ركائز ألمانيا الخمس المهتزة

ركائز ألمانيا الخمس المهتزة

المغرب اليوم -

ركائز ألمانيا الخمس المهتزة

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

لنجعل ألمانيا عظيمة مرة أخرى! كان هذا الشعار الذي رفعه فريدريش ميرز، بوصفه الفائز الرئيس في الانتخابات العامة المنعقدة، الأحد الماضي، في ألمانيا.

هل يبدو ذلك مألوفاً؟

بالتحديد، ألا يبدو الرجل الذي من المقرر أن يصبح مستشار ألمانيا القادم، مألوفاً؟ لقد استعان ميرز بذات العبارة التي اكتسبت شعبية كبيرة على يد الرئيس دونالد ترمب في الولايات المتحدة. على وجه التحديد، كان الشعار الذي استخدمه ميرز «استعادة عظمة ألمانيا واحترامها!»، الذي يعبّر عن المشاعر ذاتها.

من ناحية أخرى، جاءت نتائج الانتخابات الألمانية لتضع الحزبين التوأمين من يمين الوسط «الديمقراطي المسيحي» و«الديمقراطي الاجتماعي» في الصدارة، بأعلى نتيجة يحققانها منذ الأيام الذهبية لكونراد أديناور ولودفيغ إيرهارد، الرجلين اللذين أعادا بناء ألمانيا بعد الحرب بوصفها دولة ديمقراطية قوية. كما أرسى الحزبان التوأمان فكرة ألمانيا، بوصفها دولة قومية، وليست جزءاً من تكتل عالمي، ودفعا جانباً صدمة الأعوام الثمانين المتمثلة في رؤية التوجهات القومية تتحول إلى نسخة من النازية.

المؤكد أن الصعود الدرامي لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني، الذي ضاعف عدد أصواته، لا يزال يجري استغلاله على أيدي أولئك الراغبين في إبقاء هذه الصدمة حية، لأسباب عديدة.

ومع ذلك، فإنه بوجه عام، ورغم جهود الدوائر التي ادَّعت لنفسها سلطة إطلاق الأوصاف والألقاب، فإن «حزب البديل من أجل ألمانيا» ليس ما كان عليه الحزب النازي في ثلاثينات القرن العشرين. ويمكن النظر إلى الحزب على أنه جزءاً من حركة اليمين المتطرف، التي قادت بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأوصلت فيكتور أوربان إلى السلطة في المجر، وضمنت لجورجيا ميلوني منصب رئيسة وزراء إيطاليا، ورفعت من شأن «حزب التجمع الوطني»، بقيادة مارين لوبان، بصفته أكبر حزب سياسي في فرنسا.

كما شهدت الانتخابات صعود حزب اليسار الراديكالي «دي لينكه» (اليسار)، الذي يعده بعض المحللين تنظيماً شيوعياً خفياً له قاعدة دعم داخل ألمانيا الشرقية سابقاً. ومع ذلك، ومثلما أن «حزب البديل من أجل ألمانيا» ليس مكافئاً للحزب النازي، فإن وصف «حزب اليسار» بالشيوعي، لا يخلو من مبالغة.

على أرض الواقع، خاض الحزبان حملتهما الانتخابية، بالتركيز على قضايا مثل الهجرة غير النظامية، والخوف من البطالة، والقلق بشأن فقدان السلطة الوطنية لحساب الكيانات العابرة للحدود الوطنية، مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). بعبارة أخرى، ينتمي كلا الحزبين الراديكاليين إلى التحالف غير المعلن «ألمانيا أولاً» المستوحى من شعار «أميركا أولاً» الذي ترفعه الحركة «الترمبية»، أو الذي دفع البندول بعيداً عن العولمة.

على الجانب المقابل، جاءت الخسارة الكبرى في الانتخابات من نصيب «الحزب الديمقراطي الاجتماعي»، الذي بقي على قيد الحياة في صورة مختصرة منه، و«الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي»، الذي فشل في دخول البوندستاغ (البرلمان).

كما تعرض «حزب الخضر»، المعروف كذلك باسم «حزب البطيخ» لأنه أخضر من الخارج، وأحمر -أي مناهض للرأسمالية- من الداخل، للهزيمة، خصوصاً بعد خسارته عدداً كبيراً من الأصوات بين الناخبين الأصغر سناً، الذين تحولوا بشكل جماعي نحو «حزب اليسار» أو «حزب البديل لألمانيا».

وبغض النظر عن الانتماءات الحزبية، فقد عبَّر ناخبون ألمان عن اعتقادهم بأن النموذج السياسي الاقتصادي، الذي جرى تطويره منذ خمسينات القرن الماضي، يجابه أزمة عميقة.

وفي المجمل، اعتمد هذا النموذج على خمس ركائز:

تتمثل الركيزة الأولى في أن ألمانيا لطالما كانت مغطاة بسياسة ضمان أميركية لأمنها الوطني، التي مكَّنت ألمانيا من إنفاق نحو واحد في المائة فقط من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. اليوم، يعتقد كثير من الألمان أن تلك الأيام قد ولَّت، ويدعمون خطة ميرز لإقرار زيادة هائلة في الإنفاق العسكري.

وأثار موقف ترمب المبهم تجاه حلف «الناتو» وانتقاده الأوروبيين بوصفهم «متطفلين»، شعوراً بعدم الأمان لم يعرفه أحد منذ ثلاثينات القرن العشرين. أما الركيزة الثانية، فهي التركيبة السكانية الصحية، التي استمدت قوتها في البداية من الهجرة الجماعية، لتعويض الخسائر البشرية التي تكبَّدتها ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.

وساعد الوافدون الجدد في الحد من العجز الديمغرافي في ألمانيا، جراء انخفاض معدل المواليد. بيد أنهم خلقوا، في الوقت ذاته، مشكلات ثقافية ودينية وأمنية ضخمة، تُسهم في تأجيج مشاعر كراهية الأجانب.

ويشكل الاستقرار الركيزة الثالثة؛ فقد عايشت ألمانيا للمرة الأولى منذ ظهورها بوصفها دولة قومية عام 1870، سبعة عقود من التطور بصفتها ديمقراطية راسخة. ومع ذلك، بدأت هذه الركيزة تهتز، في السنوات القليلة الماضية، في خضمّ تصاعُد حالة انعدام الأمن داخل البلاد.

وتمثلت الركيزة الرابعة، التي بُنيت في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي، في الوصول إلى موارد النفط والغاز الرخيصة من روسيا، ما مكَّن الجمهورية الفيدرالية من تقليل اعتمادها على المنتجين الأكثر تكلفة في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وأخيراً، نصل إلى الركيزة الخامسة للجمهورية الفيدرالية المتمثلة في الوصول غير المقيَّد تقريباً إلى السوق الصينية سريعة النمو، الأمر الذي جعل ألمانيا أعظم قوة تصديرية في العالم في التاريخ. ومع ذلك، اهتزت هذه الركيزة هي الأخرى، مع دخول جمهورية الصين الشعبية في دورة من التباطؤ، تؤجج بدورها القومية الاقتصادية والتعريفات الجمركية.

بوجه عام، كشفت الانتخابات عن بعض الاتجاهات المزعجة التي قد تهدد ما كانت ذات يوم ديمقراطية نموذجية، حسبما تجلَّى في نسبة المشاركة الضخمة التي بلغت 85 في المائة في انتخابات الأحد -أعلى نسبة في الاتحاد الأوروبي. لقد صوَّت نحو 60 في المائة من الناخبين الشباب، بين 18 و25 عاماً، لصالح أحزاب اليسار واليمين المتطرفة، بالإضافة إلى «البطيخ».

وعليه، تبدو ألمانيا، بكل المقاييس، في طريقها نحو طريق وعر. وتزداد صعوبة التفاوض على هذا الطريق، جراء النظام الانتخابي القائم على التمثيل النسبي، الذي يَحول دون ظهور إجماع الأغلبية، في خضمّ جهود معالجة التحديات الكبرى التي قد تواجهها أي دولة.

والتساؤل الآن: هل يستطيع ميرز أن يتولى مسؤولية هذه المهمة الشاقة، في وقت يمر فيه الاتحاد الأوروبي بأكمله بأزمة؟ هنا، ربما تساعده حقيقة أنه أول رجل أعمال يتولى منصب المستشار، وأكثر مَن تولوا المنصب «أميركيةً» من حيث الأسلوب. أضف إلى ذلك أنه قارئ نهم لنيتشه الذي يؤمن بأن «ما لا يقتلني يزيدني قوة»... لكن مَن يدري؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ركائز ألمانيا الخمس المهتزة ركائز ألمانيا الخمس المهتزة



GMT 23:14 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة فاشلة؟

GMT 23:11 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحزاب ليست دكاكينَ ولا شللية

GMT 23:09 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

«أبو لولو»... والمناجم

GMT 23:07 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ونصيحة الوزير العُماني

GMT 23:05 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سراب الوقت والتوأم اللبناني ــ الغزي

GMT 23:00 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا يكره السلفيون الفراعنة؟!

GMT 22:56 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الحرية تُطل من «ست الدنيا»!

GMT 22:54 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

من القصر إلى الشارع!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 09:44 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ستة مشروبات طبيعية لتعزيز صحة الدماغ والذاكرة
المغرب اليوم - ستة مشروبات طبيعية لتعزيز صحة الدماغ والذاكرة

GMT 18:48 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مايكروسوفت توقع صفقة حوسبة ضخمة بقيمة 9.7 مليار دولار
المغرب اليوم - مايكروسوفت توقع صفقة حوسبة ضخمة بقيمة 9.7 مليار دولار

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 15:40 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 13:10 2015 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

فوائد الشوفان لتقليل من الإمساك المزمن

GMT 00:09 2016 الخميس ,10 آذار/ مارس

تعرف على فوائد البندق المتعددة

GMT 15:10 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تُشارك في بطولة العالم للجمباز الفني بثلاثة لاعبين

GMT 05:52 2018 الأربعاء ,29 آب / أغسطس

استخدمي المرايا لإضفاء لمسة ساحرة على منزلك

GMT 11:25 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تعرف على وجهات المغامرات الراقية حول العالم

GMT 10:10 2018 الأربعاء ,13 حزيران / يونيو

هولندا تدعم "موروكو 2026" لتنظيم المونديال

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

نجاة أحمد شوبير من حادث سيارة

GMT 09:26 2018 الخميس ,05 إبريل / نيسان

"الجاكيت القطني" الخيار الأمثل لربيع وصيف 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib