«أرضنا» التي تبحث عن أصحاب

«أرضنا» التي تبحث عن أصحاب...

المغرب اليوم -

«أرضنا» التي تبحث عن أصحاب

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

قبل أيّام نقل موقع إسرائيليّ، عن مصدر وصفه بأنّه «مقرّب من الرئيس السوريّ أحمد الشرع»، أنّ سوريّا تطالب بأن تسلّمها إسرائيل ما لا يقلّ عن ثلث مساحة هضبة الجولان. أمّا أحد السيناريوين اللذين قد تتمّ «الصفقة» بموجبهما فـ«اتّفاقٌ أوسع يشمل تسليم مدينة طرابلس اللبنانيّة ومناطق أخرى شمال لبنان وسهل البقاع إلى السيادة السوريّة».


وما لبث «كاتب وسياسيّ» سوريّ يُدعى كمال اللبواني أن صرّح بأنّ «طرابلس كلُّ عمرها سوريّة، ولماذا لا نستعيدها مع مدينة صيدا ونُعيد لبنان الكبير إلى لبنان الصغير؟».

أغلب الظنّ أنّ الخبر من أصله ضعيف لا يُبنى عليه. مع هذا فمسألة الأراضي وحدود الأوطان تُعاد إلى التداول في منطقة المشرق العربيّ بكثير من الهمّة والنشاط.

وكنّا عرفنا، عبر «جيروزاليم بوست» و»وول ستريت جورنال»، أنّ وجهاء في مدينة الخليل يطالبون بإقامة «إمارة الخليل» المستقلّة عن السلطة الفلسطينيّة. ونعلم أنّ تعبيري «فيدراليّة» و»تقسيم»، على ما بينهما من اختلاف، فتتّسع رقعة المطالبة بواحد منهما، فيما تتزايد، في سائر بلدان المشرق، الأصوات الرسميّة وغير الرسميّة التي تردّ على مطالبة كهذه.

وليسوا قلّة أولئك الذين فاجأهم المبعوث الأميركيّ توم برّاك حين أدلى بدلوه في أمر اتّفاقيّة سايكس بيكو، فرأى أنّها «قسّمت سوريّا والمنطقة لأهداف استعماريّة، وليس من أجل السلام، وأنّ ذلك التقسيم كان خطأ رتّب أكلافاً على أجيال بأكملها، وهو لن يتكرّر مرّة أخرى».

لكنْ لئن استعار برّاك لغة القوميّين العرب الأوائل، بقي الفارق كبيراً بين الإدانة القديمة لسايكس بيكو وإداناتها الجديدة: فنقّاد الاتّفاقيّة القدامى كانوا يطمحون، من وراء النقد، إلى بلد أكبر هو «أمّة عربيّة» أو «إسلاميّة» أو سوريّة». أمّا الآن فينصبّ المزاج العامّ على طلب بلدان أصغر تكون أوعية للطوائف والأديان والإثنيّات. كذلك صدر النقد القديم حين لم تكن الدول القائمة قد اختُبرت وجُرّبت بما فيه الكفاية، بينما يترافق النقد الحاليّ مع تجريب مديد لتلك الدول أنتج قناعة، ليست قليلة الشيوع، بفشلها. ولئن ارتبطت نتائج الحرب العالميّة الأولى بقيام الدول، ونتائج الحرب العالميّة الثانية باستقلالها، أو استكمال استقلالها، فالسائد اليوم يتفاوت بين الحيرة بصدد المشكلة، والتجاهل العالميّ لها، والبحث عن حلول سريعة وموضعيّة لتجلّياتها النافرة.

لكنْ في الحالات كافّة بات يمكن القول إنّ الموقف من «الأرض» شهد تغيّراً كبيراً في المشرق جاءت الحرب الأخيرة/الراهنة تفصح عنه. واليوم يُستسهل العبث بالأرض من دون أيّة خطة، والعبث تالياً بقاطنيها من السكّان. وبالمعنى هذا بات يُستسهل النظر إليها، على ما هي الحال في غزّة، بوصفها عقاراً، تماماً كما يجري الخلط الواسع بين حقوق المُلكيّة وحقوق السيادة.

ولئن اختلطت المنازعات الألمانيّة – الفرنسيّة الشهيرة حول ألزاس لورين بنقاش فكريّ يطال الهويّة، وما إذا كانت الأولويّة فيها تعود إلى مشيئة السكّان أو إلى أصولهم ولغتهم، فإنّ نقاشاً كهذا لم تعرفه أراضينا، بالسليب منها وغير السليب. ولئن انفجر، في بيئة الثوريّين الروس مطالع القرن الماضي، نقاش بالغ الغنى والحدّة حول معاهدة برِست ليتوفسك مع ألمانيا، وجواز التنازل عن الأرض مقابل تعزيز سلطة ما، فالعياذ بالله من كلّ نقاش عامّ ظلّ لسان حالنا العمليّ في ما خصّ أراضينا.

والانعطاف الكبير هذا ليس مفاجئاً إلاّ في حدود علنيّته المستجدّة. فقد مهّدت له العقود الأخيرة بأكثر من شكل وصيغة: ففي سوريّا مثلاً، حيث احتُلّت هضبة الجولان في 1967، ثمّ ضُمّت رسميّاً إلى إسرائيل في 1981، تصرّف النظام الأسديّ كما لو أنّ الحياة تمضي على رسلها بهضبة جولان أو من دونها. وعمليّاً تولّت معادلة «اللاحرب واللاسلم»، المقرونة بـ»التزام حافظ الأسد بتعهّداته»، والمستندة إلى اتّفاقيّة فضّ الاشتباك في 1974، تصنيف أرض الجولان التي لا يبحث صاحبها عنها كأنّها هي الأخرى «أبد»، إلاّ أنّ «خلوده» من طبيعة سالبة. وأمّا «لبنانيّة مزارع شبعا» فبدت لأكثر اللبنانيّين أشبه بزرع عبوة ناسفة في أحضانهم، تنفجر بهم وببلدهم كلّ يوم.

وأغلب الظنّ أنّ هذا جميعاً ما كان ليحصل لولا موقف أصليّ من الأرض عكس نفسه في بناءات سياسيّة غدت معها أرض الطائفة الأخرى أرضها وحدها، دون باقي «شركاء الوطن». وهذا فيما ظلّت «الأمّة» التي يريدها الفكر السياسيّ العربيّ، ضدّاً على سايكس بيكو، أشبه بمعجون الأطفال. فمع نجيب عازروي مثلاً اقتصرت «الأمّة العربيّة» على الجزء الآسيويّ من العالم العربيّ، ومع ساطع الحصري وميشيل عفلق تمدّدت لتضمّ جزءه الأفريقيّ. وفي حالة أنطون سعادة بلغت المهزلة ضمّ قبرص إلى «الأمّة السوريّة»، وضمّ العراق والكويت أيضاً مع اكتشاف النفط فيهما. وأخيراً جاء الإسلاميّون فطالبونا بأن ننسى الأمم على أنواعها ما خلا «أمّة المؤمنين».

وهذا على امتداد زمن مديد كنّا فيه، ولا نزال، في أشدّ الحاجة إلى أراضٍ مستقرّة في دول وطنيّة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أرضنا» التي تبحث عن أصحاب «أرضنا» التي تبحث عن أصحاب



GMT 16:03 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

مائة عام على كتاب هتلر: «كفاحي»

GMT 16:02 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سمومُ موازينِ القوى

GMT 15:57 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

بين الرياض والقاهرة... عَمار

GMT 15:55 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

هل قُتل شيمون بيريز في غزة؟

GMT 15:52 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

ليبيا... زيارة بولس وحديث السبعين مليار دولار

GMT 15:51 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

من يكتب التاريخ؟

GMT 15:50 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سخونة محلية ..!

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 11:26 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

محطات وشخصيات صنعت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"

GMT 18:53 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:13 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

فيليب ستاين تقدم تشكيلة فريدة من أساور "هوريزون"

GMT 03:40 2017 الجمعة ,21 إبريل / نيسان

طرح عطر متميز بمكون مثير من توقيع Guerlain

GMT 07:25 2014 الإثنين ,17 شباط / فبراير

شركة "SRT" تعرض نسخة خاصة من موديل دودج تشارجر

GMT 00:08 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

شجار بين العامري ولكحل والأخير يغيب عن التدريبات

GMT 01:12 2015 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

خبراء يقدمون دليلًا لقضاء العطلة في أنحاء أفريقيا

GMT 09:42 2015 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

فوائد أكل الزبيب على الريق
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib