الرِّينْيُو

الرِّينْيُو

المغرب اليوم -

الرِّينْيُو

بقلم : رشيد مشقاقة

التصقت كلمة “الرينيو” بذاكرة الطفولة، فمن أجل تأسيس فريق الحي أو استعدادا لمباراة كرة القدم التي نخوض غمارها صبيحة كل يوم أحد، كنا نجتمع بمنزل أهل أحدنا لتقسيم الأدوار وتقلد المسؤوليات ومناقشة الميزانية، وكان سكان الحي ينتظرون منا الكثير، وقد بلغت درجة تشجيع أحدهم لنا أن انتظر انتهاء خطيب الجمعة من كلمته بالمسجد الكبير فوقف مكانه يحث الجيرة على مساعدة فريق الحومة، فالرياضة من الإيمان والعقل السليم في الجسم السليم!

وقد ألفنا – نَحْنُ الأطفال – أن نقبل بخروج نتائج “الرينيو” عن قواعد الشفافية والمنهجية الديمقراطية ومبدأ الكفاءة، لأننا فقط كُنَا نقضي سُويعات من المتعة واللهو البريء!

تَحْدُثُ في “الرينيو” غرائب وعجائب ظلت راسخة بذاكرتنا إلى اليوم أذكر منها:

ـ اللاعبون الدائمون: وهم أربعة، لا يجيدون لُعبة كرة القدم، لكن لا يمكننا أن نمارسها بدونهم، أَوَّلُهُم: اللاعب الذي ألف أن يستضيفنا ببيت أهلهِ وأرغمنا على قبوله ضمن تشكيلة الفريق، فعائلة الطفل قدمت المنزل والحلوى والشاي والمشروبات، ومِنْ بَابِ عدم اللياقة ألا يكون حَامِلا رقم “9” داخل رُقْعَةِ المَلْعَب، وثَانِيهم مالك الكرة، وبِدُونِهَا لا يمكننا أن نلعب وأخشى مَا نخشاه أن يغضب ويحرمنا من المباراة، وغالبا ما كُنا نُعَسْكِرُ بباب منْزِلِه رَيْثَما يتهيأ للخروج إلينا بِكُرَتِه، وهو حَريصٌ كل الحرص أن يلعب المباراة كاملة، ولا نقوى على إخراجه وإلاَّ أَخْرَجَ معه كُرَتَهُ، وقد أصيب مَرَّةً في الشوط الأول من المباراة، فحمل معه كُرَتَهُ وتركنا جالسين القرفصاء بالملعب!

وثالثهم وَهُوَ الأجير الصغير الذي لم يفلح في الدراسة، فأصبح نجاراً صغيراً يتقاضى أجرة أسبوعية يقتطع منها مبلغا يُساعد بهِ الفريق، وكنا في أمس الحاجة إليه، فإذا لم يدخل رقعة الملعب خرجت الأجرة من مالية الفريق!

أما حامي حِمَى الحي، الطفل المشاكس القوي المنتمي إلى أفراد أسِرة جانحة فهو رابع اللاعبين، فلا غنى عنه ضمن تشكيلة الفريق وإلاَّ كَسَّرَ الأعمدة وفَرْقَعَ الكرة!

هؤلاء الأعضاء الدائمون في تشكيلة فريق الحي، أسسوا داخل “الرِّينيُو” فريقاً من الأنصار جُلُّهُمْ من المتملقين الماكرين!

فأصبحنا أمام لوبي غير مباشر يُمَارِسُ عبر الأعضاء الدّائِمين ضُغُوطَهُ لِيَلْعَبَ المباراة بشوطيها دُونَ أن يكون مُؤَهَلا لذلك!

ورضينا نحن بالقليل، كُنَا فقط نلهو، ومن اللّهو أن نَغُضَّ الطرف عن هذه الخروقات، على أنه غالبا ما كانت تحدث أزمات خانقة نقف أمامها حائرين وَمنها:

ـ أحيانا لا يلذ الطفل منا أن يطالب زميله بإرجاع الحذاء الرياضي الذي أعاره إياه إلاّ أثناء المباراة من باب الإحراج والعَنَت، فيضطر المسكين إلى إتمام المباراة حافي القدمين أو يدخل المعير مكانه بدون خجل ولا حياء!

ـ وقد جمعنا مبلغا ماليا بسيطا ثُمَّ كلفنا رئيس النادي آنذاك بأن يشتري لنا الألبسة الرياضية، فاسْتَغَل مُنَاسَبَة عيد الفطر، واشترى بالمبلغ سروالا رمادي اللون، pas d’elephant، وظهر أمامنا بعضلاته المفتولة ولا أحد قَوِيَ على مطالبته بإرجاع المال العام!

فَاسْتَبْدَلْناهُ بأسوأ منه، هذا الأخير اشترى من مالنا لَهُ فقط لباسا رياضيا كاملا يحمل رقم” 5″، وَكَانَ يجري أمامنا ونَحْنُ نَلْهَثُ وراءه بسراويلنا وَنِعَالِنَا البلاستيكية!

ـ وقد ظفرنا في إحدى المباريات بكأس بلاستيكي مزركش اللون، فاستعملته أُمُّ رئيس الفريق في أواني المطبخ وقدمته لضيوفها، فلّما ألحَحْنَا على إرجاعه ذات صباح، رمى به الرئيس على الجدار، فَتَكَسَّرَ عَنْ آخره، فَلُذْنَا بالفرار!

الآن، لا أجد أي اختلاف بين ما نعقده نحن الكبار من اجتماعات مصيرية، وَبَيْنَ “الرينيو” البريء الذي نظمناه زمن الطفولة، آنذاك كنا نلهو، الآن نحن عن سبق إصرار وترصد نَخْرِقُ كل الثوابت ونحابي حملة الأكياس والمحافظ وماسحي الأحذية وقطاع الطرق.

آنذاك كُنَّا نَخْسِرُ الرهان ونقلق لبعض الوقت: قلقا بريئا ضاحكاً ثم نعود إلى اللّعِبِ، الآن احترف الهواة من الأطفال الأربعة السالف ذكرهم ” لعبة الرينيو” واكتسحوا رقعة الملاعب !

عندما أسمع عن اجتماع سينعقد أو أعَايِنُهُ عبر التلفاز، يَقْفِزُ إلى ذاكرتي “رينيو” الطفولة بمناسباته وقوالبه، فلا أجد بينهما أي فرق، فقط كنا نتعرض للتأنيب من أهالينا بسبب تأخرنا ليلا “بالرينيو” !

اجتماعات اليوم لا أحد يُؤنّب أو يعاقب أحدا!

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرِّينْيُو الرِّينْيُو



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 19:44 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”
المغرب اليوم - فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib