هل يسير ابن كيران على هدى أردوغان

هل يسير ابن كيران على هدى أردوغان؟

المغرب اليوم -

هل يسير ابن كيران على هدى أردوغان

بقلم - نور الدين مفتاح

من مغربات السياسة أن يكون حزب كالعدالة والتنمية قد حصل على أحسن نتيجة انتخابية في حياته وهو مقبل على أسوأ مؤتمر في مساره! هذا جزء من الخصوصية المغربية التي تتمثل في عصارة التاريخ والقبلية والتركيبة السيكولوجية وطريقة تصور الأنا وسط الجماعة ومآل النخب بعد عقود من الصراع بعد الاستقلال، وأشياء كثيرة عصية على التفكيك من طرف الفاعلين والباحثين على السّواء.


لقد ظل حزب العدالة والتنمية رغم كل مراجعاته يعتقد أنه جزيرة اختارت أن تتداعى على الحفاظ على قيم في بحر من اندحار هذه القيم داخل المجتمع، قيم تتعلق بالنزاهة والصدق والكفاف والعفاف ونظافة ذات اليد والإيثار والاستقامة وغير ذلك، وهذا كان يصل إلى نوع من الاعتقاد بالطهرانية، إلا أن قوة الواقع كشفت ضعف التصور عن الذات لدى الإخوان. فهؤلاء الذين كانوا ينتعلون الصندل المتواضع ويركبون الدراجات الهوائية ويعيشون على شظف العيش، ارتقوا اجتماعيا وركبوا دواب ألمانية الصنع وسكنوا الفلل الفاخرة وذاقوا حلاوة العيش وإغراءات السلطة، وهنا دخلت مع كل هذه الأمور المشروعة بالطبع الخصوصية المغربية المركبة، فانفجرت داخل الحزب شلالات التصدع  التي لم تنفع في تجنبها لا خطابات الوعظ ولا محاولات العودة إلى المنطلقات الدينية ولا طوباوية الطهرانية.


هذا الوجه من التحليل لهذه الظاهرة الغريبة التي حوّل فيها الإخوان انتصاراً انتخابيا إلى هزيمة سياسية له وجه آخر موضوعي، مرتبط بالمحيط الذي يعيش فيه حزب إسلامي داخليا وخارجيا. فعلى المستوى الداخلي لم ينجح حزب العدالة والتنمية بعد في بناء جسر ثقة متين لا مع القصر ولا مع الإدارة عامة ولا مع جزء كبير من النخب، وعلى المستوى الخارجي سارت كل التطورات الإقليمية والدولية في اتجاه التبرم من الإسلام السياسي والتراجع عن الفكرة الأمريكية الأثيرة لدعم حركات الإسلام المعتدل لمواجهة الإسلام الجهادي المتطرف، من هنا كان الضغط الذي تعرض له الإخوان طبيعيا، إلا أن طريقة التعامل معه كانت غير طبيعية وغير منتظرة وغير آمنة.


إن الكثيرين مبتهجون لما يمور داخل حزب العدالة والتنمية ويتمنون انفجاره الداخلي، وهذا حقهم، فأي حزب مهما كان يبقى أصغر من الوطن، ولكن المشكلة في المغرب هي أن مجهود خصوم الإسلام السياسي الجبّار انصب على إنهاك الإسلاميين ونسي بناء البديل، وإلى حدود كتابة هذه السطور تم النجاح بالفعل في إضعاف حزب الاستقلال مثلا، وفي زعزعة تماسك العدالة والتنمية، وفي صفع التقدم والاشتراكية وتقزيم الاتحاد الاشتراكي، دون أن يتم نفخ أي روح في الأحزاب التي كانت تنعت بالإدارية ولا أن تستطيع التنظيمات أو الوجوه الحزبية الجديدة لحد الآن بناء رقعة مصداقية أو مشروع ذي جاذبية.


من هنا تأتي الخطورة في هذا الفراغ الذي سيحدثه تفجير العدالة والتنمية، فالأمر لا يتعلق بهل نحن مع الإسلام السياسي أم لا؟ ولكن يتعلق بهل من مصلحة الاستقرار وسلامة المؤسسات أن نكون بلا أحزاب اللهم إلا إذا كانت الدولة تغني عما عداها؟


إن المغرب بلد متنوع غني متعدد، ولكن هذا غير منعكس على المستوى الحزبي الذي لا توجد فيه التمايزات الكافية بين اليمين والوسط واليسار والحداثي والمحافظ والليبرالي واليساري… الكل أصبح خليطا هجينا معلبا في 34 علبة، ستة إلى سبعة منها يمكن اعتبارهم أحزابا، ولا أحد منهم ناجٍ اليوم من الزلزال السياسي!


لكل هذا، وغيره كثير، سيكون مؤتمر حزب العدالة والتنمية نهاية الأسبوع محطة صعبة في الحياة الحزبية المغربية، وسيتمحور اجتماع أعلى هيئة تقريرية لأكبر حزب مغربي لحد الآن حول شخص واحد ملأ دنيا إخوانه وشغلهم، وهو عبد الإله ابن كيران، وهذا طبيعي نظرا للدور المحوري الذي لعبه الرجل في تاريخ التنظيم منذ الانشقاق عن الشبيبة الإسلامية وتأسيس الجماعة الإسلامية إلى التدبير الخاص لحراك 20 فبراير وقيادة الحكومة مع كل أزماتها، إلى الانتصار الانتخابي في 2015.


والمشكل في هذه القضية، التي أصبحت أزمة داخلية في الحزب، ليس قانونيا حول أحقية ابن كيران في ولاية ثالثة أم لا، ولكنه مشكل سياسي فجر مكنونات قيادات الحزب التي بلورت قناعات سياسية بناء على ما يمكن أن نسميه الحفاظ على مغانم النخب الجديدة داخل التنظيم. والغريب أن ابن كيران الذي كسر طابو التعامل مع الدولة لدرجة نعته في الثمانينيات بالتناغم مع النظام، والذي كان له دور حاسم في إعطاء الدولة الضوء الأخضر لأصحابه للدخول للعمل الحزبي، والذي كان ضد التظاهر في حراك 20 فبراير، أصبح اليوم هو المتهم بأن استمراره في الحزب سيعني التصادم مع الدولة! إن هذا المنطق هو الذي سيؤدي إلى أن يكون مؤتمر البيجيدي محطة لإحصاء الخسائر، وبالتالي فالعدالة والتنمية لما قبل 25 مارس 2017 لن يكون هو العدالة والتنمية لما بعدها وإلى الأبد، والسؤال الذي سيبقى عالقا وحارقاً هو ماذا سيفعل ابن كيران؟ هل سيقنع بقشابته وسرواله القندريسي ونعله والاستماع لعظامه ببيته كمناضل ضمن المناضلين أم أنه سيعيد تجربة أردوغان الذي خرج من عباءة أربكان ليؤسس حزبه؟


كل شيء وارد، فحين تشتد الأزمات لا أحد يمكن أن يتكهن بمخارجها، المعنيون من الملتحين الأعدقاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يسير ابن كيران على هدى أردوغان هل يسير ابن كيران على هدى أردوغان



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib