جمل «تحت سطح البحر»

جمل «تحت سطح البحر» !

المغرب اليوم -

جمل «تحت سطح البحر»

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

جمل بهودج مزركشة ألوانُه، بسنام وحيد بالطبع يتمتع بموقع استراتيجي لا يضارعه موقع آخر. جمل على طريق القدس- رام الله، يقف على حافة البرّ، أو يغوص «تحت سطح البحر» دون أن يبتل. إذا برك الجمل قد يبدو مثل سفينة، فهو «سفينة الصحراء». إذا برك الجمل يبدو مثل غواصة، غواصة البرّ! جمل أمّي، لا يقرأ العربية، ولا العبرية.. ولا الإنكليزية. فقد جاء أسلافه إلى هذه الأرض قبل أن تتكلم الأرض لغة الإنسان. قبل أن يتطور إنسان الأرض من حيوان أو شبه حيوان، إلى حيوان ناطق. جمل عاقل، صبور، مسالم امتطاه ويمتطيه سيّاح جاؤوا الأرض المقدسة من سيدني أو من أوسلو، من طوكيو أو من سان فرانسيسكو، درهموا صاحبه دولاراً أميركياً، أو دولاراً استرالياً. مائة ين ياباني، أو عشرة فرنكات فرنسية... وطيّروا صورة إلى أربعة أركان الأرض، برهاناً على زيارة لهم للأرض المقدسة، وبرهاناً لا مثيل له على أنهم «غطسوا» تحت مستوى سطح البحر المحيط، في طريقهم إلى أريحا –يريحو- جيريكو، أقدم مدن المعمورة. جمل خلقه الله قبل أن يتلقى موسى وصاياه على جبل سيناء. جمل عاقل، مسالم، لا يمانع لو امتطاه حتى حاخام أسود القلب معتمراً قلنسوة سوداء، ودرهم صاحبه بعض الشواكل. هنا حافة البّر البري والبحر الوهمي. هناك لسان ميزان الضغط الجوي، ان مملكة البرّ تستطيع أن تمدّ قدميها في مجال مملكة البحر.. دون أن تبتلا ودون حرب برية – بحرية. وها هنا تنتصب علامة من الحجر تقول، بالعربية «مستوى سطح البحر» وتقول بالإنكليزية Sea Level. وهذه حقيقة لا ينازع أحد في صحتها. لكن إسرائيلياً مأفوناً، مستوطناً، حقوداً.. غبياً، جاء بلون أسود مثل القار ليطمس حروف الكلمات العربية، مبقياً على حروف الكلمات الإنكليزية؟! شخص سخيف، هو ناطق بلسان السخف الإسرائيلي النموذجي. لم يعلموه في مدرسته اليهودية أن العربية أمّ هذا المكان الكنعاني. وأن البحر هو اليم في العبرية والعربية، فاختار أن «يهوّد» المكان عن طريق تلطيخ اللوحة، وشطب الحروف العربية.. ربما لأن «علامة» حجرية فاصلة بين عالم البرّ وعالم البحر البرّي لا تحمل كتابة باللغة العبرية. يهودي يدعي السامية وتخون يده اللغة السامية الصحيحة. جمل حقيقي يقف قرب لوحة حقيقية. موقع جغرافي حقيقي. جبل أجرد فعلاً، إلا من أشواك متناثرة هنا وهناك. مشهد طبيعي في الطبيعة. مشهد طبيعي كامل.. لولا هذا الخراقة، التي تحاول حذف لغة المكان العربي عن هذا المكان العربي! كان على الجمعية الجغرافية الإسرائيلية –مثلاً- أن تفتتح لها استراحة في هذا المكان. استراحة تشير إليها بلغات مجلس الأمن والأمم ولا بأس أن تضيف إليها عبارة بحروف اللغة العبرية. كان يمكن أن ينتصب فيه نصب يشير إلى دخول الناس هذه الأرض مرحلة السلام. غير أن ولع الاستيطان يبحث عن الخرافة الدينية ليحييها. يفتش عن الموقع الأمني ليحتله. يفحص الأحواض الجوفية المائية ليسيطر عليها. يحاول إنارة أسوار القدس التي بناها المسلمون العرب، والمسلمون الأتراك.. ليضع إلى جانبها عبارات مثل: مدينة داوود. قلعة داوود. هذا استيطان جيوبولوتيكي عجيب، تارة يحاول إلغاء «الخط الأخضر» وتارة يحاول جعله حاجزاً منيعاً. وفي غضون هذه المعمعة، انصرفوا، أحياناً، للتنقيب عن العظام، عظام الموتى الذين شبعوا موتاً. .. في هذه المعمعة الأشبه بالبلاهة، نسي الذين احتلوا هذا المكان، إن يحنوا قامتهم لأعجوبة جغرافية لا تتوفر إلا في هذه الأرض المقدسة: هنا تنتهي مملكة البر، وهنا تبدأ مملكة البحر... دون أن يغمرها الماء. ولكن، عندما ذكرتهم الانتفاضة بهوية هذا المكان، ولغة لسانه، لجؤوا إلى حيلة الحاقد الغبي، فطمسوا من اللوحة حروفها العربية. هذه الأرض المقدسة مقدسة من الجميع. لكن هذه الأرض الصغيرة أعجوبة جغرافية استحقت أن يطلق عليها الجغرافيون الألمان – مطلع هذا القرن، أو أواخر القرن المنصرم – لقب «القارة الصغيرة» نظراً لغناها الفريد في تنوع المشهد الجغرافي: من جبال تكسوها أشجار تنمو في المدارات أو الصحراءات العليا الجغرافية، إلى صحراء رملية، أو صحراء حجرية (حماد) أو صحراء حصوية (سرير). أرض تتساقط على جبالها الثلوج. وعلى بعد كيلومترات قليلة يمكنك الاستحمام في البحر الميت. ذلك الجمل لا يتكلم لغة الإنسان، لا العربية، ولا العبرية... عاش في عصر الفراعنة ولم تكن له من حاجة ليتعلم الهيروغليفية. جاء اليونان ولم يتعلم الاغريقية. لم يتعلم التركية. لم يتعلم الإنكليزية. جمل صبور جداً، ربما لأنه حكيم للغاية، فلو أنه نطق، ربما قال: «أيها العابرون في كلام عابر..» عند ذلك، قد يقترحون في الكنيست جمع جمال هذه الأرض ونوقها وبعيرها وتسفيرها إلى صحراء الربع الخالي، أو بيعها إلى حدائق دول الشمال الأقصى والجنوب الأقصى، واستيراد أغرب الحيوانات القطبية، والاستوائية ومحاولة تدجينها، أو استبدال البعير بحيوان وحيد القرن أو الكنغر، أو الثعالب ذات الفراء، أو حتى «الظربان».. ذات الخط الأبيض الذي يمتد من رأسها إلى آخر ذيلها الكثيف ... ولا بأس «بالسنانير»! وقد يقترحون ترجمة «كليلة ودمنة» واستبدال حكمة الحيوانات الواردة فيها بحكم منتحلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جمل «تحت سطح البحر» جمل «تحت سطح البحر»



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 19:22 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران
المغرب اليوم - بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران

GMT 19:14 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أذربيجان ترفض إرسال قوات إلى غزة قبل وقف القتال
المغرب اليوم - أذربيجان ترفض إرسال قوات إلى غزة قبل وقف القتال

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 05:24 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 19:51 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

حفل افتتاح بنكهة أفريقية للشان في المغرب

GMT 13:32 2025 الثلاثاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أنشيلوتي يطمح لقيادة البرازيل نحو لقبها العالمي السادس

GMT 14:13 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تقنية ثورية للتحكم في النعاس أثناء القيادة من باناسونيك

GMT 04:57 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

ظهور دولفين مهجن آخر في هاواي

GMT 04:45 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحسين عموتة يهدد اللاعبين الذين تراجع مستواهم

GMT 05:18 2015 الجمعة ,02 كانون الثاني / يناير

محمد جبور يعرب عن فخره بنجاح تصاميمه عالميًا

GMT 14:45 2017 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

تصنيف “جامعة الرباط” في المرتبة 15 إفريقيّا

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 00:26 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الفنانة بوسي تكشّف أسباب ابتعادها عن الأدوار الكوميديا

GMT 22:38 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

أيوب الكعبي مطلوب في أتلتيكو مدريد الإسباني

GMT 04:04 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تشاد تلمح لضلوع السودان في مقتل رئيسها السابق

GMT 15:28 2023 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

الأداء الأسبوعي يرتفع في بورصة الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib