أحزاب ما بعد 4 شتنبر

أحزاب ما بعد 4 شتنبر

المغرب اليوم -

أحزاب ما بعد 4 شتنبر

حسن طارق

في الآثار السياسية لاقتراع 4 شتنبر، بدا واضحا أن العدالة والتنمية وهو يحقق فوزه السياسي البَيّـن، لم ينتصر فقط، على الذين راهنوا على تحويل هذه الانتخابات المحلية الى فرصة لمعاقبته سياسيا، ولكنه في الواقع انتصر، أساسا، على جزء من استراتيجية هندسة وضبط الحقل الانتخابي داخل المدن والحواضر الكبرى، والتي تقوم على فرضية محاصرة وتحجيم النفوذ السياسي للإسلاميين، وذلك اعتمادا على فعالية نموذج «مقاولي الاحتراف الانتخابي» المُكونين من بروفايل خاص لأعيان حضريين بمواصفات جديدة.
وهو الانتصار نفسه الذي حققه هذا الحزب في مواجهة الفكرة المركزية للنظام الانتخابي ولنمط الاقتراع اللائحي بالمدن، والتي كانت، قبل هذا الاقتراع، تنهض – نظريا- على افتراض استحالة أو صعوبة حصول حزب واحد على الأغلبية المطلقة لمقاعد المجلس الجماعي.
من جهة أخرى، كان من تداعيات هذا الاقتراع، وكل المسلسل الانتخابي الذي تلاه، وصولا الى اختيار رئيس مجلس المُستشارين، إطلاق النقاش والتفاعل المرتبطين بإعادة بناء مشهد حزبيٍ، وضعته هذه الانتخابات في قلب التحولات المتسارعة.

لقد كان التقاطب أغلبية/معارضة مُهيكلا لكل الحملة الانتخابية، ليَصمد بعد ذلك – نسبيا- بشكل غير مسبوقٍ في لحظة بناء التحالفات المُشكلة لمكاتب ورئاسات الجماعات المحلية، قبل أن تبرز معالم هشاشته في لحظة انتخاب رؤساء الجهات، لنصل إلى محطة انتخاب رئيس مجلس المستشارين، التي ستبصم على انهيار تحالف المعارضة، وفي الوقت نفسه على الهشاشة القصوى لتحالف الأغلبية السياسية.
الخطابات التي تتناول إعادة البناء هذه، تتوزع بين الحديث عن ثنائية حزبية صاعدة، وبين تحيين مطلب الكتلة التاريخية، دون أن نغفل فكرة بناء الطريق الثالث.
ذلك أن بعض الانتصارات الرمزية والمحدودة لفيدرالية اليسار الديمقراطي، قد أنعشت الأمل في بناء طريق وخيار ثالث ديمقراطيٍ ويساري ومستقل عن الدولة، يقف على المسافة نفسها بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية.
لكن قبل ذلك، لا شك، أن خطاب الثنائية الحزبية (أصالة ومعاصرة/ عدالة وتنمية) قد تميز بكثير من التّسرع والاستسهال وهو يقدم توصيفا استباقيا لما سيكون عليه المشهد الحزبي لما بعد شتنبر 2015، ذلك أن النظام الانتخابي المغربي، لن يسمح في النهاية بالمرور السريع والمباشر إلى اختزال التعددية الحزبية في قوتين سياسيتين فقط، وإن كان التفاعل والتقاطب بين هاتين القوتين سيستمر في إنتاج آثاره المُهيكلة على كل المشهد الحزبي.
إذ إن الحرص على التكوين القسري لقطبين سياسيين يمهدان لثنائية مطلوبة، كأفق مستقبلي للعمل الحزبي، يعد رهانا أساسيا للنظام السياسي، على النحو الذي قدّمه المُفكر والأستاذ كمال عبد اللطيف، في مقاله الأخير المنشور الجمعة الماضية في هذه الجريدة.

من جهة أخرى، فإن إرهاصات إعادة تموقعٍ سياسيٍ جديد لحزب الاستقلال، تجاه التجربة الحكومية، وأساسا تجاه حزب العدالة والتنمية، والتي تعززت بالتأويل الذي أُعطي لنتائج انتخابات رئيس مجلس المستشارين، سمحت بعودة الحديث عن مطلب «الكتلة التاريخية».
وإذا كان هذا المفهوم، كما طرحه في السابق الفقيد محمد عابد الجابري، يعني بالأساس اصطفافا للإسلاميين واليساريين في معركة البناء الديمقراطي، وليس بناء قطب محافظ، يجمع العدالة والتنمية مع حزب الاستقلال، مُعتمدا على عديد من العناصر المُشتركة برنامجيا وإيديولوجيا.
ولذلك، فمفهوم «الكتلة الديمقراطية»هنا يبدو مجرد استعارة للتعبير عن رغبة في بناء فرز سياسيٍ على قاعدة استقلالية القرار الحزبي من عدمه، وهو ما من شأنه إحياء الثنائية القديمة بين الأحزاب الوطنية والديمقراطية وأحزاب الإدارة.

وهنا من اللافت الإشارة إلى ما طرحه الأستاذ أحمد الخمسي في عموده بالعدد الأخير من أسبوعية «الأيام»، من أنه لم يعد كافيا العودة إلى التحالفات «الطبيعية» الفارقة بين أنصار الملكية التنفيذية بأي ثمن، وبين أنصار التدرج المعقول نحو الملكية البرلمانية التي تنسجم مع العصر، بل أصبح تفكيك «البام» والفصل بين أطره اليسارية والمرغمين على الخضوع للداخلية من الأحزاب الإدارية السابقة أمرا مرغوبا، مما سيوفر لمثلث التيارات الإيديولوجية الثلاثة: الليبرالية واليسارية والأصولية وضعا طبيعيا.

أي من هذه الفرضيات سيُكتب لها أن تُهيكل المشهد الحزبي الجديد، لما بعد محليات 2015؟ لا أحد يملك الجواب. لكن المؤكد أن ارتدادات زلزال 4 شتنبر تحمل كثيرا من المفاجآت المقبلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحزاب ما بعد 4 شتنبر أحزاب ما بعد 4 شتنبر



GMT 12:24 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

«هزيمة» أم «تراجع»؟

GMT 12:23 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة إوهام إيران والإخوان

GMT 12:22 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

رجل لا يتعب من القتل

GMT 12:21 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

عصر الترمبية

GMT 12:18 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

السعودية وهندسة تبريد المنطقة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

قراءة لمسار التفاوض بين واشنطن وطهران

GMT 12:16 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

على رُقعة الشطرنج

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 08:42 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

لبعوض يقض مضاجع ساكنة مدن مغربية

GMT 22:51 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مولدافيا

GMT 15:54 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

الشلقاني تفوز بعضوية المكتب التنفيذي لاتحاد البحر المتوسط

GMT 08:48 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إعصار "مايكل" يسبب خسائر كبيرة في قاعدة "تيندال" الجوية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib