هل قلتم علمانية

هل قلتم علمانية؟

المغرب اليوم -

هل قلتم علمانية

بقلم - حسن طارق

خلال الأسبوع ما قبل الماضي أصدر عمدة مدينة فرنسية قرارا بلديا، أصبحت معه إدارة المطاعم المدرسية مجبرة على جعل، كل يوم اثنين، لحم الخنزير وجبة وحيدة داخل المطاعم التابعة لمدارس المدينة.
وكان هذا القرار قد أثار الكثير من الجدل حول إلزام التلاميذ بوجبة واحدة، محتواها لحم خنزير، بعدما كان يتيح في السابق وجبات بديلة للأطفال الذين يمتنعون عن أكله.
وتبعا للعمدة “جوليان سانشيز”، حسب ما ورد في تفاصيل الأخبار، فإن على من يتبعون عادات غذائية “خاصة”، سواء تعلق الأمر بالمسلمين واليهود أو بالنباتيين، أن يتجهوا صوب “بدائل” لم يحددها.
حكايات العلمانية الفرنسية تكاد لا تنتهي، من ذلك ما تابعناه مثلا في الصيف ما قبل الماضي، من صور لعناصر الشرطة بكامل لباسها النظامي، وهي تطرد خارج شاطئ فرنسي نساء اخترن زيًّا مختلفا للسباحة.
ليس هناك نموذج واحد للعلمانية في التطبيقات التاريخية. لكن المؤكد أن “اللائكية” الفرنسية تبقى إحدى صيغتها الأكثر حدّية.
تقدم العلمانية نفسها كامتداد طبيعي للفكرة الديمقراطية، حيث تصبح نتاجا لتحولات الفكر السياسي الحديث وهو يتجاوز نظريات الحق الإلهي في بناء الشرعية، ويحول الاجتماع السياسي إلى موضوع بشري ومسألة وضعية مرتبطة بإرادة الناس وباختيارات المواطنين .
وهنا، فالأصل في العلمانية، حماية الطبيعية البشرية والإنسانية للمجال العمومي، والفصل بين المقدس وبين “السياسي” .
وهذا ما يتطلب دولة مدنية تعتمد حيادا دينيا للسلطة، حيث العلاقة بينها وبين المواطنين، علاقة مبنية على المواطنة والقانون، ولا مجال داخلها لمفاضلات مبنية على الاختيار العقدي والديني.
في الحالة الفرنسية، ولأسباب تاريخية يمكن الرجوع إليها، تكاد العلمانية تصبح نقيضها الفكري، وتكاد تتحول إلى “دين جديد” يبسط هيمنته على الفضاء العمومي، وشيئا فشيئا تصبح ذلك “المقدس”، الذي أرادت القضاء عليه ونفيه إلى مكانه الطبيعي بين الفرد والوجود .”مقدس” له كهنته وطقوسه ومؤمنوه، وله، كذلك، الخارجون عن صراطه.
تصبح العلمانية “دينا” جديدا، عندما تفرض الدولة وجبة واحدة داخل المدارس، وهي تعرف أن الكثير من التلاميذ لأسباب دينية لا يتناولونها، وعندما تفرض الدولة زيا واحدا للسباحة، وهي تعرف أن الكثير من مواطنيها ذوي ديانات معينة لديهم موقفا من تلك الوجبة أو ذلك الزي.
ماذا يتبقى من الحرية والعلمانية، عندما تقدم الدولة على اقتحام منطقة الاختيارات الفردية، وفرض مقاساتها وتفاصيلها في اللباس والتغذية والجسد؟
ما تفعله الدولة في هذه الحالات، ليس- بقليل من المبالغة – سوى الوجه المقابل لما يمكن أن تفعله، في جغرافيا بعيدة، شرطة الآداب العامة، في مجتمع متخلف تنمحي فيه الخصوصيات الفردية أمام الشمولية الأخلاقية للدولة الدينية .

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل قلتم علمانية هل قلتم علمانية



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح

GMT 12:05 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ميسي يعلن أنه لن يلعب لأي فريق أخر في أوروبا

GMT 13:40 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

الرجاء يخوض منافسات كأس الكاف بقميص جديد

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الوردي والذهبي مع الباستيل آخر صيحات موضة 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib