«بيعة» و «شرية»

«بيعة» و «شرية» !

المغرب اليوم -

«بيعة» و «شرية»

جمال بودومة
بقلم: جمال بودومة

كي نفهم جذور الأزمة بين المغرب والجزائر، علينا أن نعود إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر، حين وصل التوتر مداه بين السلطان مولاي عبدالرحمان والأمير عبدالقادر. العلاقة بين الرجلين تشبه العلاقة بين ياسر عرفات والحسين بن طلال، في سبعينيات القرن العشرين، عندما جعل الزعيم الفلسطيني من الأردن قاعدة لشن هجماته على إسرائيل، وبدل أن يحرر فلسطين، أصبحت أراضي المملكة الهاشمية مهددة، مما تسبب في حرب ضروس بين مقاتليه وبين الجيش الأردني، وصلت ذروتها في «أيلول الأسود».

سقوط مدينة الجزائر بيد الفرنسيين عام 1830، كانت تعني بالنسبة إلى البلاط المغربي، نهاية حكم الأتراك، قبل كل شيء، لذلك رأى فيها البعض مناسبة ذهبية لاستئناف سياسة المولى إسماعيل في تلمسان، لكن السلطان كان متحفظا، لأنه يدرك أن السياق تغير، والعواقب يمكن أن تكون وخيمة. المشكلة جاءت من تلمسان نفسها، حيث استجار أهلها بالسلطان، معلنين رغبتهم في الدخول تحت حمايته. رفض مولاي عبدالرحمان بيعتهم في البداية، لكنه أصيب بالإحراج عندما حاججوه بمقتضيات الشرع، واضطر إلى القبول، ليتبين في النهاية أنها كانت «بيعة وشرية»، بكل ما تعنيه الكلمة!

حين وصل ابن عم السلطان، علي بن سليمان، على رأس كتيبة عسكرية إلى تلمسان، اكتشف أن الأتراك يرفضون بيعة مولاي عبدالرحمان، ودخل معهم في مواجهة مفتوحة، مما أغرق البلد في الفوضى، ووقع ما خشيه السلطان، الذي انتهى بأن نفض يديه من «المشروع الجزائري»، وتعهد للفرنسيين بالتزام الحياد. مع ذلك، استمر في مد الأمير عبدالقادر بالسلاح والعتاد، مادام يقاتل من داخل التراب الجزائري. عندما اشتد الخناق على الأمير، لجأ مع رجاله إلى المغرب، وجعله قاعدة لهجماته ضد الجيش الفرنسي، بمشاركة كثير من المغاربة، الذين استمالهم باسم الجهاد، مما وضع السلطان في مأزق، خصوصا أن «فائدة حربه كانت تظهر في قتل النفوس واستلاب الأموال. وفائدة حرب الفرنسيس كانت تظهر في انتقاص الأرض والاستيلاء عليها، وشتان ما بينهما!» كما يشير الناصري في «الاستقصا»، بغير قليل من الغضب، مضيفا أن الأمير شرع في التحريض على السلطان، وبذلك تحول من مجاهد إلى «فتان»!

في غشت 1844، أعلنت فرنسا الحرب على المغرب، بسبب احتضان المملكة للأمير عبدالقادر. وجد السلطان نفسه أمام الأمر الواقع، وعين ابنه محمد على رأس جيش قوامه أربعون ألفا، تحرك في اتجاه منطقة إيسلي، على الحدود مع الجزائر. عبدالقادر الذي كان يشارك في القتال بخمسمائة فارس، لم تعجبه الخطة العسكرية التي يريد محمد بن عبدالرحمان أن يدير بها دفة المعركة، وعبر له عن تحفظاته: «ليس من داع لكل الخيام والأثاث والستائر المنشورة أمام العدو، لأنها تحدد له أهدافا حربية وتسهل مأموريته!» رغم أن رأي الأمير كان سديدا، فإن انعدام الثقة بينه وبين المخزن، جعلت كلامه يدخل من أذن ويخرج من أخرى. لكن سبب هزيمة إيسلي هو نوم قائد الجيش، الأمير محمد بن عبدالرحمان. الليلة التي تسبق هجوم الفرنسيين، وصل رجلان من سكان المنطقة، التي يرابط فيها جنود السلطان، كانا يتلفتان وراءهما بحذر، ويفتشان عن خيمة الحاجب السلطاني، سيدي الطيب اليماني. حين فتح لهما باب خيمته، أبلغاه أن العدو سيهجم خلال ساعات، وترجياه أن ينقل الرسالة بسرعة إلى الخليفة. رد عليهما الحاجب ممتعضا: «مستحيل، القائد نائم ولا أستطيع إيقاظه!». ويبدو أن هناك علاقة وطيدة بين النوم والهزيمة. القصة نفسها وقعت، بعد قرن تقريبا، عندما بدأ إنزال الحلفاء في النورمندي عام 1944، كان هتلر نائما ولم يستطع أحد إيقاظه. عندما استفاق وجد العدو على مشارف برلين!

حين اندلع القتال، ركب الخليفة فرسه، بعدما ارتدى طيلسانا أرجوانيا، ومظلة مخزنية فوق رأسه، مما جعله هدفا سهلا للعدو. لم يدرك خطورة الموقف إلا عندما سقطت قذيفة بالقرب منه، مما جعله يتخلى عن المظلة والطيلسان، ويذوب وسط الجنود. المشكلة أن ذلك أدى إلى نتيجة أخرى لا تقل مأساوية: حين لم يعد الجنود يرون خليفة السلطان، بزيه المميز، اعتقدوا أنه قتل، وبدل الاستمرار في الحرب، تفرغوا لنهب الخزينة. أصبحوا يتقاتلون فيما بينهم حول المال، وعمّت الفوضى، ولم يستطع الخليفة أن يصنع أي شيء، سوى الاستسلام للهزيمة. لذلك، قال الناصري في «الاستقصا» عن تلك المعركة المشؤومة: «ولم يهزم المسلمين إلا المسلمون!».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بيعة» و «شرية» «بيعة» و «شرية»



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم
المغرب اليوم - اسرائيل تعتمد خطة من ثلاث مراحل للهجوم على مدينة غزة

GMT 22:13 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

"الرجاء" يخصص ملعب نجم الشباب لمنح بطاقات الاشتراك

GMT 09:54 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

طبيعة علاقة الأحفاد بأجدادهم تحدد مواقفهم من كبار السن

GMT 02:04 2016 الأربعاء ,08 حزيران / يونيو

زيت كبد سمك القد و السكري Cod Liver Oil

GMT 12:38 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

العجلاني يحذر المغاربة من الاستخفاف بمنتخب إيران

GMT 08:29 2016 الثلاثاء ,02 آب / أغسطس

العاهل المغربي والانتخابات

GMT 08:42 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

3 سيناريوهات تنقذ أنجيلا ميركل من أزمة إنقاذ المصير

GMT 13:59 2014 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

بر جدة تكرم 70 يتيمًا نظير تفاعلهم مع أنشطة دار الفتيان

GMT 12:02 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

ميني كيكه التمر بصوص الحلاوه الطحينيه

GMT 00:11 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

العربي القطري يرغب في التعاقد مع لاعب الزوراء إبراهيم بايش

GMT 00:45 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

بدر بانون وجواد الياميق يلتحقان بتدريبات الرجاء

GMT 08:22 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قصي خولي لم يكشف كواليس الحادث الذي تعرض له أخيرًا

GMT 13:30 2013 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

بركان ينفجر في روسيا ويقذف حممه بارتفاع 200 متر

GMT 22:58 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

اكتشاف صدع عملاق نادر في صحراء أريزونا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib