ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

المغرب اليوم -

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب

أمير طاهري
أمير طاهري

بعد فترة وجيزة من إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية لعام 2020 من وكالة «أسوشييتد برس» للأنباء في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، دعا جو بايدن الشعب الأميركي إلى البدء في إغلاق فصل دونالد ترمب بوصفه كابوساً، والتفكير في المستقبل.

لطالما كان مفهوم إغلاق فصل والمضي قدماً جزءاً مهماً من الخطاب السياسي الأميركي. فمنذ بداياتها، طوّرت الولايات المتحدة ثقافة سياسية وضعية أدت إلى ظهور مشاعر عزيزة جداً على القوى الأوروبية القديمة. فقد نظرت تلك الثقافة في القارة العجوز إلى مفاهيم مثل الثأر والانتقام بازدراء شديد. وحتى بعد حرب الانفصال، وهو حدث مأساوي بكل المقاييس، ساعدت تلك الثقافة الأميركيين من جميع الأطياف السياسية على المضي قدماً والالتقاء مرة أخرى في الوقت المناسب.

يمكننا قراءة ما قاله الجنرال يوليسيس غرانت، القائد العام للنقابات الذي قاد معسكره إلى النصر، في مدح الجنرال المهزوم روبرت إي. لي، القائد الكونفيدرالي، لإدراك أن الثقافة السياسية الأميركية لا تنبذ مفهوم الانتقام فحسب، بل تعزّز أيضاً من مفهوم التسامح في خدمة المصلحة المشتركة. فالأميركي يُنصح دائماً بألا يغضب بل أن يتسامح أيضاً.

وهكذا فعندما تحدث بايدن عن المضي قدماً، كان يتّبع نمطاً سلوكياً أميركياً راسخاً. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، لا يسع المرء إلا أن يتساءل: لماذا قرر حزبه الديمقراطي إبقاء فصل ترمب مفتوحاً من خلال إطلاق عملية عزل ثانية يبدو أنها لا تستند إلى أساس دستوري، والجميع يعلم أنها لن تنتهي بإدانة الرئيس السابق. فمناورة الإقالة هذه ببساطة لا معنى لها؟

إذا رغب المرء في معاقبة ترمب على إطلاقه المزعوم لهجوم الغوغاء على مبني الكابيتول (الكونغرس) الشهر الماضي، فإنه حسب الطريقة الأميركية، يتعين على إدارة شرطة العاصمة واشنطن صياغة قضية ورفعها إلى المدعي العام للمقاطعة لتوجيه اتهامات قانونية رسمية ضد ترمب. وبهذه الطريقة، سيتم نزع الطابع السياسي عن القضية برمّتها، حيث يواجه ترمب تهماً جنائية وسيصبح مسؤولاً أمام هيئة قضائية مستقلة بقواعد واضحة ذات وقائع مُثبتة بالتاريخ.

إذن، لماذا هذا الإصرار العنيد على حماية ترمب من الإجراءات القانونية رغم تصويره على أنه النجم الشرير لمسلسل تلفزيوني رديء؟

قد يشير أتباع نظريات التآمر إلى أن ترمب نفسه قام برشوة بعض القادة الديمقراطيين لإطلاق العرض وإبقائه في الأخبار لأطول فترة ممكنة. ونتيجة لعملية الإقالة، وبدلاً من التلاشي في فلوريدا، بقيت القصة تحتل عناوين الأخبار مع بث كل خطوة له وتحليلها على نطاق واسع كما لو كان مصير البشرية معلقاً برقبته.
ولكي يروي نهمه للشهرة، لا بد أن يكون العجوز دونالد ترمب يقضي وقتاً ممتعاً الآن في مشاهدة كل ما يقال عنه في التلفزيون وهو مستلقٍ في منتجع «ماري دي لاغو».
ومع ذلك، يمكن التفكير في دافع أكثر شراً: أليس من الوارد أن تكون هذه المهزلة برمّتها جزءاً من محاولة أوسع لضخ جرعة قوية من الانتقام في الثقافة السياسية الأميركية؟
إذا حكمنا من خلال الحملات المختلفة لإزالة التماثيل، وإعادة تسمية الأماكن العامة من خلال حظر أسماء بحجم جورج واشنطن، وتوماس جيفرسون، وبنجامين فرانكلين، هل سيكون من الغريب الخوف من أن الثأر المبرَّر بمظالم حقيقية أو خيالية سيتسلل إلى السياسة الأميركية على مستوى أعلى وأعلى؟

خلال العقد الماضي، أتاحت ظاهرة المظلومية لبعض الأفراد والجماعات عرضاً علنياً للبحث عن حصة في السوق السياسية. وهناك أيضاً حقيقة أن شرائح من النخبة السياسية الأميركية التي تشربت بمزيج من اللياقة السياسية تسعى إلى إعادة كتابة التاريخ الأميركي بوصفه قصة ويلات لضحايا حقيقيين أو متخيَّلين. إن إبقاء الجراح الحقيقية أو المتخيَّلة مفتوحة هي أيضاً وسيلة لتغطية العري السياسي.

من المثير للاهتمام أن الجمهور السليم سياسياً لم يتمكن قط من تقديم أي شيء يشبه برنامجاً سياسياً متماسكاً بخلاف الدعوة إلى التمرد ضد شريحة «الواحد في المائة» المفترض أن يكون لديهم شجرة تثمر مالاً سحرياً في حديقة منزلهم الخلفية.
يطالب المفكرون الأعمق فكراً في هذا الحشد بإلغاء تمويل الشرطة وإنشاء «مناطق حرة» في المدن، حيث يُبقي «المناضلون من أجل الحرية»، «المتطرفين البيض» في الخارج. ترمب، كونه بعبعاً أو مصدر قلق لـ«المناهضين للإمبريالية» و«التقدميين»، ليس من المستغرب أن يصر هؤلاء المتطرفون والمناهضون على الحصول على رطل من لحمه الذي لا يحق لهم.
لكن ماذا لو كان البارونات الديمقراطيون، أو بعضهم على الأقل، لديهم دوافع حزبية؟
لقد ساعدت إجراءات الإقالة بايدن على استكمال الموافقة على حكومته بأقصى سرعة، وتجنب التدقيق الطويل الذي قد يكون ضاراً لبعض المرشحين. كما غطّت على حقيقة أن الرئيس الجديد لم يقدم أي شيء جديد مثير بخلاف إلغاء بعض أوامر ترمب التنفيذية المثيرة للجدل.
الأكثر من ذلك هو أن الهدف من المساءلة قد يكون إبقاء ترمب على قيد الحياة سياسياً من خلال إثارة الغضب وبالتالي تحفيز مؤيديه الأساسيين الذين إما سيَقسمون الحزب الجمهوري من الداخل وإما حتى ينشئوا «حزب باتريوت» الخاص بهم. ومن شأن هذا الانقسام أن يضمن فوز الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل. وبما أن المزيد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين سيواجهون إعادة انتخاب في العام المقبل، فإن مثل هذا الانقسام قد يمنح الديمقراطيين أغلبية كبيرة في مجلس الشيوخ، وهو أمر لم يحصلوا عليه منذ عقود. قد يخسر بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين جزءاً من ناخبيهم إذا عارضوا العزل، وقد يفقد آخرون ناخبين إذا دعموا ذلك.

وبعد ذلك سنكون في طريقنا لإجراء انتخابات رئاسية في عام 2024 والتي من المحتمل أن يكون بايدن منفتحاً عليها. وقد يكون ترشيح كامالا هاريس أمراً محفوفاً بالمخاطر من الديمقراطيين. وفي الوقت نفسه، يفتقر الديمقراطيون إلى نجم صاعد بينما يظل المنافس الموجود على يسارهم يمثل تهديداً.

على الجانب الجمهوري، قد يسعى ترمب لترشيح الحزب. وفي حال فاز، يمكن للديمقراطيين حشد نفس ائتلاف «الأقليات» فيما يبقى جزء كبير من الناخبين الجمهوريين في المنزل أو - كما كان الحال في نوفمبر الماضي - قد ينضمون إلى الجبهة المناهضة لترمب. وإذا لم يفز ترمب بالترشيح فسيكون تحت ضغط للترشح كطرف ثالث.
قد يعني ذلك العودة إلى حلقة روس بيروت التي ساعدت بيل كلينتون على أن يصبح رئيساً مرتين، في المرتين بأقل من 40% من الأصوات.

قد يكون لترمب استخدامات أخرى من الديمقراطيين، إذ إن هناك حديثاً عن تحويل العاصمة إلى ولاية، وهو ما قد يمنح الديمقراطيين مقعدين آخرين في مجلس الشيوخ. كما تحدث بايدن عن إمكانية أن تصبح بورتوريكو ولاية. فإذا حدث ذلك، يمكن للديمقراطيين السيطرة على كلا المجلسين في المستقبل المنظور. والأكثر غرابة هو التقسيم المقترح لكاليفورنيا إلى ولايتين أو حتى أربع ولايات مما يمنح الديمقراطيين ما بين مقعدين إلى ثمانية مقاعد أخرى في مجلس الشيوخ.هل يمكن أن يتطور نظام الحزبين إلى مخطط حزبي يضم حزباً واحداً ونصف الحزب يكون فيه الحزب الواحد دائماً في الحكومة ونصف الحزب دائماً في المعارضة؟

هذا ما حدث في المكسيك المجاورة، حيث كان الحزب الثوري المؤسسي (PRI) في السلطة من 1920 إلى 2000 مع نصف حزب يعمل كمعارضة للحفاظ على أسطورة الديمقراطية حية.
لو حدث ذلك لكنّا قد شهدنا إحدى تلك المفارقات التي تضفي على التاريخ طعمه الحلو والمر في آن. فقد حارب المكسيكيون لمدة قرنين من الزمان من أجل الحصول على ديمقراطية مثل تلك الخاصة بجارهم الشمالي، ولم يحلموا أبداً بأن أي شخص شمال «ريو غراندي» قد يرغب في صبغ النظام الأميركي بصبغة مكسيكية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب



GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 00:30 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

هالاند يحذر خصومه ويؤكد ما زلت أملك المزيد
المغرب اليوم - هالاند يحذر خصومه ويؤكد ما زلت أملك المزيد

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib