مـا يريده المغـرب للجزائر

مـا يريده المغـرب للجزائر

المغرب اليوم -

مـا يريده المغـرب للجزائر

بقلم - نور الدين مفتاح

يعنينا ألف مرّة ما يقع في الجارة الجزائر، يعنينا كجيران تجمعنا آلاف الكيلومترات من الحدود، ويعنينا كشعبين هما الأكثر تشابها شكلا وعادات وثقافات، ويعنينا كتاريخ ربط ويربط بين مصائرنا، وكان عبارة عن قرون عرفت صعود إمبراطوريات ونزولها ولحظات مجد كتبناها مجتمعين بدمائنا ولحظات انكسار ربما في هذا الفصل الحالي من التاريخ مانزال نرزح تحت وطأتها، وقبيلة المتفائلين هنا وهناك يعتبرون أنها مرحلة ستطوى وستكتب محلها صفحة جديدة تعيد الأمجاد. هذا ليس كلاماً منمقا، ولكنه الاستشراف بالأمل الذي يحرك عجلة التاريخ.

اليوم تعيش الجزائر منعطفا تاريخيا، لا أحد يمكن أن يتكهن بمآله، والأحداث معروفة. فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي استطاع أن يوطد الوئام الوطني بعد حرب أهلية في عشرية سوداء، تجاوز حدود المعقول والمقبول بإصرار النظام على تركه واجهة له، لعدم اتفاق أقطاب الحكم في الجزائر على رئيس بديل. والذي يمكن أن نشاطر فيه الإخوة الجزائريين آلامهم هو هذه المهانة التي يحسون بها وهم يقدمون بلد المليون ونصف المليون شهيد للعالم برئيس مريض عاجز، مجرد صورته تكفي لتحرك الجبال غضبا وخجلا. رئيس يعطل عجلة بلد كامل، له مقدرات بترولية هائلة ولكنه يعيش فقر الدول المتخلفة. رئيس واجهة ثمنه غال جدا بالنسبة لبلاده إذا كان المقابل المزعوم هو الاستقرار.

لقد انتفض الجزائريون، وقدم أركان النظام تنازلات هي التراجع عن ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، وتنظيم ندوة وطنية قد يرأسها الديبلوماسي الأخضر الإبراهيمي لتعديل الدستور، وتعيين حكومة تصريف أعمال، وتأجيل الانتخابات.

ويبدو أن هذا لم ولن يقنع الشارع الجزائري، الذي اعتبر المسألة التفافا على مطالبه. لقد كانت الأمور في صيحات الشوارع واضحة، هناك فرق بين الترتيب لاستبدال رئيس جمهورية بآخر وبين تغيير النظام، والمطلب هو أن الجزائر لابد أن تلد جمهورية أخرى بأسس وشرعية جديدتين.

إن بوتفليقة الذي خرج متابعا بالفساد، بعدما كان نجما في سماء الديبلوماسية العالمية عقب وفاة بومدين، استطاع أن يعود ويهدم ركنا من أركان النظام الذي صنعه هو نفسه، أي جماعة الجينرالات الذين ألغوا نتائج الانتخابات التي فازت بها جبهة الإنقاذ وجلبوا أكثر من رئيس إلى أن وصلوا إلى بوتفليقة. لقد فكك القوة الضاربة للجينرال توفيق، وريث قاصدي مرباح على رأس الاستخبارات العسكرية، وأزاح كبار جينرالات الجيش، ووزع ملكية الدولة بين ثلاثة أقطاب: هو في الوسط، ويتحرك من خلفه أخوه سعيد بوتفليقة، والجينرال قايد صالح، رئيس الأركان ونائب وزير الدفاع، وعثمان طرطاق، رئيس جهاز الاستخبارات. وإذا كان الشارع اليوم قد أسقط بوتفليقة، فإن الذين بيدهم مصير البلاد اليوم هم أقطاب الجيش.

وكما سنرى في مواد ملفنا في هذا العدد، فإنه إذا كان لكل بلد جيش، فللجيش الجزائري بلد! أو كما نقل  عن هواري بومدين من أن الجيش هو العمود الفقري للجزائر والمخابرات هي نخاعها الشوكي. هذا الوضع هو جوهر المشكل المغربي مع الجزائر الشقيقة. إن عقيدة الجيش الجزائري بهذا الوضع في بنيان الحكم تمحورت حول العداء للمغرب، وبالتالي كان يستحيل على أي رئيس مهما كان حسن نيته أن ينهي أم المشاكل بالمغرب الكبير، وهي قضية الصحراء.

المغرب معني بما يجري بالجزائر، لأن تغيير النظام في الجارة من نظام عسكرتاري إلى نظام انتقال ديموقراطي هو أسهل السبل لحوار الوضوح، وأيسر الطرق لإيجاد ممرات للمياه المختنقة في مجاري السياسة بين البلدين. إن جزائر قوية بديموقراطيتها واستقرارها وسمو إرادة الأمة فيها على ما عداها، مصلحة مشتركة، والأسوأ هو أن تتطور الأمور إلى تكرار فواجع الماضي واللااستقرار الأمني.

لقد كان هناك جيل قد يمثل عبد العزيز بوتفليقة آخر رموزه يذهب في تبني العداء لكل ما هو مغربي مذاهب المبالغة، ردّاً على اتهامات خصومهم من أنهم من "جماعة وجدة" أو من "المراركة"، وهذا الجيل يلفظ آخر أنفاسه، ولكن لا يمكن أن تنبثق طبقة سياسية جديدة مستقلة في جزائر جديدة إذا لم تتكسر الترسبات الجيولوجية لتحكم الجيش في السياسة، وهذا الأمل مطروح اليوم، فعندما يصبح مكان الجيش هو الثكنات والحدود، كما هو الشأن في المغرب، فآنئذ يمكن أن نتحاور على أسس جديدة، وإذا ارتأت القيادة الجديدة الحرة ذات الشرعية الشعبية أن تواصل سياسة الحدود المغلقة ووضع الدفاع عن البوليساريو في أولوية أولويات ديبلوماسيتها، فهنا سنكون أمام وضع مؤسف، ولكنه أحسن من الوضع السابق، الذي كان أمر التغيير فيه شبه مستحيل مع جيل من الجينرالات جبل على الأبواب الموصدة والآذان الصماء.

لا حاجة للتذكير بأن فتح باب للتطبيع المغربي الجزائري سيكون متنفسا رائعا للشعبين ولجيرانهما، وسيزيد من نسبة النمو في البلدين وسيعزز الاستقرار بمحاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وحتى إن بقيت قضية الصحراء عالقة، فتعاون مغربي جزائري بدون خلفيات سيسهل إيجاد حل لها بمعادلة لا غالب ولا مغلوب، وهذه الأهداف تبدو للمغاربة الذين يتابعون باهتمام بالغ ما يجري في شوارع العاصمة وفي قصر المرادية قريبة، رغم عسر المخاض، فاللهم يسر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مـا يريده المغـرب للجزائر مـا يريده المغـرب للجزائر



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib