أهل غزة ضد الحرب

أهل غزة ضد الحرب

المغرب اليوم -

أهل غزة ضد الحرب

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الشعب الفلسطيني في غزة ينتفض، ضد العدوان الإسرائيلي المستمر والمتوحش، وضد الديكتاتورية والقمع والحكم الغاشم لا الرشيد، وهو شعبٌ معروفٌ بنضاله الطويل دفاعاً عن حقوقه، ولم يستطع الاحتلال كسر عزيمته على مدى عقودٍ من الزمن، وهو سيستمر في المطالبة بهذه الحقوق شاء مَن شاء وأبى مَن أبى، ولكنه مرّ في عقد ونصف العقد من الزمان بنوعٍ لم يعهده من الإدارة الفلسطينية المختلفة، التي كان يجمعها النضال الوطني حتى تمّ الانقلاب على كل ذلك عسكرياً في منتصف 2007.

دخل الشعب الفلسطيني في غزة لعقدٍ ونصف العقد في حكم أحد الفصائل الإخوانية المسلحة، التي تنتمي لمعتقداتٍ سياسيةٍ لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية إلا كشعارٍ ديني يوفر السيطرة السياسية، وكما هي عقيدة جماعة الإخوان المسلمين فإن «الوطن» مجرد «وثن» أو «صنم» أو بحسب سيد قطب فإن «الوطن حفنة من ترابٍ عفن».

لم تقصِّر قيادات حركة «حماس» في التعبير عن هذا المعنى، حيث كانوا يصرِّحون بأن «فلسطين» لا تعني شيئاً لـ«حماس»، وأن مشروع الحركة هو مشروع أمةٍ، وأن العقيدة أكبر من الوطن، وهم ساروا في ذلك على تنظيرات سيد قطب، ومن قبله مؤسس الجماعة حسن البنا، الذي كان يقول: «وافتتن الناس بدعوة الوطنية». وقال «إن الوطنية فتنةٌ» وكان أكثر صراحةً حين قال: «إننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة». وأكد على المعنى نفسه من بعده المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي، بقوله: «نحن معشر الإخوان المسلمين لا نعترف بحدود جغرافية». وأصرح منهم جميعاً المرشد السابع للجماعة مهدي عاكف بقوله «طز في مصر». فالحركة لا تناقض نفسها حين لا تعترف بفلسطين قضيةً وشعباً، بل هي تسير على خطى الجماعة فكراً وخطاباً وتنظيماً.

حقيقة معروفة لدى المتابعين والمراقبين، وهي أكثر وضوحاً لدى الشعب الفلسطيني في غزة، وهي أن القطاع منذ عقد ونصف العقد بات يُحكَم بالحديد والنار، وقد كتب كاتب هذه السطور وغيره مراراً أن الشعب الفلسطيني لو مُنح الخيار لاختار إقصاء الحركة عن الحكم، ومنعها من التحكم في مصير شعبٍ بأكمله.

لم يعانِ الشعب الفلسطيني في غزة من الديكتاتورية فحسب، بل وعانى أكثر من ذلك حين اختارت الحركة أن تمنح ولاءها وقرارها السياسي والعسكري لمحور إقليمي معادٍ للدول والشعوب العربية، فصارت تحرق القطاع كل بضع سنواتٍ في حربٍ لا تبقي ولا تذر، شعباً وشجراً وحجراً، لخدمة مصالح ذلك المحور الإقليمي، ولا تقضي عليها إسرائيل كلياً، بل تبقيها لتستمر في ارتكاب المغامرات.

كان المحللون السياسيون المتعمقون في فهم السياسة وفهم «حركات الإسلام السياسي» يكررون منذ سنواتٍ أن الشعب الفلسطيني في غزة لا يريد الحروب، ويسعى للسلام بدعمٍ من «منظمة التحرير» و«السلطة الفلسطينية»، و«الدول العربية»، ولم يكن يرفض ذلك إلا «اليمين الإسرائيلي»، وحركة «حماس» لأن مصلحتَي الطرفين التقتا على تصفية القضية الفلسطينية، إما بتكرار الحروب العبثية، وإما بإجبار إسرائيل على تهجير الغزاويين، وكان المزايدون العرب من المؤدلجين قومياً أو إسلاموياً يخرجون على الفضائيات من مشارق الأرض ومغاربها تأييداً لإحراق القطاع وشعبه، وتمكين إسرائيل منه بشعاراتٍ جوفاء وعباراتٍ رنانةٍ لا تسمن ولا تغني من جوعٍ، وهم يحسبون أنه لن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه الشعب الغزاوي التعبير عن نفسه، ثقة من هؤلاء المزايدين في أن قبضة «حماس» الحديدية الباطشة لن تسمح لهم بالتعبير عن رأيهم، ولكن الأمور تغيَّرت بعد الحرب الأخيرة.

فيما مضى، وعلى فتراتٍ متفرقة كانت تخرج مقاطع فيديو يتحدث فيها الغزيون عن رفضهم لكل تلك السياسات المؤدلجة والحروب العبثية التي يدفعون ثمنها، وكانت النتيجة دائماً هي ملاحقة عناصر الحركة العسكريين والأمنيين لهؤلاء المواطنين المغلوبين على أمرهم، وممارسة التصفية أو التنكيل تجاههم حتى لا يكونوا عبرةً لغيرهم من الفلسطينيين.

كانت تلك المقاطع المُصوَّرة والتسجيلات الصوتية والكتابات في مواقع التواصل، تخرج من غزة تستغيث أي جهةٍ لتنقذها من الوضع الديكتاتوري العنيف الذي تعيشه، ولكن لم تلتفت لها قنواتٌ وكتابٌ ومحللون اختاروا غض الطرف عن الشعب الفلسطيني لمصلحة الحركة والمحور الإقليمي.

واليوم بان الصبح لذي عينين، فبمجرد أن ضعفت قبضة الحركة؛ بسبب الحرب التي أخطأت حساباتها، وباتت تركز على حماية عناصرها في الأنفاق، وتخبئة الرهائن معهم تحت الأرض، ضعفت قبضة الحركة على الشعب فوقها، فلم يكذب خبراً، وخرج في مظاهراتٍ حاشدةٍ، وبوجوهٍ مكشوفةٍ، وبأسماء يعلنها على الملأ، ليقول بصوتٍ واحدٍ «حماس برا برا» ويعبر الشعب صراحةً وبمرارةٍ عن رفضه لهذه العبثية والديكتاتورية ورغبته الأكيدة في الحياة والسلام، وهو ما يجب أن تركز عليه كل وسائل الإعلام، وتمنح صوت الشعب مداه الأقصى ليصل للجميع.

الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني يتظاهران رفضاً للحرب، ولكن حكومة نتنياهو وحركة «حماس» ترفضان الخيار الشعبي في السلام، وتصران على مواصلة الحرب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أهل غزة ضد الحرب أهل غزة ضد الحرب



GMT 23:14 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ذاكرة الرجل الصامت

GMT 23:12 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إسرائيل... لماذا تفوَّقت في لبنان وليس في اليمن؟

GMT 23:10 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

مشهد الشرق الجديد... من يرسمه؟

GMT 23:07 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سبب آخر للاستقالة

GMT 23:05 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

البديل الحوثي للبنان...

GMT 23:04 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

التجويع بهدف التركيع

GMT 23:02 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس؟

GMT 23:00 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ماذا لو رد «الجميل» السلام؟!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح

GMT 12:05 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ميسي يعلن أنه لن يلعب لأي فريق أخر في أوروبا

GMT 13:40 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

الرجاء يخوض منافسات كأس الكاف بقميص جديد

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الوردي والذهبي مع الباستيل آخر صيحات موضة 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib