“ليالي العصفورية”
وصول الرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة ترامب يعلن مقاطعة قمة العشرين في جنوب إفريقيا بسبب ما وصفه بسوء معاملة المزارعين البيض ويؤكد استضافة قمة 2026 في ميامي اليونيفيل تؤكد أن استمرار الغارات الإسرائيلية يعرقل جهود التهدئة جنوب لبنان وتحذر من تداعيات التصعيد العسكري على الأمن الإقليمي عشرات الفلسطينيين يُصابون بالاختناق جراء استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي للغاز السام في قرية سالم شرق نابلس شرطة لندن تحقق مع الأمير أندرو وزوجته السابقة سارة فيرجسون بتهم سوء السلوك المالي وقد يواجهان مغادرة المملكة المتحدة والسجن غارة إسرائيلية على جنوب لبنان توقع قتيلاً وأربعة جرحى مصر تعلن عن كشف غاز جديد في الصحراء الغربية امرأة تتعرض للطعن في هجوم غامض بوسط برمنغهام تعطل طائرة وزير الخارجية الألماني يجبره على تعديل رحلته إلى قمة الاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية وزارة الصحة اللبنانية تعلن إرتفاع حصيلة الإصابات في استهداف مسيّرة إسرائيلية سيارة بصاروخين بمدينة بنت جبيل في جنوب البلاد إلى 7 أشخاص
أخر الأخبار

“ليالي العصفورية”

المغرب اليوم -

“ليالي العصفورية”

بقلم - جمال بودومة

إذا مررت من معرض الكتاب في الدار البيضاء، توقف قليلا عند رواق “دار الآداب”، ولا تتردد في شراء آخر روايات واسيني الأعرج: “مي، ليالي إيزيس كوبيا- ثلاثمئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية”… لن تندم، رغم أن الندم موجود بوفرة بين ثنايا الكتاب. مي زيادة، وردة الأدب العربي في بداية القرن العشرين، تذبل بين صفحات الرواية وتأكل أظافرها حسرة، لأنها تركت الأحاسيس تقودها وسط الغابة التي تسمى “الحياة”، بدل تحكيم العقل، والانتباه إلى الذئاب التي تتربص بامرأة متحررة في ليل الشرق البهيم. استيقظت ذات صباح ووجدتهم جردوها من كل شيء، حتى من عقلها، وأدخلوها إلى مستشفى المجانين، لأن ذكاءها جَرح كبرياءهم، وأنوثتها خدشت ذكورتهم!
الذئب الأكبر اسمه جوزيف زيادة، ابن عمها الذي أحبته وضحك عليها. استغل ضعفها بعدما فقدت والديها، واحدا تلو الآخر، وجعلها توقع وثيقة تنازل عن كل ما تملك، ثم أرسلها إلى “العصفورية”، النسخة اللبنانية من “برشيد”. أما الكتاب والمثقفون والمفكرون، الذين ظلوا يرتادون صالونها الشهير في القاهرة، فقد تصرفوا معها مثل بنات آوى. نكتشف أن العقاد والرافعي وطه حسين وسلامة موسى… شخصيات مصابة بالانفصام، تسقط عنها الأقنعة. الميدالية الذهبية للعقاد الذي كان يشتهيها ويغار من جبران خليل جبران، الحبيب البعيد الذي ربطته بمي علاقة أفلاطونية، لم تتجاوز حدود المراسلة، وانضاف موته (1931) إلى رحيل والديها (1929 و1932)، كي يدخلها في كآبة حادة، جعلتها فريسة سهلة للاحتيال، وحين تعرضت للغدر وأدخلت مستشفى المجانين، لم يتردد مؤلف “سارة” في نهش لحمها مع الناهشين!
الرواية تقتفي أثر مخطوط حقيقي، حكت فيه الكاتبة التي وقعت باكورة أعمالها باسم “إيزيس كوبيا”، معاناتها في المصحة العقلية، وسمته “ليالي العصفورية”. لم يعثر عليه أحد، ولا يُعرف مصيره. واسيني الأعرج ينجز عملا خطيرا: يكتب المخطوط الضائع، يعيد صياغته كلمة كلمة، جملة جملة، زفرة زفرة، في سرد يقطع الأنفاس. نكاد نصدق ياسين الأبيض، محقق المخطوط، الذي لم يترك بلدة لم يزرها بحثا عن “ليالي العصفورية”، رفقة صديقته روز خليل، الأستاذة في جامعة مونريال. من القاهرة إلى الناصرة، مرورا ببيروت والقرى الصغيرة التي عاشت فيها صاحبة “ابتسامات ودموع”. في النهاية، نكاد نصدق أن إيزيس كوبيا هي من كتبت المخطوط. على امتداد 280 صفحة نتابع وردة الحداثة العربية وهي تذبل، إلى أن تسلم الروح إلى باريها في مستشفى “المعادي” بالقاهرة. ورغم شهرتها وصالوناتها وصداقاتها، لم يمش في جنازتها إلا ثلاثة من الأوفياء، لطفي السيد وخليل مطران وأنطوان الجميل…
نجح واسيني في استعادة محنة مي، في أيامها الأخيرة، مع الجحود وظلم ذوي القربى. جعل منها نسخة عربية من كاميي كلوديل، وربط بين النحاتة والكاتبة من خلال مراسلات مؤثرة بين ضحية رودان في فرنسا وضحية جوزيف في لبنان. في الإنسان وحش واحد، والكثير من الحب والمرارة والخذلان.
جزائري يكتب مأساة مشرقية. واسيني أتقن “الخدعة”، وكدت شخصيا أصدق أن المخطوط حقيقي، لولا أن هناك لفظا مغرقا في المحلية فضح “اللعبة” في الصفحة 159: “كأنهم طلبة تخصص طب، في حالة تربص، إذ بدت لي الكثير من أسئلتهم سخيفة وغبية”. يصعب أن نتخيل كاتبة لبنانية في الثلاثينيات من القرن الماضي تستعمل لفظة “تربص” كمرادف لـ”التدريب” أو “Le stage”… مع ذلك، استطاع صاحب “البيت الأندلسي” أن يشطب الحدود بين الشرق والغرب، ويكتب بلغة سلسلة وعفوية، تزاوج بين المحكية اللبنانية والفصحى والفرنسية أحيانا، وحقق الأهم: جعلنا نفهم لماذا أخطأ العرب موعدهم مع “الحداثة”، ونحن نتابع المصير المأساوي لأيقونة الأدب العربي في النصف الأول من القرن العشرين، الكتّاب الذين يتبجحون بالثورة على التقاليد، وتحطيم الموروث، وتحرير المرأة، لا يترددون في التعامل مع مبدعة رقيقة بمنتهى النذالة والخسة والانتهازية. شخصيات مصابة بالانفصام يعريها الروائي على لسان مَي زيادة. إنها “الحداثة النفعية”، بتعبير واسيني، التي يروّجون لها مادامت تنفعهم، وبمجرد ما تصطدم مع مصالحهم يستيقظ فيهم الرجل التقليدي بعباءته وعمامته ورجعيته. الرواية تؤكد، أيضا، أن الصحافة العربية لم تغادر المستنقع إلا نادرا، إذ تنافست جرائد الحقبة في التشهير بالكاتبة ونسج الأساطير حول “جنونها”، دون أن تتجشم عناء التقصي، باستثناء جريدة “المكشوف” التي آمنت بقضية صاحبة “كتاب المساواة” ودافعت عنها حتى النهاية، مثلما وقف معها الكاتب أمين الريحاني بصدق وشهامة، في وقت خذلها معظم المثقفين المصريين، الذين كان لها ارتباط وثيق بهم لأنها عاشت في مصر وحصلت على جنسيتها أيام كانت القاهرة فعلا قاهرة!
عندما تفرغ من قراءة “ليالي إيزيس كوبيا”، اعطها لطفلك أو أخيك الأصغر، لعله يكتشف أخيرا أن مي زيادة ليست مجرد مدرسة أو إعدادية مجاورة، وربما عرف بالمناسبة أن “مَي” تنطق بالفتحة وليس بالشدة والكسرة على الميم: “مَيْ” زيادة وليس “مِّي” زيادة… لأنها لم تكن أما لأحد!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

“ليالي العصفورية” “ليالي العصفورية”



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:46 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أفغانستان تؤكد فشل جهود السلام مع باكستان
المغرب اليوم - أفغانستان تؤكد فشل جهود السلام مع باكستان

GMT 19:34 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

نقيب الموسيقيين يطمئن جمهور محمد منير على صحته
المغرب اليوم - نقيب الموسيقيين يطمئن جمهور محمد منير على صحته

GMT 13:10 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تاكايشي تعتزم خفض رواتب الوزراء في اليابان
المغرب اليوم - تاكايشي تعتزم خفض رواتب الوزراء في اليابان

GMT 11:32 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مطاعم إندونيسية تستقطب السياح بأكلات سعودية

GMT 15:54 2013 الثلاثاء ,05 آذار/ مارس

أثاث يشبه عش الطائر يكفي 3 أشخاص للنوم

GMT 00:00 2015 الأحد ,14 حزيران / يونيو

طريقة عمل اللبنة

GMT 14:36 2014 الأربعاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الأسرة الملكيّة تحتفل بذكرى ميلاد الأميرة للا حسناء الأربعاء

GMT 13:51 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

انتحار تلميذة قاصر بسم الفئران في سيدي بنور

GMT 01:57 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

فيليسيتي جونز تطلّ في فستان ذهبي نصف شفاف

GMT 20:13 2013 الجمعة ,24 أيار / مايو

كتاب "رأيت الله" لمصطفى محمود
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib