تدمير المعنى السلام أنموذجاً

تدمير المعنى: السلام أنموذجاً

المغرب اليوم -

تدمير المعنى السلام أنموذجاً

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

ربما من أصعب الأشياء التي يعيشها العالم منذ سنوات هي الحرب الضروس ضد المعنى والقيمة. هناك من تحدث عن سقوط إمبراطورية المعنى. وهناك من استسلم لسلسة الانقلابات الخطيرة التي بات يعرفها العالم وتأقلم معها، مع ما يعنيه ذلك من تفريط في المنطق والمعاني والقيم التي تمثل التنشئة الذهنية للإنسان بصرف النظر عن هويته وانتماءاته الفكرية والعقائدية والعرقية والحضارية.

من ذلك أن الفهلوة وحرير الكلام الذي يبلغ الكذب والنفاق أحياناً أصبحا من علامات الذكاء الاجتماعي والشطارة. كما أن النتيجة هي أهم من الطريقة المعتمدة لبلوغها، ولا مشكلة إذا كانت الطريقة غير شرعية وغير أخلاقية، فكل الطرق تؤدي إلى روما، والمهم هو الوصول إلى «روما» وبديلها لدى كل شخص.

يمكن القول إن أكبر هزيمة عرفتها الأجيال الراهنة هي هزيمة المعاني والصدمة القيمية التي يسمع صداها الموجعون والمهمشون والمقهورون في العالم اليوم وما أكثرهم.

لا يجب الاستهانة بالمرة بسقوط المعنى. فهو الحدث الذي بعده نفقد المرجعيات والأسس والمقاييس. بكل وضوح إننا نفقد هندسة العقل ويصبح المطلوب منا القبول بتفكير ناتج عن ذهن بهندسة البناء الفوضوي.

يمكن توضيح فكرتنا أكثر بالاستناد إلى السريالية كطريقة جمالية ننتقد بها الواقع. ما يحدث منذ سنوات هو الإصرار على تحويل السريالية إلى واقع والتعامل معه على أساس أنه غير سريالي. في هذا الإطار من الحرص المستمر على تحويل الواقع إلى سريالي من دون توصيفه بذلك، نضع مثالاً؛ نية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترشيح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لجائزة نوبل للسلام.

طبعاً أثار هذا الموضوع جدلاً واسعاً يصبّ في مجمله في حالة الصدمة من انقلاب المعنى والمعايير. بل إن هذه النية أشبه ما يكون بتتمة للعدوان الإسرائيلي على غزة في ما يمثله من قهر.

أول صدمة تمس العقل مباشرة أن يقترن شخص نتنياهو بكلمة السلام بصرف النظر عن الشخص المستفيد من الترشيح. هنا أول سؤال يطرحه العقل الطبيعي؛ أيّ علاقة بين نتنياهو والسلام؟ هل يعلم بوجود كلمة في اللغة تفيد معنى السلام؟ وإذا كان على علم؛ أليس هذا الرجل هو من أشد أعداء السلام والضاربين به عرض الحائط؟

لنتذكر أن لكل شيء حدوداً، بما في ذلك الواقعية والاستسلام والقهر وتحويل الهوية الجنسية للمعاني. وتحت هذا السقف الأدنى من الحدود، فإن العقل لا يستطيع المحافظة على سلامته العقلية عندما يصل الأمر بشخص تسبب في قتل آلاف الأطفال والنساء وقصف المستشفيات ومنع المساعدات الغذائية عن أهالي غزة. قد يقترح شخص آخر وقد يكون نفس الاقتراح مقبولاً ولكن هذا الأمر مستغرب ومستهجن جداً في حالة نتنياهو. هكذا يمكننا أن نفهم حالة الصدمة من صاحب الترشيح الذي لا نعتقد أن هناك، مع اختلاف المواقف، من يمكن أن يصل بينه وبين فكرة السلام أو الفعل السياسي الذي يهدف إلى خلق السلام. وأغلب الظن أن نتنياهو نفسه لا يصدق ذلك.

لنأتي إلى فكرة ترشيح السيد ترمب نفسها التي تبدو لنا منطلقاً للتفكير في مدى مصداقية ترشيح أي شخصية سياسية. ذلك أن هذه الجائزة المسيسة بطبيعتها، التي لم تمنح لأي معارض أو منتقد لإسرائيل وسياساتها، إنما تقوم على مفهوم خاص للسلام في الشرق الأوسط، أي السلام في عيون الحاكمين في إسرائيل، وليست جائزة في خدمة السلام في المطلق أو خارج المنظور الإسرائيلي.

وفي الحقيقة، فإن مبدأ ازدواجية المعايير في تحويل وجهة معنى السلام وإفراغه من معناه الأصلي ليس مسألة جديدة بسبب الطابع التسيسي للجائزة. كما أن منح جائزة لسياسي هي مسألة من حيث المبدأ تفتقد إلى المصداقية، السياسة عالم البراغماتية والمصالح والصداقات والعداوات غير الدائمة، في حين أن السلام فكرة مثالية نبيلة عالية المعنى والمكانة. وهو ما يعني أنه من الصعب جداً أن يكون هناك سياسي يستحق جائزة حول السلام. فالسلام لا يقوم على مصلحة طرف واحد، وكل رجل سياسة لا يهمه شيء غير مصلحة بلاده، وإذا كان عكس ذلك فهو سياسي فاشل في تقييم أهل السياسة الجهابذة.

ومَن يعاين واقع الحال على الأرض منذ سنوات فإن السلام شبه غائب وحالة تكاد تكون شاذة، في حين أن التوتر والصراع هما القاعدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تدمير المعنى السلام أنموذجاً تدمير المعنى السلام أنموذجاً



GMT 23:14 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة فاشلة؟

GMT 23:11 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحزاب ليست دكاكينَ ولا شللية

GMT 23:09 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

«أبو لولو»... والمناجم

GMT 23:07 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ونصيحة الوزير العُماني

GMT 23:05 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سراب الوقت والتوأم اللبناني ــ الغزي

GMT 23:00 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا يكره السلفيون الفراعنة؟!

GMT 22:56 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الحرية تُطل من «ست الدنيا»!

GMT 22:54 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

من القصر إلى الشارع!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 09:44 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ستة مشروبات طبيعية لتعزيز صحة الدماغ والذاكرة
المغرب اليوم - ستة مشروبات طبيعية لتعزيز صحة الدماغ والذاكرة

GMT 18:48 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مايكروسوفت توقع صفقة حوسبة ضخمة بقيمة 9.7 مليار دولار
المغرب اليوم - مايكروسوفت توقع صفقة حوسبة ضخمة بقيمة 9.7 مليار دولار

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 15:40 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 13:10 2015 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

فوائد الشوفان لتقليل من الإمساك المزمن

GMT 00:09 2016 الخميس ,10 آذار/ مارس

تعرف على فوائد البندق المتعددة

GMT 15:10 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تُشارك في بطولة العالم للجمباز الفني بثلاثة لاعبين

GMT 05:52 2018 الأربعاء ,29 آب / أغسطس

استخدمي المرايا لإضفاء لمسة ساحرة على منزلك

GMT 11:25 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تعرف على وجهات المغامرات الراقية حول العالم

GMT 10:10 2018 الأربعاء ,13 حزيران / يونيو

هولندا تدعم "موروكو 2026" لتنظيم المونديال

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

نجاة أحمد شوبير من حادث سيارة

GMT 09:26 2018 الخميس ,05 إبريل / نيسان

"الجاكيت القطني" الخيار الأمثل لربيع وصيف 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib