نهاية المسألة الاجتماعية

نهاية المسألة الاجتماعية

المغرب اليوم -

نهاية المسألة الاجتماعية

حسن طارق

شكلت حالة دينامية 20 فبراير، عودة مشهدية للاحتجاج ذي الطبيعة السياسية، التقت خلالها شعارات للتعبئة ومطالب بسقف سياسي ومؤسساتي، مع استراتيجية استثمار الشارع ومع محيط إقليمي مُحفز. وإذا كانت الأجوبة السريعة والفعالة التي قدمها النظام السياسي على المستويات الدستورية والانتخابية والاجتماعية، قد أسهمت في خُفوت الاحتجاج السياسي، فإن دورة احتجاجية جديدة مرتبطة بالسياسات العمومية، قد انطلقت دون أن ترهن نفسها بالزمن السياسي وبأجندته، ذلك أن فاعلي الجيل الجديد من «الاحتجاج» لا يأبهون كثيرا بالشعارات السياسية، بقدر ما يبلورون استراتيجياتهم الميدانية، تفاعلا مع قضايا محلية ملموسة (تنسيقيات مواجهة غلاء فواتير أمانديس بطنجة)، أو مع قضايا مطلبية فئوية (تنسيقيات الطلبة الأطباء/الأطباء الداخليون والمقيمون / تنسيقية الأساتذة المتدربين)، وهم في ذلك يستطيعون تعبئة الكتلة الحرجة من المستهدفين، ما يمنح تظاهراتهم طابعا جماهيريا حقيقيا، مع إبداع أشكال احتجاجية غير مسبوقة، مستثمرين في ذلك وسائط التواصل الاجتماعي وسهولة الولوج إلى الفضاء العمومي، ومعتمدين على صيغ ديمقراطية في إنتاج القرار (تقنية الجموع العامة مثلا)، مع بنيات قيادية ذات طابع تنفيذي متميزة بالمرونة والابتعاد عن المركزية.

إن صعود الاحتجاجات الكبرى المرتبطة بالقضايا المحلية أو الفئوية، مقابل ضمور التعبئة الوطنية حول قضايا اجتماعية مهيكلة، بعضها مطروح للنقاش، مثل سياسة التقاعد أو تفكيك منظومة الدعم العمومي للمواد الأساسية، لابد أن يسمح بالتقاط إحدى المفارقات الأساسية للمرحلة، ويدعونا جيدا إلى التأمل في المفهوم الذي نحته المفكر [آلان تورين]، وهو يتحدث عن «نهاية المجتمع»، وهو ما يعني، كذلك، نهاية للمسألة الاجتماعية، كمحدد مركزي للتقاطبات السياسية والفكرية، وكمنظومة منسجمة من التمثلات المتكاملة حول مختلف أبعاد ومستويات الحياة الاجتماعية، وهو ما يجعل من عصرنا يبتعد عن فرضية تفاؤل التقدم [L’optimisme du progrés].

إحدى مفارقات الحالة الاجتماعية اليوم، تتعلق بغياب التقاطب والتناظر بين الأجوبة المقدمة لقضايا السياسات الاجتماعية، ثم إن المبادرات الحكومية لا تواجه ببدائل متكاملة وبمشاريع مضادة، بل فقط، بردود فعل نقابية ضعيفة الأثر، وبمعارضة منبرية آلية وباهتة، أو باحتجاجات فئوية وقوية، لكنها لا تملك أفقا مجتمعيا متكاملا.

لنلاحظ أن المشاريع الاجتماعية المُدمجة والمهيكلة، تتراجع بشكل مُهول، على حساب خطابات الهوية الثقافية، أو الخطابات المطلبية الفئوية قصيرة النفس، وهو ما يعني تحللا لفكرة المجتمع، على حساب فكرة الانتماء الهوياتي المنغلق، أو الانتماء الفئوي الضيق.

إن الخطابات حول القيم والهوية أصبحت تحتل موقعا رئيسيا في القدرة على التعبئة وبناء التقاطبات المهيكلة للمجتمع، وبعد ذلك تأتي المطالب المحلية والفئوية، أما التصورات الكبرى حول المجتمع فأصبحت من الضمور والضعف أهون من أن تستعيد قدرتها التعبوية السابقة، وهو ضعف وضمور ينسحب موضوعيا على الفاعلين التقليديين للمسألة الاجتماعية.

فعلا، إن المجتمع يتحول تدريجيا إلى قبائل ثقافية تحركها الهوية، أو في أحسن الحالات إلى كتل فئوية تحركها أنانيات مطلبية، أما النقاش العمومي فأصبح غارقا في ثقافة التفاصيل، وباحثا في دورات قصيرة المدى عن «سرديات صغيرة» تخلق لدى مُقاولي النقاش العمومي الجديد الوهم بالتأثير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية المسألة الاجتماعية نهاية المسألة الاجتماعية



GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

GMT 11:09 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

إسرائيل والغضب العالمي

GMT 11:08 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

إسرائيل وسؤال هُوية اليهود!

GMT 16:03 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

مائة عام على كتاب هتلر: «كفاحي»

GMT 16:02 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سمومُ موازينِ القوى

GMT 15:57 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

بين الرياض والقاهرة... عَمار

GMT 15:55 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

هل قُتل شيمون بيريز في غزة؟

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 11:26 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

محطات وشخصيات صنعت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"

GMT 18:53 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:13 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

فيليب ستاين تقدم تشكيلة فريدة من أساور "هوريزون"

GMT 03:40 2017 الجمعة ,21 إبريل / نيسان

طرح عطر متميز بمكون مثير من توقيع Guerlain

GMT 07:25 2014 الإثنين ,17 شباط / فبراير

شركة "SRT" تعرض نسخة خاصة من موديل دودج تشارجر

GMT 00:08 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

شجار بين العامري ولكحل والأخير يغيب عن التدريبات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib