناً وتراكمات دموية منذ أن سيطر حزب البعث عليهما حتى سقوطه.

من الإرث الدموي لنظامي البعث، الذي مزّق مشتركاتهما الثقافية والدينية والاجتماعية وعطّل نظام مصالحهما الاقتصادية المشتركة، إلى مرحلة سقوط جناحه العراقي عام 2003، مروراً بثورة الشعب السوري 2011، وصولاً إلى سقوط الجناح السوري 2024، وما بينهما من صعود لـ«السلفية الجهادية» السُّنية والأصولية «الجهادية الشيعية» اللتين استهدفتا مشتركاتهما الروحية والدينية بين مجتمعيهما وداخلهما، يفتح الرئيس السوري أحمد الشرع، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مساراً جديداً من العلاقة بين بلديهما، يتجه تدريجياً نحو شراكة حكومية مباشرة وتعاون في مجالات عديدة، في أولوياتها اقتصادية.

إذ من الاتصال الهاتفي الأول الذي جرى في الأول من أبريل (نيسان) الماضي، الذي هنَّأ فيه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، نظيره السوري أحمد الشرع على توليه منصبه، كانت أولى خطوات السوداني الجريئة في ترميم العلاقة بين بغداد ودمشق، وما تلاها من لقاء في العاصمة القطرية الدوحة، ومشاركة دمشق في القمة العربية في بغداد، إضافةً إلى الزيارات المتكررة للمبعوثين والوسطاء، وصولاً إلى حديث الرئيس الشرع الأخير أمام مجموعة من الصحافيين العرب عن العراق والرئيس السوداني... كلها خطوات دبلوماسية مدروسة تعيد بناء الثقة بين القيادتين، وتمهّد الطريق لاستقرار دائم وتعاون عميق سيساعد تدريجياً على إزالة تراكمات المراحل السابقة.

يبدو الرئيس الشرع دقيقاً في حساباته العراقية، فيما الرئيس السوداني يُظهر مزيداً من جرأته بخطوات محسوبة. يُمسك الأول بقراره السيادي، أما الآخر فيعزز سيادة الدولة على قراراتها الاستراتيجية. والاثنان معاً يدركان أن استقرار العراق محكوم باستقرار سوريا، وأن سقوط نظام الأسد هو المكمّل لسقوط نظام صدام حسين، وأن استقرار العراق كان مستحيلاً قبل سقوط الأسد، الذي يعني رحيله للعراقيين والسوريين وقف مرور «الجهاديين» إلى العراق، ومنع تصدير الميليشيات إلى سوريا، وبأن الفرصة الآن حاضرة من أجل الانتقال إلى مرحلة مختلفة بينهما.

عبّر الرئيس الشرع عن المشتركات الاستراتيجية بين البلدين والشخصية مع الرئيس السوداني، ووصفه بالرئيس المؤسساتي القادر على اتخاذ القرار وتنفيذه، وهنا يمنح الشرع داخل سوريا شرعيةً سياسيةً وغطاءً وطنياً في علاقته مع بغداد، إذ يتعامل مع رجل دولة، وهو بذلك يريد أن يعكس صورة سوريا الجديدة أمام العراقيين والعرب.

بالنسبة إلى السوداني، فإن القيادة السورية الجديدة تعترف بالحكومة العراقية شريكاً إقليمياً، وتمنح العراق دوراً محورياً في محيطه العربي والإقليمي، ورسمت صورةً شخصيةً للسوداني بأنه شريك استراتيجي لسوريا الجديدة. فهذا المستجد عراقياً في العلاقة بين بغداد ودمشق، وبين السوداني والشرع، يصفه متابع عراقي للملف من زاوية عراقية بأن حديث الشرع عن السوداني يمثل حالة قوة للأخير تؤكد قوة موقعه في تركيبة السلطة. الأمر الذي ظهر في الاستجابة الإيجابية الشعبية والنخبوية العراقية لموقف الشرع، وبأن السوداني بات يشكّل حلاً لمعضلات ومشكلات كبيرة. ويضيف أن الملاحظة الأبرز هي خفوت الأصوات المعارضة للسوداني والمعادية للشرع، التي تتراجع سرديتها الآيديولوجية والسياسية لصالح الدولة ومصالحها الاستراتيجية.

وعليه، افتتح الرئيسان بوابة عبور دمشق نحو عمقها العربي الخليجي، ووصول بغداد إلى شواطئ شرق المتوسط من خلال مسار تطبيع يتجاوز الماضي بكل آلامه ونكباته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرع ــ السوداني ومسار التطبيع المؤسساتي والشخصي الشرع ــ السوداني ومسار التطبيع المؤسساتي والشخصي



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib