نحن والصدامات

نحن والصدامات!

المغرب اليوم -

نحن والصدامات

د. آمال موسى
د. آمال موسى

نظرياً الأشياء غير المتوقعة هي التي تُشكل صدمة. بمعنى آخر، فإن غير المتوقع وحده هو القادر على إحداث الصدمة.ولكن واقعياً هذه الفكرة النظرية ليست دائماً صحيحة مائة في المائة. فكم من أمر رغم كونه متوقعاً فإننا نشعر إثر حدوثه بالصدمة. ولعل المثال الدامغ على ما ذهبنا إليه هو الموت، نكون على يقين أن حالة العزيز علينا ميؤوس منها، وأنه في مرحلة متقدمة من المرض العضال، ومع ذلك عندما ينتهي أجل مريضنا العزيز فإننا نعيش الصدمة والفجيعة.

هذا المدخل أردناه لتنسيب علاقة الصدمات بالمتوقع وغير المتوقع، وذلك في سياق تناولنا موضوع صدمة تونس من تصنيفها الأسبوع الماضي من وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني دولةً تنتمي إلى صنف «ب 3»، وهي المرتبة ما قبل إعلان تونس دولة مفلسة غير قادرة على تسديد ديونها من جهة، مع التحذير من إقراضها من جهة ثانية.

شعر التونسيون بالصدمة والخيبة، رغم أنه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي صُنفت من نفس الوكالة ضمن تصنيف «ب 2»، الذي يعني أن تونس ذات نظرة مستقبلية سلبية. وللعلم فإن هذا التصنيف أيضاً قد أحدث صدمة منذ 5 أشهر ماضية، ولكن على ما يبدو لم تكن بالصدمة الفاعلة والخلاقة التي تحدث حالة من اليقظة والاستنفار من أجل إنقاذ ما يجب إنقاذه. وهو رد فعل يمكن أن نستنتج منه أن النخب الحالية في تونس تفتقد الشعور بالمسؤولية تجاه انعكاسات، مثل هذه التصنيفات ومدلولها على الشعب التونسي.
السؤال الذي يفرض نفسه مبدئياً؛ لماذا بلغ التدهور بتونس هذا الحد؟
حسب تقرير «موديز»، فقد تم تفسير تراجع تونس الاقتصادي بضعف الحوكمة وتعطل الإصلاحات، خاصة في القطاع العمومي، وتداعيات جائحة كورونا. وهي تفسيرات مقنعة، ويُصدقها الواقع الاقتصادي. والمشكل الأكبر في التقرير المشار إليه ليس فقط في إعلان الأزمة واقتراب تونس من قاع الهاوية مالياً واقتصادياً، بل إن المشكل في الإشارة إلى العجز الظاهر في تجاوز أسباب التدهور، وغياب الأفق الذي يجعل من أمل تحسن تصنيف تونس في السوق المالية أملاً واقعياً قابلاً للتحقق.

طبعاً اليأس من الشعوب، من الأفكار التي فنّدها تاريخ الشعوب. واليأس في المثال التونسي مردّه الأزمة السياسية وتشعبها وبلوغها مستوى متقدماً من التعقيد. فالتدهور الاقتصادي التونسي ارتبط بالتجاذبات الآيديولوجية والصراعات، وحرب الكل ضد الكل.

وإذا عدنا وتأملنا بموضوعية مسار الحكومات التونسية خلال العشرية الماضية، فسنجد أن كل الحكومات لم تتمتع بالحد الأدنى من الاستقرار حتى تنكب على معالجة ملفات التشغيل والبطالة والإصلاح في القطاع العمومي المرهق لكاهل الدولة وأزمة التعليم وقطاع الصحة.

لقد رفضت الأحزاب اليسارية والحداثية الإسلام السياسي، وتحديداً حركة النهضة، وتم نصب العداء والنقد لكل من تحالف مع حركة النهضة. وكانت المعارضة فاعلة، رغم ضعف التمثيلية البرلمانية، وذلك لأن معارضتها التحمت مع الحركة الاحتجاجية الشعبية المنادية بتحقيق أهداف الثورة التي عرقلها عدم الاستقرار السياسي والقطع مع ثقافة الغنيمة. وفي مقابل هذا الرفض من الأحزاب المعارضة لوجود الإسلام السياسي في الحكم فإن حركة النهضة لم تنجح في تقديم البديل، ووقعت في أخطاء أسهمت في تراجع شعبيتها، وفشلت في المحافظة على من تحالفوا معها، رغم تكلفة التوافق معها، أي أنها قدّمت أداء سياسياً براغماتياً ونفعياً بالمعنى الضيق للكلمة، أثّر في مصداقية ما قطعته من وعود جوهرية في حملاتها الانتخابية. ولقد مس هذا التأثير القواعد الشعبية المنتمية للحركة نفسها.
ومنذ أسابيع طويلة، دخلت تونس في أزمة سياسية حادة، وذلك في قلب جائحة كورونا وتداعياتها الخطيرة على الفئات الشعبية الضعيفة والمتوسطة، حيث قام رئيس الحكومة بتحوير (تغيير) وزاري استهدف الوزراء الذين رشحهم رئيس الجمهورية، فكانت نتيجة الصراع السياسي المجاني حول من يهيمن أكثر على الحكم، والحقائب الوزارية، ورفض رئيس الدولة أن يؤدي بعض الوزراء الجدد اليمين أمامه، وهو بند دستوري أساسي.
الواضح جداً أن الصراع السياسي أقوى من الصدمات الاقتصاديةوتدهور أحوال البلاد. وهنا نفهم سر اليأس ومصدره.

اللافت للانتباه أنه رغم ما يمثله هذا الإخفاق من مادة دسمة للمعارضة التونسية ولخصوم النخبة الحاكمة حالياً في تونس، فإننا نلاحظ نوعاً من اللامبالاة، ومن غياب طرف سياسي فاعل يعلن صيحة الفزع ويجمع الجميع إلى طاولة الحوار والتفاوض والتجاوز. ويبدو أن إطلاق هذه الصيحة قد تجاوزه تراكم الإخفاقات، ما يجعل من مصلحة المعارضة سياسياً المواصلة في مواقفها، باعتبار أن استراتيجية المعارضةهي جعل هذه المنظومة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة في حالة عزلة. فالهدف هو عزل الأطراف الحاكمة سياسياً والمرور إلى مرحلة سياسية لا تحكم فيها حركة النهضة.

وهنا لا بد من طرح مجموعة من الأسئلة، هل تتماشى استراتيجية المعارضة التونسية مع شروط الديمقراطية؟ وكيف يتم العزل في التجارب الديمقراطية؟ وهل تبني مثل هذه الاستراتيجية، مهما كانت أسبابها مقنعة، يأخذ بعين الاعتبار الفاتورات الاقتصادية وواقع الفئات الضعيفة؟
والسؤال الآخر الأكثر إلحاحاً، ماذا ستفعل الحكومة التونسية التي خططت للميزانية الجديدة، على فرضية أنها ستقترض 16 مليار دينار، والحال أن تقرير «موديز» سيجعل قدرة تونس على التفاوض مالياً ضعيفة جداً؟
تونس مقبلة على صدمة حقيقية وموجعة للجميع إذا استمر الصراع الآيديولوجي السياسي الأعمى البصيرة. وإذا أراد الجميع الحياة فلا مفر من جعل الموجع والصادم مصدر خلق ونجاح.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحن والصدامات نحن والصدامات



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 00:30 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

هالاند يحذر خصومه ويؤكد ما زلت أملك المزيد
المغرب اليوم - هالاند يحذر خصومه ويؤكد ما زلت أملك المزيد

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib