«ماكياج» لأرصفة المدينة

«ماكياج» لأرصفة المدينة !

المغرب اليوم -

«ماكياج» لأرصفة المدينة

بقلم - حسن البطل

ما العلاقة بين «الحديقة» و»الحدقة»! ربما قائل مثل الناقد الأدبي، الزميل عادل الأسطة، سيقول شيئاً عن عبقرية اللغة العربية (لا تياسة أصحابها!) العين، الحدقة، والباصرة تحفّ بها رموش، جفون.. وحواجب، وماكياج الأنثى «ماسكرا» لإطالة الرموش، أو رموش صناعية. أتفهم الأولى، وأمقت الثانية، لكن ربك خلق الحاجبين لحماية العين، ويأخذ انحناءة المقلة البيضاوي، فإن زججتها بعض النساء في مبالغة، غدت في عينيّ قبيحة.. أو حتى مخيفة، كأنها زبانتا عقرب!
الشوارع شرايين المدينة، لا مقل عيونها، غير أن ارصفتها في مكانة جفون العين، خاصة إن كانت مشجّرة خضراء، كما تزويق أو غندرة، أو لون ماكياج عيون الأنثى الغالب. صارت للشوارع أرصفة موحّدة الشكل (ستاندارد) مختلفة الألوان، بدلاً من لكل حانوت ومتجر رصيفه الأملس أو الخشن، أو «المدردب» كثير العثرات!
رصيف مُمهَّد، سهل الفك والتركيب، تحفّ حوافيه أشجار دائمة الخضرة، تلائم انسجام لون أبيض لحجارة المباني.. وأخيراً هبطت قوّارات النباتات والأزاهير من شرفات شقق بيوت العمارات إلى حفافي الأرصفة مع إسفلت أسود للشوارع.
يعني، في شوارع قليلة، خاصة قدّام المطاعم والمقاهي، صارت هناك «حدائق صغيرة في قوّارات مستطيلة أو مربّعة، كبيرة وصغيرة، وحتى في براميل، وأنصاف براميل. الكبيرة يزرعون بها شجيرات حرجية قميئة، والصغرى يملؤونها بقوّارات من نباتات دائمة الخضرة، وتجاورها أزاهير ملوّنة، هي مؤصّلة أو مدجّنة من أزاهير طبيعية، لكنها تنوّر من أول الربيع إلى أول الشتاء.. شيء يسر العين والخاطر.. «سرّ من رأى»!
حتى قبل عشر سنوات، كانت الأرصفة عشوائية الرصف، متفاوتة العلو، كثيرة العثرات و»الدركمة» لخطوات السابلة، وكانت شوارع المدينة صلعاء ـ قرعاء من «حرس الشرف» الذي هو الأشجار دائمة الخضرة.. لكنني أحبّ، أيضاً، وبخاصة، الأشجار النفضيّة، التي تطلّ براعم أوراقها الموسمية من فروع الشجر، كما تطلّ أصابع «البُوبُّو» من أكمامها!
من بين شوارع المدينة أحبّ، بخاصة، شارع السهل في رام الله القديمة، حيث الرصيف رحب، وقوّارات النباتات وفيرة على حفافي الرصيف، وهذا وذاك، يغري بملء الرصيف بمقاعد وطاولات «للتشميس» أيّام الصحو في الشتاء، وللسهر الطويل في أماسي الصيف.
عشت في الشام، ملكة المدن العربية في أرصفة فسيحة بشوارعها المشجّرة، وكثرة حدائق البلدية المنسّقة، وفي كل دار حديقة بيتية بديعة. كما عشت سنوات طوالاً في نيقوسيا (لفكوسيا باليونانية) التي يدعوها الأجانب (سيتي ـ غاردن) لكثرة حدائق داراتها و»فللها». لا أظنّ أنّ رام الله (التي تنمو على عَجَل) ستغدو (مدينة ـ حديقة) لكن لا بأس إن استعاضت بجمال حدائق معينة، خاصة حديقة متحف درويش، وتلك التي تحفّ بالمتحف الوطني في بيرزيت، وإلى حدٍّ ما حديقة ضريح عرفات ومتحفه.. وأخيراً حديقة «الأيّام» الأمامية حسنة التنسيق!
لماذا خصصت من الأدباء ونُقّاد الأدب، زميلي عادل الأسطة؟ لأسباب أنه «مشّاء» مثلي (هو لتخفيف وطأة مرض السكر، وأنا لأسباب أخرى). بالأمس أفادني في «خربشة» من خربشاته أن مؤتمراً عن مدن فلسطين سيعقد، في تشرين الأوّل (أكتوبر) وعلى الأغلب في بيرزيت، علماً أنه أكثر الأدباء ممّن كتبوا عن مدن فلسطين على جانبي «الخط الأخضر»، إمّا بعينيه أو عن مكانة المدن في كتابة الأدباء.
«الماكياج» بالفرنسية، و»ميك أب» بالإنكليزية، فلماذا لا نقول عن زينة وجوه النساء إنها «غندرة»؟ صحيح أن شوارعها بمثابة شرايينها، لكن أرصفتها المشجّرة قد تشبه عيون النساء، وبخاصة جفونها ورموشها وحواجبها، ويزيدها جمالاً على جمال قوّارات النباتات والأزاهير، ولا تثريب إن كانت الوردة تعطي اسمها للأزاهير في شبكات التسلية والكلمات المتقاطعة، علماً أن الوردة هي الوردة، والأزاهير هي الأزاهير، وزهرة التشرين ليس وردة، وزهرة الحنُّون (شقائق النُّعمان)، أو برقوق نيسان، ليست وردة.. إلاّ في الكلمات المتقاطعة!
للمدن العربية العريقة ـ العتيقة قلوب حجرية، وأسواق شعبية، وفي مدن فلسطين أحبّ قلوب وأسواق حيفا ويافا، وأيضاً ثلاث مدن: القدس العتيقة، ونابلس، والخليل واسواقها الشعبية.
وقد نحبّ في رام الله تلالها، ونكره نموّها على عَجَل وفوضى جوار القديم ـ الجديد، ولكن نحب قليلاً ماكياج أرصفتها، خاصة شارع السهل بأرصفته العريقة وأشجاره، وحدائق صغيرة من القوّارات ملأى والأزاهير على حفافي الرصيف ـ الشارع.
انجلى فصل الشتاء الطويل، وبدأت أيّام السهر المديد في الأماسي على الرصيف المشجّر المليء بالأزاهير والمقاعد.. أمّا شارع البلدية القديمة في رام الله ـ التحتا، فإن زينته بين ضفّتي الشارع كانت كأنها قطرات دموع زرقاء، وصارت مع قرب رمضان هذا العام قطرات دموع خضراء، وبقي جانب من أرصفته بسطات للخضار والفواكه، فقد كان في ما مضى هو «حسبة» رام الله القديمة.
تحلو أماسي الصيف في رام الله، وفي أريحا تحلو أيّام الشتاء، ويقولون عن البلاد إنها «قارّة صغيرة»، وفي التنوُّع الجغرافي والبيئي والنباتي، وأن كل متر مربع فيه تنوُّع نباتي كما في كل كيلو متر مربع في بلدان أوروبا المهندمة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ماكياج» لأرصفة المدينة «ماكياج» لأرصفة المدينة



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 19:22 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران
المغرب اليوم - بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران

GMT 23:50 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية
المغرب اليوم - إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية

GMT 23:02 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج
المغرب اليوم - واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج

GMT 01:02 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دواء جديد يحمي مرضى السكري من تلف الكلى
المغرب اليوم - دواء جديد يحمي مرضى السكري من تلف الكلى

GMT 01:37 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب
المغرب اليوم - فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب

GMT 10:37 2012 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سوتشي مدينة التزلج الأولى في روسيا تستضيف أوليمبياد 2014

GMT 14:25 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

انهيار برج ضخم في مصافي حيفا

GMT 10:35 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف أن الهواتف الذكية تجعل المراهقين غير ناضجين

GMT 06:57 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

السودان تحذر من فيضانات على ضفتي النيل الأزرق والدندر

GMT 05:52 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

الخبيرة منى أحمد تُبيِّن مدى قبول كلّ برج للاعتذار

GMT 05:30 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

CGI wizardry تعيد الحضارات القديمة وتجسدها للزوار

GMT 08:13 2016 الجمعة ,22 إبريل / نيسان

بيبيتو يكشف دور ميسي وسواريز في تألق نيمار

GMT 18:04 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وزير الرياضة يناقش خطة اتحاد الجودو في 2018

GMT 21:02 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي يحرم الوداد من منحته السنوية

GMT 07:23 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"روائح مبعثرة" المجموعة القصصية الأولى للعسيري

GMT 05:34 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"سيات ليون كوبرا" ضمن أفضل 5 سيارات في "اليورو"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib